تحاول عمّان بجملة من الاتصالات السياسية والميدانية، الوصول إلى هدنة موقتة تتيح نقاشاً أوسع لملف «التسوية» في الجنوب السوري، في وقت يتابع الجيش تقدمه في ريف درعا الشرقي، وغرب الشيخ مسكين، إلى جانب استهدافه المستمر لمحيط مدينة درعا

على عكس الوعيد الذي خرج عن قادة الفصائل المسلحة في الجنوب السوري، قبل انطلاق المعارك هناك، تشهد جبهة ريف درعا الشرقي تقدماً مستمراً لقوات الجيش، وسط تخبط لافت في «غرف عمليات» الفصائل، انعكس انسحابات متتالية من عدة مواقع هامة. وفي المقابل، يتحرك الجيش من دون عَجَل، مستبقاً أي تحرك بقصف جوي ومدفعي مكثف لمواقع المسلحين داخل بلدات الريف الشرقي، التي خلى معظمها من السكان جراء المعارك. ودخلت وحدات الجيش أمس، بلدتي علما ورخم، و«اللواء 52» المجاور لبلدة الحراك التي انسحب منها المسلحون من دون أن يدخلها الجيش، حتى ليل أمس، ليبقى تحريرها بالكامل مع بلدة الصورة غربها، يفصل الجيش عن التمركز على خط جبهة ممتد من خربة غزالة وحتى مطار الثعلة (في محافظة السويداء)، تمهيداً لتحرك جديد يستهدف بلدات أم ولد والكرك والغاريتين الشرقية والغربية. وتزامن هذا التقدم مع سيطرة الجيش على تل سكر، الذي يقع شرق الطريق الواصل بين أم ولد وجبيب في ريف درعا الشرقي، ويوفّر موقعاً ملائماً للتمركز وقطع الطريق أمام حركة المسلحين. ونحو الغرب، نشّط الجيش محوراً جديداً انطلاقاً من بلدة الشيخ مسكين، وتقدمت قوته وصولاً إلى سد إبطع (غرب البلدة)، والذي يعد موقعاً متقدماً يساعد في حسم أي معركة مرتقبة في كل من إبطع وداعل، إن بقيت جهود المصالحات المحلية معطلة. وبالتوازي استمر الاستهداف المكثف لمواقع المسلحين جنوب غربي مدينة درعا، وتحديداً في محيط كتيبة الدفاع الجوي التي تعد نقطة هامة تكشف كامل السهل الممتد نحو الحدود الأردنية، والطرقات التي تمر عبره وتصل الريفين الغربي والشرقي. كذلك استمر خروج مئات المدنيين من أهالي ريف درعا، عبر معبري خربة غزالة وداعل، إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، في حين استمر نزوح آلاف آخرين نحو المناطق الحدودية البعيدة ــ حتى الآن ــ عن العمليات العسكرية.

وبينما لا يزال الأردن يغلق حدوده الشمالية في وجه أي نزوح من درعا، فإن مسؤوليه يقودون حراكاً ديبلوماسياً واسعاً لاجتراح هدنة ــ وإن موقتة ــ في الجنوب السوري. هذه المشاورات سوف تحمل وزير الخارجية أيمن الصفدي، إلى لقاء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لبحث «تحرك دولي لوقف النار في الجنوب (السوري) وحماية المدنيين»، وفق ما نشر عبر حسابه على «تويتر»، مضيفاً أن «اتصالات المملكة تستمر مع كل المعنيين لوقف القتال ولضمان تحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته نحو المدنيين ولإيصال المساعدات لهم في بلدهم». كذلك سيزور الصفدي موسكو في الرابع من الشهر المقبل، وذلك لـ«إجراء محادثات حول منطقة خفض التصعيد في جنوب سوريا وعملية السلام الفلسطينية ــ الإسرائيلية»، وفق وكالة «انترفاكس» الروسية.

وصل وفد من قادة الفصائل المسلحة إلى عمان لبحث تطورات الجنوب

وتبدو هذه الزيارة في إطار التحضيرات للقاء الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، واحتمالات التوافق بينهما على صيغة جديدة تخص الجنوب السوري، ضمن مسائل أخرى. وتأتي هذه التطورات، في وقت أكد رئيس مجموعة الأمم المتحدة للعمل الإنساني في سوريا يان إيغلاند، في جنيف، أن الأمم المتحدة «تحض الأردن على فتح حدوده»، مشيراً إلى أن «طريق الإمدادات (الإغاثية) من الحدود الأردنية، الشديد الفعالية حتى الآن، قد توقف بسبب المعارك في الأيام الأخيرة». وفي السياق ذاته، وصل أمس إلى الأردن وفد من قيادات الفصائل المسلحة في «الجبهة الجنوبية»، للتداول في جهود وقف إطلاق النار التي تقودها الأردن، وفي وقت متأخر من ليل أمس، بدأت مصادر معارضة تتحدث عن التفاهم مع الجانب الروسي على هدنة موقتة مدتها 12 ساعة، تتيح مجالاً أمام مفاوضات موسعة، من دون أن يخرج أي تأكيد رسمي حول هذا الموضوع. وتزامناً مع نشاط عمّان، انتقد رئيس «هيئة التفاوض» المعارضة، نصر الحريري، ما وصفه بالصمت الأميركي تجاه التطورات العسكرية الأخيرة في الجنوب السوري. وقال في تصريحات من العاصمة السعودية الرياض: «للأسف الشديد شعرنا بعد فترة بسيطة وكأن هذه المنطقة قد تم الاتفاق عليها عبر صفقة خبيثة، وإلا ما الذي يفسر الآن سكوت الولايات المتحدة الأميركية، وهي دولة ضامنة، على كل هذه الخروقات؟»، على حد ما نقلت عنه وكالة «رويترز».


استدعاء أيزنكوت إلى واشنطن: «سوريا... ومن ثم سوريا»
قطع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت جدول أعماله في إسرائيل وتوجه أمس إلى الولايات المتحدة للقاء نظيره الأميركي، رئيس أركان الجيوش الأميركية المشتركة، جوزيف دانفورد. الاعلام العبري الذي سرّب الخبر، شدّد على أن توصيف الزيارة هو استدعاء عاجل لمناقشة حزمة ملفات تستدعي تطوراتها المتسارعة تنسيقاً خاصاً بين الجيشين. القناة العاشرة العبرية أشارت في تقريرها إلى أن في مقدمة الاهتمام المشترك «سوريا وسوريا ومن ثم سوريا»، خاصة «مع اقتراب (الرئيس بشار) الأسد إلى الجنوب السوري وإلى منطقة الجولان، واقتراب السيطرة على درعا تمهيداً للمعركة على الجولان والحدود مع إسرائيل».

المصدر: الاخبار