يوم جمّدت السعودية تعيين السفير اللبناني لديها فوزي كبّارة، ردّت رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية بعدم تعيين موعد للسفير السعودي حتى يُقدّم أوراق اعتماده. حالياً، تُريد الكويت تعيين سفيرٍ جديد لها في لبنان، في وقت ترفض استقبال أوراق اعتماد السفير اللبناني المُختار لديها. هل يتعامل لبنان مع الكويت بالمثل؟
بعد أيام، تحلّ السنوية الأولى لإقرار الحكومة اللبنانية التشكيلات الديبلوماسية، في 20 تموز 2017. سنة مرّت، التحق خلالها جميع الديبلوماسيين، تقريباً، بأماكن عملهم، باستثناء السفير ريان سعيد، الذي كان يُفترض أن يكون رئيس البعثة اللبنانية لدى الكويت. لم تُرسل أوراق سعيد إلى الكويت، لأنّ الدولة الخليجية وضعت فيتو على قبول اعتماد سفير ينتمي إلى الطائفة الشيعية. بقي سعيد في مركز عمله في جنيف، بصفته المستشار الأول في بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، على رغم ترفيعه إلى رتبة سفير. المُضحك، أنّه أصبح للبنان سفيران في البعثة نفسها، ريان سعيد وسليم بدورة (رئيس البُعثة المُعيّن في تموز الماضي). علماً أنّ القانون يمنع وجود أكثر من ديبلوماسي من الفئة الأولى في البعثة نفسها.
هذا الوضع الديبلوماسي «الشاذ»، إن كان في العلاقة الثنائية بين لبنان والكويت، أو في وضع ريان سعيد المهني، لم يكن بنداً أساسياً على جدول أعمال أي من المسؤولين المعنيين. «ومنذ ستة أشهر، أي بعد زيارة الرئيس ميشال عون إلى الكويت، أُهمل الملّف نهائياً ولم يبحث أحدٌ به»، بحسب ديبلوماسيين في وزارة الخارجية. التبرير جاهز، بأنّ القوى السياسية كانت مُنشغلة بالانتخابات النيابية، والآن هناك أزمة تشكيل الحكومة الجديدة.
قبل أيّام، كشفت صحيفة «السياسة» الكويتية، أنّ البلد الخليجي رشّح مساعد وزير الخارجية للشؤون المالية والإدارية جمال الغانم سفيراً له لدى لبنان، خلفاً للسفير عبد العال القناعي. وفي التقرير نفسه، يُخبر القائم بالأعمال اللبناني في الكويت السفير ماهر خير، أنّه سينتقل قريباً إلى منصبه الجديد، سفيراً لدى غانا، لتتولى السكرتير الأول نسرين بو كرم مهام القائم بالأعمال موقتاً في السفارة اللبنانية في الكويت. اعتبر البعض أنّ هذه الخطوة قد تكون المخرج الأنسب، للإشكالية الديبلوماسية بين البلدين، لا سيّما حين يستعيد هؤلاء الديبلوماسيون «الحرب الديبلوماسية الباردة» بين السعودية ولبنان، يوم وافقت الرياض على تعيين السفير اللبناني فوزي كبارة، بعد خمسة أشهر على التشكيلات الديبلوماسية وانقضاء مهلة الثلاثة أشهر العُرفية لموافقة الدول على قبول الديبلوماسيين لديها. وكان الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل قد امتنعا عن تحديد موعد للسفير السعودي وليد اليعقوب (قبل إنهاء مهامه سعودياً)، لتقديم أوراق اعتماده، قبل البتّ بموضوع كبّارة. الردّ اللبناني لم يكن بمستوى المعاملة بالمثل، ولكن على الأقلّ اتُخذ موقفٌ ما. فإذا تمكّنت رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية من «مواجهة» السعودية، بما تُمثّله إقليمياً، ما الذي يمنعهما من تكرار الأمر نفسه مع الكويت؟ لماذا لا يُجمّد طلب تعيين سفير كويتي جديد إلى حين قبول اعتماد السفير ريان سعيد؟ أصلاً، ما السبب حتى يبقى مصير تعيين سفير مُعلقاً، في وقت وضع ملّف بأهمية «خلية العبدلي» على سكّة الحل؟
يقول ديبلوماسيون إنّ التمثيل اللبناني في الكويت انخفض إلى مستوى سكرتير أول، «ومن الممكن أن يُستغل ذلك من أجل توجيه رسالة ضغط إلى الكويت بضرورة حلّ الأزمة». ولكن، المشكلة الأساسية تكمن في أنّ تعيين سفير في الكويت، بات جزءاً من التجاذب السياسي بين التيار الوطني الحرّ وحركة أمل
وزارة الخارجية تعتبر أنّ «الحلّ» يكمن بقبول حركة أمل التخلّي عن هذا المركز، وتسمية سفيرٍ من طائفة أخرى إلى الكويت. في قصر بسترس يتمّ رمي الكرة في ملعب عين التينة، «لأنّ حركة أمل هي التي أصرّت على الكويت، نتيجة اقتناع مسؤولين فيها بأنّ الكويت أهم ديبلوماسياً من الإمارات وعُمان. فماذا نفعل نحن في هذه الحالة؟»، تقول مصادر وزارة الخارجية والمغتربين.
حاول البعض في «الخارجية»، كالأمين العام للوزارة السفير هاني شميطلي، التسويق لنقل تعيين ريان سعيد إلى الباراغواي، ليحلّ مكان القائم بالأعمال حسن حجازي. ولكن بحسب معلومات «الأخبار»، فإن الوزير باسيل ليس مُتحمساً لهذا الطرح، الذي بالتأكيد سيلقى مُعارضةً من قبل حركة أمل، خصوصاً أنّه يُؤدي إلى «سحب» الكويت نهائياً من حصّة «الحركة»، وحصر تمثيلها خليجياً بقطر.
بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، فهو مُتمسّك بمبدأ عدم جواز رفض اعتماد سفير بسبب انتمائه الطائفي. أولاً، بسبب العلاقة الخاصة التي تربطه بالقيادة الكويتية. وثانياً، إذا جرى الانصياع حالياً للضغوط الكويتية، فذلك سيفتح المجال مُستقبلاً أمام أي دولة عربية أو أجنبية لتُحدد طائفة وهوية السفير اللبناني الذي تُريد.
المُخجل في كلّ الموضوع، أن يكون «طبيعياً» في العُرف اللبناني، أن تتقاسم الأحزاب الطائفية الحصص في الدولة، ويُصبح الموظفون «تحت رعاية» الأحزاب، عوض أن يكونوا من مسؤولية إداراتهم المعنية، ويجري التعامل مع ملّف سفير لبناني، كما لو أنّه سفير الطائفة والحزب. وفي المقابل، تتصرف الدول مع سفراء لبنان بصفتهم ممثلي طوائف ومذاهب، فمن يلوم من بعد الآن؟