سوء الوضع الاقتصادي لا يخفى على أحد. لكنّ المسؤولين اعتادوا التقليل من أهمية ما يُحكى عن ذلك. الجديد، والخطير، أن يقول الرئيس سعد الحريري لحليفه سمير جعجع، في لقاء جمعهما أمس، إن أزمة اقتصادية كبرى مقبلة على البلاد، وإنه سيؤلّف الحكومة قريباً، لمواجهتها

 

يتولى الرئيس سعد الحريري «الجديد» مفاوضات تأليف الحكومة. طوى صفحة ثنائية نادر الحريري ــــ جبران باسيل، وقرر العودة إلى «مكانه الطبيعي»، قرب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. ولتحقيق هذا الهدف، استعاد الحريري موقعه السياسي الذي يريحه، في مواجهة الرئيس ميشال عون وباسيل. ولئن كان الرئيس المكلف بتأليف الحكومة يلتزم الصمت أو الكلام العمومي، فإنه يوعز إلى وسائل إعلامه بإعلان موقفه. أول من أمس، شنّ تلفزيون «المستقبل» هجوماً على العماد عون، من دون تسميته، من خلال التصويب على «الأعراف» التي يحاول تثبيتها، كقرار تسمية نائب رئيس الحكومة. أما أمس، فكان الهجوم من نصيب وزير الخارجية الذي حمّله «المستقبل» مسؤولية منع التوصل إلى اتفاق على تأليف الحكومة، من خلال نسفه، بحسب مصادر «المستقبل»، صيغة حكومية وافق عليها رئيس الجمهورية تتضمّن حل عقدة المقاعد الدرزية.

مطّلعون على أجواء الحريري يرفضون منح مواقف «المستقبل» أيّ أبعاد خارجية. برأيهم أن «الحريري لم يتبلّغ قراراً سعودياً بالتصعيد في وجه عون. فالرئيس المكلّف معني حصراً بتلبية مطالب القوات، ضمن المعقول». لكن، وعلى ذمة المصادر نفسها، فإن رئيس تيار المستقبل «منزعج من أداء الوزير باسيل الذي يصعّب مهمة التأليف، ويريد، بالتكافل والتضامن مع عون، فرض أعراف تنسف الطائف». هذه القراءة «المستقبلية» تلتقي مع موقف الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لا يرى في الاعتراض العوني على مطالبته بالمقاعد الدرزية الثلاثة سوى عودة إلى حروب التاريخ بين الموارنة والدروز في الجبل. ويقول اشتراكيون إن باسيل يحاول فرض أعراف لم يكن معمولاً بها بعد الطائف، كتقسيم الحقائب السيادية، والحقائب الأساسية، مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
يوم أمس، لم يشهد أي تقدّم يُذكر على مسار التأليف. لم يزر رئيسُ الحكومة قصر بعبدا، ولا التقى أحداً من التيار الوطني الحر، لكنه استقبل ليلاً جعجع، يرافقه الوزير ملحم رياشي. وكانت القوى المعنية بالتأليف تعوّل على هذا اللقاء لتذليل العقبة المتمثلة في مطالبة القوات بالحصول على 5 حقائب، من بينها وزارة سيادية، إضافة إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. وبحسب مصادر قواتية، فإن جعجع مستعد لتسهيل التأليف، لكنه لن يتنازل عن الوزارة السيادية أو منصب نائب رئيس الحكومة. وبحسب مصادر مطلعة على اللقاء، فإنه كان يهدف إلى تخفيف التشنّج بين القوات والتيار الوطني الحر، إذ طالب الحريري جعجع بوقف السجالات بين الطرفين. واستجاب رئيس القوات لمطلب حليفه. لكن الأخطر في كلام الحريري هو قوله لضيفه إن «أزمة اقتصادية كبرى مقبلة على البلاد، ولا بد من الإسراع في تأليف الحكومة لمواجهتها». وأكّد أن مختلف الدول المعنية بالشأن اللبناني، والقوى اللبنانية الرئيسية، مجمعة على ضرورة تأليف الحكومة في أقرب وقت، مشدداً على أنه سيسعى إلى إنجاز التشكيلة الحكومية في غضون 3 أسابيع على أبعد تقدير.
مصادر معنية بالتأليف علّقت على كلام الحريري، فلم تستبعد احتمال ان يكون الرئيس المكلّف يستخدم الوضع الاقتصادي السيئ للضغط على شركائه.


وبحسب المصادر، فإن موقف القوات اللبنانية بات أقل تشدداً من ذي قبل، فهي لم تعد تطالب بحقيبة سيادية، بل بأربع حقائب حصراً، بينها حقيبة أساسية ومنصب نائب رئيس الحكومة. وتجزم المصادر بأن الحريري يؤيد مطالب جعجع. في المقابل، تؤكد مصادر رفيعة المستوى في التيار الوطني الحر أن حصة القوات هي 3 وزراء حصراً، لا تتضمن وزارة سيادية ولا منصب نائب رئيس الحكومة. وتلفت إلى أن التيار يعارض حصول القوات على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، فيما الفيتو على «السيادية» يأتي من قوى أخرى. وتضيف المصادر أن حصة الاشتراكي هي وزيران، لا أكثر، بحسب طريقة التوزيع المعتمدة، و«إذا أراد احد ما أن يرفع حصتيهما، فليمنحهما مقاعد من حصته». هل هذا الكلام يعني أن الحكومة لن تبصر النور، ربطاً بمطالب القوات؟ تجيب المصادر نفسها: «هذا ليس ضرورياً. يمكن تأليف الحكومة بلا القوات، إلا إذا منحها الرئيس المكلف مقعداً من حصته». 
وفي حال تمّ حلّ عقدة «القوات»، فسينتقل الحريري إلى البحث عن حلول لعقدتي المقاعد الدرزية، ومطلب التيار الوطني الحر ــ رئيس الجمهورية بالحصول على الثلث المعطّل، والمقعد السنّي لنواب 8 آذار.
ويلفت متابعون لمشاورات التأليف إلى أن تقسيم الحقائب السيادية بات محسوماً: المالية لحركة أمل، الداخلية للمستقبل، الخارجية للتيار الوطني الحر، والدفاع لرئيس الجمهورية. أما الحقائب الست الأساسية، فعلى الأرجح أن سترسو على الآتي:
«الأشغال» للمردة، «الصحة» لحزب الله، «الاتصالات» لـ«المستقبل»، الطاقة للتيار الوطني الحر. أما التربية والعدل، فستكون إحداهما من حصة القوات والثانية من حصة «الاشتراكي».

المصدر: الأخبار