"السيترنات" أو ما يدعى بصهاريج المياه، تدور في أحياء الضاحية يوميًا. المواطنون في الضاحية الجنوبية اعتادوا على المشهد. فانقطاع المياه يشكل معاناةً مزمنة للسكان خلال أشهر الصيف الثلاثة، إن لم يكن أكثر. ولا مشقّة في البحث عن عينات نظرًا لكثرتها.
"اللي خلق علق بلبنان"
"المي مصروف لحاله" تعلّق الحاجة أم محمد عيتاوي (من سكان المعمورة). وتحكي أم الستة أولاد عن معاناتها مع انقطاع المياه قائلة "نحتاج لتعبئة المياه مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيا لتلبية الحاجات الأساسية للعائلة، لكن وضعنا المعيشي لا يسمح لنا دائما بذلك". وتتابع "نحن غير قادرين على تغيير منزلنا ولا واقعنا. اللي خلق علق بلبنان، نحتاج لمعجزة لتغيير حالنا لأننا كلما استدرنا نفاجأ بمصيبة".
المياه حاجة أساسية
يُفضل مصطفى حمادة السكن في القرية على السكن في بيروت. ويعدّ انقطاع المياه واحدًا من الأسباب الأساسية التي تجعله يفكر بذلك. حيثُ يرفض الشاب العشريني المقبل على الزواج أنّ يعيد تجربة أهله، يقول "إنها معاناة. طلّ عالخزان دوّر موتير وطفّي موتير، وأنا بغنى عنها". أمّا حسين فاختار أن يستأجر منزلًا آخر ذا بئر ارتوازية، بعد أن أجّر منزله في منطقة الكفاءات بسبب عدّة مشاكل أبرزها انقطاع المياه. ويرى حسين أنّ من يحتكرون المياه في المنطقة هم السبب الرئيسي لمعاناة السكان هناك، يقول "هناك تجار موصوفون بالجشع ومعروفون، ينتظرون موسم الصيف حتى ينهبوا الناس، يقطعون الأنابيب والامدادت لغاياتهم". ويتابع "طالما أن الدولة ساكتة، فحتضل الناس المشحرة تاكلها".
انقطاع المياه في الضاحية الجنوبية
قبل الحديث عن أصحاب "السيترنات" من جهة وأولئك الذين يحتكرون المياه في الضاحية الجنوبية من جهة أخرى، تجدر بنا الاشارة إلى الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى انقطاع المياه في منطقة الضاحية بحسب مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان. حيثُ كانت الأخيرة قد أعلنت عن بعض العوامل التي تؤول إلى انقطاع المياه كل سنة، كمعدل المتساقطات خلال العام الذي ينخفض بشكل جلي مقارنة بالسنوات الفائتة ما يؤثر على كميات المياه في الينابيع كافة التي تعتمد عليها المؤسسة لتوزيع المياه، بالاضافة إلى توقف عدد من الآبار الارتوازية التابعة للمؤسسة. كما أعلنت أنها بوارد القيام بأشغال مختلفة على الشبكة من استبدال عدة خطوط رئيسية قديمة بخطوط جديدة مع تغيير عدة سكورة وقساطل وضبط مناطق التوزيع في ساحل المتن وبعبدا والضاحية الجنوبية وغيرها بهدف الحد من الهدر على الشبكات وبالتالي تخفيف حدة هذا الشح. وهي في جهود مستمرة لانشاء السدود وفي مقدمتها سد جنة وسد بسري.
عمل مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان بدا واضحًا بالتعاون مع البلديات، لا سيّما بما أظهرته الحفريات المستمرة في مناطق الضاحية الجنوبية مؤخرًا. وهذا ما يؤكّده رئيس بلدية حارة حريك الأستاذ زياد واكد في حديثه مع موقع "العهد"، مشيرًا إلى أنّ المؤسسة ساهمت مع البلدية بالقيام بالتمديدات في حارة حريك ومناطق كثيرة في الضاحية، بهدف استقبال المياه المراد إيصالها بعد حوالي السنتين من مشروع مياه الأولّي. إلاّ أنّه شدد على "أهمية وجود حلول استثنائية، أي قيام مصلحة مياه بيروت بوضع حلول بديلة مؤقتة ريثما يتم انجاز مشروع مياه الأولي الذي يغذي المنطقة تفاديًا لمعاناة الناس خلال الصيف، بما في ذلك تأمين خزانات ضخمة للهدف نفسه.
يناشد واكد المعنيين في مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان -التي تتحمل كامل المسؤولية بحسب قوله - لتأمين مصادر المياه للمنطقة، وتسريع الاجراءات في هذا المجال، مبديًا استعداده وبلديته للمشاركة بأي دراسات تُقام في هذا الصدد ولتقديم أي تعاون يساهم بالتخفيف عن السكان.
التجارة بالمياه
أحد رؤساء البلديات صرّح منذ عامين بعد الشكاوى المتكررة لأهالي منطقته من انقطاع المياه، أنّ السبب الأساسي لذلك هو في كون "المافيات في خلدة يسحبون المياه الآتية من الآبار الارتوازية في المشرف، ويحولون المياه إلى المسابح في فصل الصيف". وتابع "الهدر في الشبكات والتمديدات، والاغلاق المتعمد لموزع المياه إلى المنطقة من الشبكة الرئيسية، إضافة إلى زيادة الطلب بسبب الزيادة الكبيرة في عدد السكان الذي تخطى ال 250 ألف نسمة" تعد أسبابًا أخرى أيضًا.
ولعلّ سحب المياه، وقطع الامدادات والاستيلاء عليها لبيع المياه وتخصيصها لجهات معينة، تعدّ من أكثر الأسباب التي تلعب دورها في قطع المياه عن الضاحية الجنوبية، والتي لا زالت خارج نطاق السيطرة لأسباب شتّى. هذا الامر دفعنا للاستفهام عن مصادر مياه بعض أصحاب الصهاريج، وجعلنا نتواصل مع أكثر من بائع للمياه، آخذين بعين الاعتبار الفرق بين التاجر المحتكر والمسترزق، فما كان منهم إلاّ أنّ رفضوا الحديث معنا، ما دفعنا للتساؤل أكثر عن واقع المياه في الضاحية الجنوبية ونفوذ التجار المحتكرين، واضعين هذا التساؤل رهن الدولة التي هي وحدها كفيلة بايقاف أزمة المياه بأسبابها المتعددة أو ترك القضية "على عينك يا تاجر!"