في اجتماع خاص قبل فترة قصيرة من انتخابات الرئاسة الأمريكية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، طار ولي عهد أبوظبي، «محمد بن زايد»، إلى الولايات المتحدة حاملا معه ما بدا آنذاك صفقة كبيرة.
إذ أخبر الزعيم الإماراتي محاوريه الأمريكيين أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ربما يكون مهتما بحل النزاع في سوريا مقابل رفع العقوبات الغربية المفروضة على بلاده نتيجة تدخلها السابق في أوكرانيا عام 2014.
وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن «بن زايد» لم يكن الزعيم الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، الذي سعى لإحداث تقارب بين خصوم الحرب الباردة السابقين.
ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تشعر بالفزع من اهتمام «ترامب» بالشراكة مع «بوتين»، فإن 3 بلدان تتمتع بنفوذ لا نظير له مع الإدارة القادمة، وهي (إسرائيل) والسعودية والإمارات، احتضنت هذا الهدف بشكل خاص.
وشجع مسؤولون من الدول الثلاث مرارا نظراءهم الأمريكيين على التفكير في إنهاء العقوبات المتعلقة بأوكرانيا مقابل تعهد «بوتين» بالمساعدة في سحب القوات الإيرانية من سوريا.

صفقة «بن زايد»
يقول الخبراء إن غير قابلة للتنفيذ حتى لو كان «ترامب» مهتما بها.
فـ«بوتين» يفتقد ما يكفي من القدرة والنفوذ للضغط على القوات الإيرانية لمغادرة سوريا.
وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية إن سوريا وأوكرانيا سيكونان من بين المواضيع التي سيبحثها «ترامب» و«بوتين» خلال قمتهما في هلسنكي يوم 16 يوليو/تموز الجاري.
ويحقق المستشار الخاص «روبرت مولر» وفريقه، المكلفون ببحث قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، في ما إذا كانت الإمارات سهلت الاتصالات بين فريق «ترامب» والمسؤولين الروس سعيا للتأثير على السياسة الأمريكية.
قبل 9 أيام من تنصيب «ترامب»، التقى مؤسس شركة «بلاك ووتر» «إيريك برنس»، بصفته مستشارا غير رسمي لإدارة «ترامب»، مع رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي، «كيريل ديميتريف»، الذي استخدمه الإماراتيون كقناة للتواصل مع «بوتين»، في منتجع مملوك لولي عهد أبوظبي في جزيرة سيشل.
وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن الإمارات وافقت على التوسط في اللقاء لاستكشاف ما إذا كان يمكن إقناع روسيا بتقليص علاقتها مع إيران، بما في ذلك في سوريا، وهو هدف مشترك مع إدارة «ترامب»، كان سيتطلب من الولايات المتحدة تقديم تنازلات بشأن العقوبات على روسيا.
ويركز فريق «مولر»، أيضا، على اجتماعات فريق «ترامب» الانتقالي في ديسمبر/كانون الأول 2016، التي شملت مسؤولين إماراتيين وروس.
وتم عقد أحد هذه الاجتماعات في فندق بنيويورك، وحضره «محمد بن زايد».
كما انعقد اجتماع آخر في برج «ترامب»، حضره سفير روسيا في واشنطن، «سيرجي كيسلياك».
وخلال الاجتماع بين «كيسلياك» وأفراد من فريق «ترامب»، أراد الطرفان مناقشة النزاع في سوريا، واقترح السفير الروسي ترتيب حوار بين مستشار الأمن القومي المرتقب للإدارة الأمريكية «مايكل فلين» وجنرالات روس.
ووفقا لشهادة صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره، «غاريد كوشنر»، أمام الكونجرس، فإنه من أجل منع وكالات الاستخبارات من التنصت على المحادثة، اقترح «كيسلياك» استخدام خط آمن؛ مما دفع «كوشنر» إلى اقتراح استخدام معدات الاتصالات الآمنة الموجودة في السفارة الروسية في واشنطن.
ويعتبر «بن زايد» واحدا من الزعماء أصحاب الرؤية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وهو أحد أبناء مدرسة السياسة الواقعية.
وإبان حكم «أوباما»، سعى «بن زايد» لإقامة علاقات أوثق بين الإمارات وروسيا على أمل تشجيع موسكو على تقليص شراكتها مع إيران، لا سيما في سوريا.
وتعتبر الإمارات، مثلها مثل (إسرائيل) والسعودية وإيران، أكبر تهديد استراتيجي لها، وكانت تفتقر إلى الثقة في إدارة الرئيس «أوباما».
وكحافز لـ«بوتين» على الشراكة مع دول الخليج بدلا من إيران، ضخت الإمارات والسعودية استثمارات بمليارات الدولارات في روسيا، وجري عقد اجتماعات رفيعة المستوى في موسكو وأبوظبي والرياض وسيشل.
ومن غير الواضح، ما إذا كان اقتراح «بن زايد» قبيل الانتخابات الأمريكية قادما من «بوتين» نفسه أم من أحد المقربين له أم أنه كان من بنات أفكار ولي عهد أبوظبي بشكل كامل.
لكن المنطق وراء الاقتراح أن «بن زايد» يعتقد أن تحول «بوتين» ضد إيران سيتطلب تخفيف العقوبات على موسكو، وهو تنازل يتطلب دعم الرئيس الأمريكي، وهو أمر كان ليصبح غير مرجح حال فازت «هيلاري كلينتون» بالانتخابات، لكن «ترامب» وعد بمقاربة مختلفة.

ضغوط إسرائيلية
على كل حال لم يكن ذلك نهجا خاصا بالإماراتيين وحدهم.
فقد ضغط المسؤولون الإسرائيليون من أجل التقارب بين واشنطن وموسكو بعد فوز «ترامب» في الانتخابات.
وفي اجتماع خاص خلال الفترة الانتقالية حضره السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، «رون ديرمير»، شجع المسؤولون الإسرائيلين إدارة «ترامب» القادمة على التعاون بشكل أوثق مع روسيا بداية من سوريا على أمل أن تنجح موسكو في إقناع الإيرانيين بمغادرة البلاد.
ومثله مثل «بن زايد»، جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو»، مغازلة «بوتين» أولوية خاصة بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا؛ حيث أراد الرجل ضمان أن الطائرات الإسرائيلية ستستمر في الوصول إلى المجال الجوي السوري الذي تهيمن عليه روسيا جزئيا، ومنع نشر أنظمة دفاعية متقدمة أو أسلحة متقدمة من قبل وكلائها قد تهدد سلامة الدولة اليهودية.
من ناحية أخرى، أشار مسؤول أمريكي سابق إلى أنه أجرى محادثة بعد تنصيب «ترامب» مع وزير في الحكومة الإسرائيلية له علاقات وثيقة مع «نتنياهو»؛ حيث عرض الوزير الإسرائيلي على المسؤول الأمريكي فكرة صفقة «أوكرانيا مقابل سوريا».
وعلق المسؤول الأمريكي بالقول: «يمكننا بسهولة أن نفهم لماذا يعتبر التعاون مع سوريا أولوية أعلى بكثير لإسرائيل من كبح جماح العدوان الروسي في أوكرانيا».

عرض سعودي
بعد تولي «ترامب» منصبه، أُثيرت الفكرة مرة أخرى، من قبل وزيري خارجية السعودية، «عادل الجبير»، والعربية، «عبدالله بن زايد»، خلال مأدبة خاصة في مارس/آذار 2017، شملت العديد من الضيوف الآخرين.
وكانت رسالتهم مفادها «لماذا لا تُرفع العقوبات الأوكرانية على روسيا مقابل الحصول على دعم الروس لدفع إيران خارج سوريا؟».
غير أن توقيت الطرح لم يكن من الممكن أن يكون أسوأ من الناحية السياسية.
إذ إنه -بالإضافة إلى تحقيقات التدخل الروسي التي كانت تحوم في الأفق- كان أعضاء الكونغرس يضغطون في ذلك الوقت لتوسيع العقوبات ضد روسيا، وليس الحد منها.
وقال «ترامب» لمساعديه إنه شعر بالإحباط لأنه لم يستطع إحراز تقدم بسبب المعارضة السياسية في واشنطن.
وفي حين ظن الجميع لاحقا أن الفكرة ماتت، فإن «ترامب» استبق قمة هلسنكي بالإدلاء بتصريحات تشير إلى أنه قد يكون منفتحا على عقد صفقة مع «بوتين» على كل حال.
وفي الثامن من يونيو/حزيران الحالي، دعا «ترامب» إلى إعادة روسيا إلى مجموعة الدول الصناعية السبع. (تم طرد روسيا منذ أربع سنوات، بعد أن ضمت منطقة شبة جزيرة القرم في أوكرانيا).
وخلال عشاء في لقمة مجموعة السبع في كندا، ورد أن «ترامب» قال إن القرم كان روسيا لأن الناس الذين عاشوا هناك كانوا يتحدثون اللغة الروسية.
وبعد عدة أسابيع، عندما سئل «ترامب» عما إذا كانت التقارير التي تفيد بأنه سيتخلى عن معارضة واشنطن الطويلة الأمد لضم القرم صحيحة، أجاب: «علينا أن ننظر في الأمر».

ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد