في فصل سابق من رواية سيرية في حرب تموز، نشر في جريدة «الأخبار»، شرحت ديالكتيك الحوار داخل مجلس الوزراء، ومفاده كيف يتحول الموقف السياسي إلى قرار حكومي، وفيه ينتقل الفكر السياسي من مرحلة الخلق إلى مرحلة الصناعة.

يُظهر هذا الانتقال الارتباط بين الأفكار السياسيّة والسياسات الحكومية، وكيف تترجم هذه الأفكار إلى قرارات ذات صلاحية دستورية وقانونية وتظهر القدرة في عملية الانتقال من مرحلة الخلق إلى الصناعة، دور وفاعلية مجلس الوزراء كمؤسسة دستورية إجرائيّة، في تقرير السياسات العامة للبلاد وفاعلية الوزير وصلاحياته...
ولكون دور مجلس الوزراء المنوط به صلاحية السلطات الإجرائيّة أكثر فعالية في زمن الحرب باعتباره مجتمعاً القيادة العليا للقوات المسلحة ويجعله هذا الدور على تماس مباشر مع قيادة الجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية الأخرى، وكل خلل في هذه العلاقة، يعني بشكل من الأشكال، خللاً في الإدارة والتحكم في زمن الحرب، ويكون مجلس الوزراء مسؤولاً عن هذا الخلل، بل نذهب إلى أن بعض الممارسات الإدارية، كما حصل في المثال الذي نطرحه في هذه المقالة، وكذلك ما حصل في مرجعيون من التسليم لقوات الاحتلال خطأ يحاسب عليه القانون، وإذا تعذّر ذلك، يحاسب عليه الناس، وإذا تعذر عليهم ذلك لأسباب شتى يحاسب عليه التاريخ، الذي يكون له الكلمة الفصل في مواقف ذات أبعاد تاريخية كما هو عليه الحال في حرب تموز.
كان مجلس الوزراء، على ما هو معروف منقسماً في فترة الحرب. الرئيس فؤاد السنيورة وفريقه السياسي في جانب، وفريقنا السياسي والوزاري في جانب آخر. وكان الأمر يستوجب يقظة عالية وتنبّهاً لكل موقف يمكن أن يكون موضوعاً لقرار داخل الحكومة، التي كنا نحرص كما ذكرت على وحدتها، ولكنه حرص يقوم على قاعدة أن المؤمن كيّس فطن، لا تفوته لعبة من هنا أو من هناك، خاصة إذا كان اللاعبون يمارسون الخداع بطريقة عجيبة. خداع يصل إلى مرحلة تهديد أمن البلاد ووحدتها واستقلالها في زمن الحرب، ويعرض المجاهدين والقوات المسلحة للخطر الصريح ويساعد بطريقة أو بأخرى العدوان على تنفيذ أهدافه.
كانت المواقف داخل مجلس الوزراء من النوع الذي يستلزم هذه اليقظة والتنبه، خاصة أن فريقاً داخل المجلس لا يتورع عن كشف مخططاته في محاولة البناء على أن مصيرنا في هذه الحرب هو الخسارة وأن الانتصار فيها من المستحيلات. ما كان هذا الفريق يهتم بالأخبار الحقيقية للميدان وكان يشوش على انتصارات المقاومة، وعلى مواقف الشعب والجيش والقوات الأمنية الأخرى، ويريد أن يأخذ بها إلى مواجهة داخلية

المصدر: طراد حماده - الاخبار