لن نتوقَّف بإسهاب عند الوثيقة الي كشف عنها مؤخراً ضابط المخابرات الأميركية السابق إدوارد سنودن، والدور الأميركي البريطاني الإسرائيلي الخليجي التركي في صياغة تلك الوثيقة، التي نصَّت في العام 2004 على تأسيس جبهة النصرة كبديل عن القاعدة إثر احتلال الأميركيين للعراق عام 2003، والقرار بتجييش المتطرفين من كل أنحاء العالم في عملية سُمِّيت “عُشّ الدبابير” لزعزعة استقرار دول الشرق الأوسط، وكان حزب الله من الأهداف الرئيسة لهذه العملية التي تمّ إقرارها  في لندن خلال اجتماعات بدأت في 19 / 2 /2004 لمدراء المخابرات : الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية في قصر أحد الأمراء العرب جنوب لندن ودامت ثلاثة أيام.


ولا حاجة للدخول في كلفة العدوان على سوريا والتي اعترف بها وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم والتي بلغت 117 مليار دولار، بل ما يعنينا هو دور بعض اللبنانيين في استيراد الإرهاب وتصديره الى سوريا بكامل عدَّته وعديده وعتاده، ونهدِف بذلك، الإضاءة على الأسباب الكامنة وراء تمسُّك البعض في لبنان بورقة النازحين وإبقائها في دائرة بازار الزعيق، ربما لأنها آخر وسائل مماحكة الحكومة السورية لديهم، وآخر خرطوشة مُعادية للإستقرار في سوريا على ضوء الإنجازات الميدانية التي يُحققها الجيش السوري والحلفاء.

هذا البازار الذي فُتِح في لبنان على هامش الإنتخابات النيابية لخطف المقاعد، أوصل البعض من “قطافي المواسم” الى الجزم بأن سوريا لا مكان آمن فيها لعودة النازحين، رغم مُطالبة معظم هؤلاء النازحين بالعودة الى بلادهم، فكانت أولوية إعادتهم الى المناطق الآمنة في بلادهم من ضمن برنامج عمل حزب الله وبإشراف شخصي من سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله، وقد أقرَّ الخصوم قبل الحلفاء، أن سماحته لا يُمكن أن يتبنى برامجاً إنتخابية ما لم يتم إقرارها بخطط عمل تسلك طريقها الى التطبيق.

خطة عمل إعادة النازحين تطرَّقت اليها جريدة “الأخبار”، وذكرت، أنه قبل إعلان سماحة السيد نصرالله عن تكليف النائب السابق نوار الساحلي بهذه المسألة، كانت دوائر الحزب قد انخرطت في إعداد هيكلية عمل إدارية وتنظيمية لإعداد مشروع يخصّ عودة النازحين، واستندت الصحيفة الى البيان الصادر عن الحزب من خطوات عملية، من ضمنها فتح تسعة مراكز لاستقبال النازحين، وتعبئة استمارات العودة الطوعية، وتنسيق هذه العودة عبر المؤسسات الأمنية الرسمية اللبنانية وفي طليعتها الأمن العام اللبناني، وبالتواصل والتعاون اللوجستي مع المعنيين بهذا الملف في الحكومة السورية.

هذه الجدية في التعاطي مع الواقع الميداني لتواجد مخيمات إيواء النازحين، وفتح مراكز تنسيق عودتهم عبر الأمن العام اللبناني،  تتقاطع تماماً مع المهام التي سبق لفخامة الرئيس عون أن كلَّف بها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم منذ عدة أشهر، ومَنَحَهُ صفة “موفد رئاسي” للتنسيق مع الحكومة السورية بموضوع هذا الملف، وإذا كان هناك مُستفيدون من وجود النازحين – على كل مستويات الإستفادة- ، ومتضرِّرون من إعادتهم الى بلادهم – على كل مستويات الضرر- فإنه من الأولى لمن يُنادون بالنأي بالنفس عن الوضع السوري بدء تطبيق هذا النأي، لأن النازحين بدأوا الإصرار على العودة عبر تحركات سلمية تُطالب بذلك وكانت آخر هذه التحركات في بلدة عرسال حيث أشاد النازحون بكل مسؤول لبناني يعمل لإعادتهم.

إعادة كافة النازحين الى بلادهم ليست سهلة كما يعتقد البعض، لأن هناك عوائق سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقَّدة تستوجب “مرحلة” إعادتهم، وفق ظروف الإقامة في لبنان وظروف العودة الى الداخل السوري، لكن استغلال وجودهم المؤقت كورقة سياسية ضاغطة على النظام السوري بات من الماضي، وأهم ما في هذه العودة أنها باتت جزءاً من إعادة بناء الدولة التي يتوافق عليها فخامة الرئيس وسماحة السيد، وما على المُستائين من هاتين القضيَّتين الهامَّتين سوى عزف الزعيق الإنفرادي بعيداً عن ساحة القرارات الكُبرى…

المصدر: المنار