14 تموز سنة 1789 تاريخ حفر أرقامه في ذاكرة الفرنسيين والعالم، إذ عرف الثورة الفرنسية واقتحام الثوار سجن «الباستيل» واضعين حدّاً لحكم ملكي استمرّ قروناً في فرنسا. ومنذ العام 1880 تحتفل فرنسا سنوياً بعيدها الوطني في 14 تموز. في هذه المناسبة، أكّد السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه مواصلة فرنسا دعمَها الكبير للبنان واهتمامَها الحثيث بمشكلاته، وذلك، في حديث خاص مع صحافيين حضرته «الجمهورية» في قصر الصنوبر، مقرّ إقامة السفير الفرنسي ومكان إعلان ولادة دولة «لبنان الكبير».
لطالما بسطت فرنسا تأثيرها وفكرها ودورها خارج أسوار حدودها الجغرافية. وبشأن الساحة اللبنانية أكد السفير الفرنسي: «لقد أطلقنا مؤتمر «سيدر» ونشعر أننا جزءٌ منه، ونحن نهتمّ بنجاحه لكي يُترجم إنجازات واقعية وملموسة».
وتطرّق إلى الأزمة المالية في لبنان، لافتاً إلى أنّ «لبنان يعاني عجزاً في المالية بقيمة 10 في المئة، ودينه العام كبير، وكذلك خدمة الدين».
ودعا إلى «وضع آليات معروفة لتقليص حجم الدين وخدمته».
وقال: «هناك إصلاحات مالية ملحّة، وأبرزها في ملف الكهرباء، وعندما يكون الوضع طارئاً، لا نملك الوقت».
وأوضح أنّ «الوضع ليس دراماتيكيّاً، ولكن من المهم البدء بالإصلاحات سريعاً».
وقال: «نحن ننتظر أن يتحرّك لبنان لننفّذ ما وعدنا بتنفيذه، في مؤتمر سيدر».
الكهرباء
وحول ملف الكهرباء، لفت فوشيه إلى أنّ «العجز الذي يشهده هذا القطاع والبالغ نحو 1.5 مليار دولار سنوياً، ليس قليلاً، ويشكّل أربعة في المئة من عجز الميزانية».
وأعلن أنّ مؤتمر «سيدر» شهد مقترَحاً قدّمته شركة GE الأميركية تزوّد من خلاله لبنان بحجم الطاقة الكهربائية التي يحتاجها خلال 10 أشهر، ما يُغنيه عن خدمات المولدات الخاصة وفواتيرها العالية.
وبالتالي، «تزود الدولة المواطنين بكل حاجاتهم من الكهرباء وبتكلفة أقل بكثير من ما يدفعونه في فاتورتي شركة كهرباء لبنان وأصحاب المولدات، كما تقلّص الدولة بذلك إلى الصفر ثمن الإعانة المالية التي تصرفها سنوياً لمؤسسة كهرباء لبنان، فيربح الجميع».
الهبة السعودية
عن تقديم السعودية هبة 3 مليارات دولار إلى لبنان على شكل أسلحة من فرنسا، أوضح فوشيه أنّ «هذه الهبة مجمّدة في الوقت الحالي».
لكنه أشار في المقابل، إلى الدور الذي لعبته فرنسا لحثّ السعودية على دعم لبنان، لافتاً إلى أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون راسل السعوديين والإماراتيين وكل بلاد الخليج طالباً منهم عدم إدارة ظهرهم للبنان ودعمه.
واعتبر أنّ دعوة ماكرون لقيت أذاناً صاغية إذ إنهم «حضروا مؤتمر روما، حتّى لو لم يعلنوا عن هبات، بينما أعلنوا عن هبة بمليار دولار في مؤتمر سيدر في باريس».
وأكد أنّ «السعودية لم تقفل بابها بوجه لبنان وهذا أمر جيّد ومفرح».
الحكومة
وفيما لا يزال لبنان يتخبّط في مخاض ولادة حكومته الجديدة، لا يرى فوشيه أيَّ «عراقيل إقليمية» تحول دون التأليف.
وقال: «هناك أكثرية جديدة أفرزتها الانتخابات، والحكومة يجب أن تتألف انطلاقاً من هنا، ولا أرى ما يستدعي الانتظار، وهذا مؤسف». وعن سؤاله عمّا إذا كانت طبيعة الأكثرية التي تألّفت، وكونها «حليفة لإيران»، أمراً يؤدّي إلى تأجيل التأليف، شدّد فوشيه على أنّ «الأكثرية هي الأكثرية».
«حزب الله»
إلى ذلك، أكد فوشيه أنّ «موقف فرنسا من «حزب الله» ثابت، نحن نعتبره حزباً سياسياً لبنانياً، ونتعاطى معه في إطاره اللبناني».
وأضاف: «هو حزب لديه نواب ووزراء، ونتحدث إليه كأيّ حزب لبناني آخر، لكننا لا نعترف بنشاطه في الخارج».
وبينما أكد أنّ فرنسا تشجّع سياسة الفصل بين كون «حزب الله» جزءاً من النسيج اللبناني، والنشاط الذي يقوده في الخارج لمصلحته دون موافقة السلطات الشرعية اللبنانية، شدّد على أن «ليس لـ»حزب الله» ما يفعله في بلاد الخارج، لا في سوريا، ولا في اليمن، ولا في العراق»، محذِّراً من «خطر تدخّله في سوريا إذ قد يجرّ لبنان إلى نزاع ليس له».
واعتبر أنّ الأمر المقلق بالنسبة للبنان هو أنّ «إسرائيل ترى المسألة السورية برمّتها عبر الوجود الإيراني في سوريا، ولذا على «حزب الله» أن يضع حدّاً لوجوده هناك ليجنّب لبنان الخطر».
النازحون السوريون
ورداً على سؤال «الجمهورية» حول موقف فرنسا من أزمة النزوح وعمّا إذا كانت عودة النازحين ترتبط بحلٍّ سياسي في سوريا، أكّد فوشيه «لقد سمعنا جيداً رفض السلطات اللبنانية بقاء النازحين في لبنان».
وقال للبنانيين: «هذا فعلاً خياركم، وعندما تتمنّون أن يعودوا إلى ديارهم نحن نقول إنهم يجب أن يعودوا. ولكن يجب أن يعودوا في ظروف مقبولة».
وعن الحلّ السياسي والعودة قال السفير الفرنسي: «لا نريد ربط عودة اللاجئين بالحلّ السياسي الكامل والشامل في سوريا لأننا نعرف أنّ ذلك سيتطلّب وقتاً».
وأشار فوشيه إلى وجود «مبدأ إنساني يجب احترامُه، ويتمثل بعودة غير جبريّة وآمنة»، لافتاً إلى «ظهور فرص تؤدّي إلى عودة البعض، ونحن لا نعارض».
وأكد أنّ «المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تحدّ من مبادرات العودة بل تتحقق من العوامل المؤهَّلة للعودة إلى مناطق معيّنة، وهذا ما خلق سوءَ التفاهم مع السلطات اللبنانية».
وقال: «من الطبيعي أن تقلق المفوّضية حول مصير هؤلاء الأشخاص بعد عودتهم، خصوصاً إذا كانوا ينوون العودة إلى مناطق لا يمكن الوصولُ إليها بسبب الصراع الدائر».
وأضاف: «نفهم نفاد صبر اللبنانيين من رؤية هؤلاء الأشخاص هنا، ومخاوفهم من أن يبقوا، ولهذا السبب نستكمل مساعدة لبنان، وقد جعلنا منه المستفيد الأول من مساعداتنا في المنطقة خلال السنوات 2018 – 2020».
سوريا
وحول مصير الأزمة السورية أكد السفير الفرنسي لـ»الجمهورية» أنّ «مستقبل سوريا ما زال غامضاً جداً وقاتماً».
واعتبر أنّ «جميع الأطر التي تمّ خلقها لمحاولة اطلاق محادثات السلام لا تعمل».
ولفت إلى أنّ تقدّمَ الجيش السوري في هذه المرحلة أو ضربَ أيّ جهة لعدوِّها لن يجعل الأمور أفضل، خصوصاً أنّ «سوريا بلد مدمَّر، وبينما كان ناتجها المحلّي الإجمالي 60 مليار دولار عام 2010 سقط إلى 12 مليار دولار عام 2016 وسجّل أرقاماً أكثرَ تدنّياً عام 2017».
فلسطين
على الساحة الفلسطينية، أكد فوشيه أنّ فرنسا لطالما لعبت دوراً في محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وأشار إلى أنّ بلاده تراقب عن قرب ماذا يحدث هناك، وخصوصاً في شأن القريتين الفلسطينيتين المهدّدتين بالهدم من قبل إسرائيل، مشدّداً على أنّ «محوهما يطرح سؤالاً حول جدوى إقامة الدولة الفلسطينية المقبلة، وتنفيذ حلّ الدولتين».
كما كرّر شجبَ بلاده لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، معتبراً أنّ مسألة القدس قضائية ويجب أن يتمّ التفاوضُ حولها.
ماكرون
وبعدما تفاجأ لبنان بتأجيل الرئيس الفرنسي زيارته إليه التي كانت مقرّرة في نيسان الماضي إلى أجل غير مسمّى، أكد السفير الفرنسي أنّ الرئيس ماكرون «سيأتي إلى لبنان، وهو يريد زيارة لبنان»، كاشفاً أنّ الزيارة «ستتمّ خلال الأشهر الثمانية المقبلة، وتحديداً في محيط أواخر السنة»، دون أن يحدّد تاريخاً.
وعن أسباب تأجيل الزيارة، أشار فوشيه إلى أنّ «جدولَ أعمال ماكرون كان محمّلاً جداً، وهو لم يؤجّل زيارته لأسباب تتعلق بالسياسة المحلية اللبنانية، بل بسبب جدول مواعيده الفرنسي».
الفرانكوفونية
وأوضح السفير الفرنسي أنّ ماكرون سيوقّع خلال زيارته خريطة طريق لدعم الفرانكوفونية في لبنان أعدّتها السفارة، لتلبية الطلب الكبير على الفرانكوفونية، في محيط بيروت الكبرى وأيضاً في البقاع والجنوب.
وقال: «نعمل على الكمّية لتلبية الطلبات، وأيضاً على النوعية، من خلال تدريب أساتذة لبنانيين وقد منحت قسماً منهم الدبلومات منذ بضعة أسابيع».
وأكّد أنّ لبنان يضمّ «أكبرَ شبكة في العالم للمدارس الفرنسية خارج فرنسا، وأنه أوّل بلد في العالم في نسبة التلاميذ الذين يتلقّون التعليم بالنظام الفرنسي، ويتقدّم أشواطاً عن البلد الثاني وهو المغرب». وأعلن أنّ «لبنانَ بلدٌ قائد في مجال الفرانكوفونية».