مهما حاول أهل السياسة والسلطة الهروب الى الامام ودفن رؤوسهم في الرمال، ورفع السواتر وإشغال الناس تارة باشتباكات ومناكفات سياسية على قشور الامور، وطوراً باختلاق قضايا ثانوية، فإنهم لن ينجحوا في حجب حقيقة الواقع الاسود الذي يعانيه البلد.
صار تأليف الحكومة مهزلة، تتوالى فصولها في مسرحية هزلية سخيفة، وسط ساحة سيرك سياسي، تتقاذف فيه كرة التعطيل بين هذا الطرف السياسي أو ذاك. من دون ان يعير ايّ من اللاعبين انتباهاً لعقارب الساعة اللبنانية، التي تقترب شيئاً فشيئاً من لحظة الخطر.

حقيقة الواقع اللبناني، انه على منصة الاستهداف، من العواصف الداخلية التي تفرّخ أزماتها في كل مفاصل الدولة، وكذلك العواصف الخارجية، وآخرها ما كشفه ديبلوماسيون غربيون لمسؤولين لبنانيين عن تحضيرات اميركية لسلة عقوبات جديدة، قطعت شوطاً كبيراً في الكونغرس، وتطال في جانب أساسي منها «حزب الله»، ووُصفت بـ«غير المسبوقة». وقد تصدر بالتوازي مع سلة عقوبات قاسية على إيران.

على انّ أخطر العواصف تتهدّد الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، والمراجع المالية ترفع الصوت وتدقّ ناقوس الخطر وتنقل تحذيراتها الى المراجع الرسمية والسياسية، من انّ البلد مقبل على كارثة اذا ما ظل، كما هو حالياً، فاقداً لعناصر الصمود أمام العاصفة.

وأخطر ما في تلك الصورة، هو التشبيه الذي أعطاه احد رجال المال والاقتصاد الكبار، بقوله لـ«الجمهورية»: وضع لبنان اليوم أشبه ما يكون بسفينة «التايتانيك». على متنها من فوق أناس يغنون ويرقصون ويحتفلون، ويقودها ربّان «مطنّش» ومصرّ على مسارها كما هو، ومن تحت جبل جليدي ارتطمت به وغرقت بكلّ ما ومن فيها. ولو انّ ربّان «التايتانيك» صحّح مسارها لَما غرقت. فحالنا مثل تلك السفينة، اي الغرق، إن بقي الربّان السياسي مصرّاً على نفس المسار الذي أدى الى الازمة، وعلى التقاعس والهروب من تصحيح المسار، بدل التلهّي بالمناكفات والصغائر وبمحاولة تحقيق المكاسب والمصالح، على ما هو حاصل اليوم على حلبة تأليف الحكومة.

وقالت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية»: سياسة اللعب على حافّة الهاوية التي يمارسها السياسيون من شأنها ان ترتّب آثاراً مؤذية للبلد واقتصاده، البلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة، هذا لا يعني انّ البلد على حافّة الافلاس، بل انّ المجال ما يزال مفتوحاً امام لحظة إنقاذية، تبدأ طلائعها في التعجيل بتشكيل حكومة لا تستنسخ سابقاتها بمحاصصاتها وصفقاتها وسمسراتها، بل حكومة توحي بالثقة تضع في أولويتها وقف المسار الانتحاري الحالي، عبر الشروع فوراً بإعلان الاستنفار، وحالة طوارىء سياسية اقتصادية مالية، تستهلّها بورشة إصلاحات هيكلية جوهرية، تضع البلد على سكّة الأمان الفعلي، وليس البقاء على حقن المريض المُستعصي مرضه بمسكّنات، سرعان ما تفقد مفعولها ويستفحل المرض.

بكركي تحذّر
الى ذلك، أكدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «البطريرك الراعي سيظل يرفع الصوت عالياً فيما خَصّ الوضع الإقتصادي والإجتماعي، لأنّ شكاوى الناس تتكاثر والراعي يطالب بما يطالب به الناس».

ودعت الى «تأليف الحكومة سريعاً لمعالجة الوضع والمطالبة بالاصلاحات الضرورية»، محذّرة من أنّ التأخير في الحكومة «يضر بالبلد ويضرب مصالح الناس». وشددت المصادر على أنّ «الهم الإجتماعي بات ضاغطاً، وعلى المسؤولين القيام بخطوات إصلاحية جذرية قبل أن ينهار الوضع».

التأليف مراوحة
حكوميّاً، دخل التكليف شهره الثاني، وأمّا التأليف فيراوح بين نوبة تسحب به نحو الايجابية والتعجيل بتشكيل الحكومة، وبين نوبة تشاؤمية تُفرمل محركات التأليف، وتعود به الى المربّع الاول، مُدخلة البلد في جولة جديدة من التكهنات حول أسباب التأخير بين داخلية مستعصية وشروط معقدة غير قابلة للتنفيذ، وبين خارجية غير منظورة لا تشجّع على تشكيل حكومة في لبنان في المدى المنظور.

الرئيس المكلف سعد الحريري عازم على إحداث خرق في القريب العاجل، على حدّ ما يؤكد مقرّبون منه، لكنه في هذه الحلبة لا يستطيع ان يصفّق وحيداً، ذلك انّ بعض الاطراف تتصرف وكأنها امام حالة وجودية، فرفعت أسقفاً عالية جداً على خط التأليف، بطروحات وشروط من النوع التعجيزي والمبالغ فيه، من الصعب عليه ان يماشيها او يلتزم بها.

وقالت مصادر الرئيس المكلف لـ«الجمهورية» انه لن يستسلم للسلبية، وسيستمر في الدفع نحو تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن. وافادت معلومات بأنّ الحريري يجري مشاورات هادئة في كل الاتجاهات، خصوصاً مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي ميشال عون ونبيه بري، وكذلك مع مستويات سياسية وحزبية، كما التقى مساء أمس رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في «بيت الوسط»، الذي أشار الى استمرار السلبية وقال انّ أجواء البلد لا تساعد على تشكيل حكومة، معلناً انّ القوات ستوقِف السجال مع التيار لمساعدة الحريري. علماً انه لم يصدر من أجواء الحريري حول سائر اتصالاته ما يؤشّر الى بلوغه المنشود بعد، وثمّة أجوبة يفترض ان يتلقّاها من بعض القوى السياسية، وخصوصاً التيار الوطني الحر، في ما يتعلق بالتمثيل المسيحي في الحكومة.

بعبدا
الى ذلك، قالت مصادر مواكبة لاتصالات رئيس الجمهورية لـ«الجمهورية»: المناقشات تتركّز على إقناع «القوات اللبنانية» بأنّ حصتها هي 4 حقائب، من دون ان يكون من بينها نائب رئيس الحكومة. والحديث عن 5 حقائب لـ«القوات» يعني 9 او 10 حقائب لتكتل «لبنان القوي». وإقناع النائب السابق وليد جنبلاط بالتنازل عن تسمية الوزير الدرزي الثالث، على ان يُصار الى التفاهم بشأن تحديد هويته. وكذلك على التأكيد على احتفاظ تكتل «لبنان القوي» بـ 7 حقائب و3 لرئيس الجمهورية.

«التيار الوطني»
والى ذلك اعتبرت مصادر «التيار الوطني الحرّ» انّ «ابتزاز «القوات» لـ«التيار» والعهد بالمصالحة و«تفاهم معراب» لتحقيق مكاسب سلطوية وغير محقة قد بلغ ذروته وهذا ما بات يهدد التفاهم المسيحي ويعطّل عملية التأليف ويدخل البلاد في المجهول». وتساءلت هذه المصادر التيار «كيف تكون كتلة «القوات» حصة الرئيس وهي تنكر على الرئيس تمثيله في الحكومة ونيابة الرئاسة اللذان اقرّهما الطائف وطبقتهما كل العهود منذ ١٩٩٠وحتى اليوم؟ واضافت: «اين التفاهم الذي يقول ان لا حصة للرئيس ولا نيابة رئاسة له والذي تشير اليه «القوات» كل ما ارادت تجاوز قواعد التأليف وحجمها النيابي وبالتالي المطالبة بحصة اكبر من حجمها؟ وهل تفاهم معراب عزز صلاحيات وموقع الرئاسة او حجمها؟». وختمت المصادر: «يكفي ابتزازاً وتحويراً للحقائق من اجل كسب آني، فالحريص على العهد والرئاسة لا يضحي بتمثيل الموقع الرئاسي والمسيحي الأول في النظام ولا يعرقل العهد من خلال تعطيل حكومته الاولى بعد الانتخابات النيابية بمطالب يعلم القاصي والداني انها تتجاوز حجمه بكثير». ودعت المصادر «قيادة «القوات» الى المحافظة على المصالحة والتفاهم المسيحي ضناً بالمسيحيين ودورهم والآمال التي وضعوها فيهما.»

«القوات»
وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ اتفاقها السياسي مع «التيار» نَصّ على تشكيل مجموعة تنسيق وزارية في أولى حكومات العهد للتنسيق في كل شاردة وواردة داخلها وخارجها، لكن مع تشكيل الحكومة السابقة لم تُراع نسَب التمثيل، فتَخطّت «القوات» ذلك لكنها لم تستطع تخطّي رفض التنسيق مع «القوات» والاستئثار بكل شيء».

وتابعت: «لم تكن «القوات» على علم بأيّ شيء ينوي الوزير باسيل طرحه على مجلس الوزراء، وحاولت مراراً وتكراراً أخذ المبادرة والطلب منه تنسيق المواقف قبل جلسات الحكومة، لكنها اصطدمت برفضه. فكيف يطلب من «القوات» دعم مواقف وخطوات اتخذها بمفرده ومن دون التنسيق مع «القوات» التي لم تكن لتقبل بها أصلاً لو طرحها عليها؟ والأخطر من كل ذلك انّ باسيل يخلط بينه وبين العهد، ونتحدّاه ان يستخرج موقفاً واحداً لنا ضد العهد، ولكن هل المطلوب منّا مثلاً التصويت لملفات ضد قناعتنا وثوابتنا؟ الهدف من التنسيق المسبق كان الوصول إلى مساحة مشتركة وليس وضعنا أمام الأمر الواقع وفي ملفات تتعارض مع نهجنا ومسلّماتنا، ولعلّ المثل الأبرز في هذا المجال هو صفقة بواخر الكهرباء، أليس من المعيب ان يربط باسيل بين الموقف من بواخر الكهرباء والموقف من تأييد العهد او عدمه؟ وألا يسأل نفسه لماذا صَوّتت «القوات» من دون تردّد لصالح مراسيم النفط والغاز ولم تصوَّت لبواخر الكهرباء؟ بكل بساطة، لأنها لم تشتمّ رائحة فساد في مراسيم النفط، بينما لمست لمس اليد روائح فساد كريهة جداً هي وغيرها في صفقة البواخر.

اضافت المصادر: أمّا مرسوم التجنيس الذي يقول باسيل انّ «القوات» طعنت به رغم توقيع رئيس الجمهورية، فإنّ الرئيس عون نفسه هو أول من طعن به بعدما وقّعه، من خلال إحالته الى الأمن العام لتنقيته من مجموعة فضائح وكوارث أغلب الظن انّ الوزير باسيل بالذات كان وراء دَسّها فيه، كما يشيِّع الفريق المحيط برئيس الجمهورية. لعل أفضل ما ينطبق على هذا الواقع القول المأثور «إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا».

وقالت المصادر: «إنّ اكثر مَن أيّد العهد وحاول جاهداً الدفاع عن صورة العهد القوي والنظيف والذي ينوي الوصول الى دولة فعلية وقوية هي «القوات»، بينما أكثر من ساهم في تلطيخ صورة العهد هو باسيل بالذات».

وتابعت: «ليست القوات من يؤلّف الحكومة، ومن يؤخّر تأليفها هو باسيل الذي يضع العصي في دواليب الرئيس المكلف، وكلما سحب عصا أدخل رزمة من العصي مكانها، بسبب الطمع ثم الطمع والطمع. ويحاول الإيحاء بأننا نعرقل، ويحمّلنا مسؤولية التأخير من خلال المطالبة بحصة أكبر من حجمنا. هذا الكلام مُجاف للحقيقة والوقائع، إن لجهة ما أفرزَته الانتخابات من نتائج شعبية مؤيّدة لـ»القوات» أو من كتلة نيابية من 15 نائباً، ومن دون إغفال الاتفاق المبدئي مع «التيار» على المناصفة في المقاعد الوزارية طيلة عهد العماد عون، والذي انقلب عليها باسيل. أمّا لناحية الحصص الوزارية، فنحن لا نطلب من باسيل شيئاً، وليس هو من يشكّل الحكومة أساساً، بل كل ما نطلبه هو كفّ شَرّه عنّا. والكلام عن حصص منتفخة يسري بالدرجة الاولى عليه ومقارناته ليست في محلها، فعندما يستند الى انّ حصة كل من «حزب الله» و«أمل» هي 3 وزراء، فيعني انّ كلّاً منهما حصل على نصف المقاعد الشيعية، وبالتالي يحقّ لنا بنصف الحصة المسيحية. وهذا ما نقوله له وبعد احتساب حصة رئيس الجمهورية وكما هو وارد في اتفاق معراب، ولكنه لا يعترف بكل ذلك.

أمّا في ما يتعلق بتأليب الاميركيين على الجيش فهذه أكاذيب وتركيبات تذكّرنا بتركيبات عهد الوصاية، فكلّ مشروعنا يقوم على السعي لجَمع كل السلاح داخل الجيش ووضع القرار الامني والعسكري داخله، وكل ما فعلته «القوات» هو تسليح الجيش وتقويته».

وتوقفت المصادر عند «مفارقة انّ باسيل في علاقة خلافية وحتى عدائية مع كل القوى السياسية. وسألت: «هل هذا الخلاف هو لاعتبارات استراتيجية مثلاً؟ بالتأكيد كلا، بل كل الخلاف هو بسبب الطريقة التي يتصرّف بها حيال كل القوى ومن ضمنها «القوات».

وأكدت المصادر «استمرار دعمها للعهد بالمفهوم الذي تريده الناس وليس وفق الطريقة الملتبسة التي اعتمدها باسيل، وبالسعي ليلاً ونهاراً ليكون هذا العهد من أفضل العهود في لبنان، وطبعاً في حال أفسح باسيل في المجال أمام ذلك».

قوة أوروبية
على الصعيد الدولي دشّنت فرنسا أمس قوة عسكرية أوروبية مع 7 دول أخرى، من بينها بريطانيا، خارج إطار الاتّحاد الأوروبي، تُعرف باسم «مبادرة التدخّل الأوروبية»، وتهدف إلى تشكيل تحالف من جيوش مستعدة لمواجهة الأزمات قرب حدود أوروبا خارج إطار حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وأقامت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي احتفالاً في لوكسمبورغ حيث وقّعت ألمانيا وبلجيكا وبريطانيا والدنمارك وإستونيا وهولندا وإسبانيا والبرتغال ورقة نيات. وأوضحت بارلي أنه كان من المقرَّر أيضاً أن تنضمّ إيطاليا لكنها انسحبت بعد انتخاب حكومة جديدة هناك من أحزاب اليسار واليمين المتطرّف المناهضة للمؤسسات.

المصدر: الجمهورية