رغم الانقسام واختلاف السياقات بين المتحكمين في المشهد السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنهم موحدون في أنهم يواجهون ذات العنجهية الاحتلالية، في الضفة تهويد وتمدد استيطاني وتنكر لأدنى الحقوق السياسية، وفي القطاع حصار وتغول وفرض معادلة الهدوء في ظل التشدد والحصار، وموحدون أيضًا في أن كليهما يصارع من أجل البقاء ويتمنى فقط وقف سياسة التغول، كلاهما يشعر بالعزلة ويقاتل وحده ويواجه مخططات تصفيته وحيدًا، وكلاهما يشعر بالإحباط وانسداد الأفق والميل إلى التدهور، ويشعر بشدة خطورة الأخطار المحدقة به من كل صوب.

للأسف، هذا هو حالنا نحن الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ونحن كشعبٍ نشعر بأننا على حافة الهاوية، ورغم كل أوراق ضغطنا وعوامل قوتنا الممكنة؛ فإننا لا نستخدم أيّ منها، ولا نجيد إلا دفع الأثمان وتقديم قرابين التضحيات الكبيرة، لعلنا نوقف هذا التغول ونحصل على بعض من الحياة الآدمية؛ كل ذلك بفعل استمرار الانقسام، وهذا لم يكن مقالًا عن الانقسام، وإنما عن التصعيد وعن الحرب التي قد تقرع الأبواب، لكن التأمل السريع فيما جرى وأسبابه وسياقاته ومخرجاته الممكنة تجعلنا نصل إلى جوهر الأمر وإلى العقدة والمخرجات بدون أية مناورات. لا انتصار في ظل الانقسام، وإنهاؤه هو أقصر الطرق لتخفيف المعاناة وحشر الاحتلال.

ودون ذلك سنظل نكتب عن التصعيد وتبادل اللكمات والتهدئات الهشة ومعادلة الهدوء مقابل الهدوء، وسنظل نصغي لسماع قرع طبول الحرب. مره أخرى استطاع المصريون بوساطة ملادينوف التوصل إلى تهدئة ربما في الدقيقة الـ 90، تهدئة من جملة بسيطة: هدوء مقابل هدوء، والاحتلال يفسر ان الهدوء يشمل أيضًا الطائرات الورقية وكل ما يصفه بـ "أعمال ونشاطات قرب الحدود".

إن أيّ تهدئات قد تحدث دون أن تحقق رفعًا للحصار أو تفاهمات حقيقية بضمانات قوية لن تعدو كونها تأجيلًا مؤقتًا للصدام، طالما ان نتنياهو وعصابته يرفضون تقديم أيّ تنازلات على جبهة الحصار، ويربطون مثل هذه التسهيلات بالكثير من الشروط التعجيزية، وطالما أن المقاومة تصر على ألا تمنح الهدوء المجاني للاحتلال، وترغب في أن تؤكد برسائلها للاحتلال أنها لا تخشى عدوانه وقادرة على تدفيعه ثمن عنجهيته، وأن لديها إصرارًا قويًا على كسر الحصار ورفض أي معادلات اشتباك جديدة يحاول الاحتلال فرضها.

الموقف الاحتلالي من القطاع لا زال على حاله، وهو موقف لا زال يقوده نتنياهو وليبرمان، ويختلفان فيه مع بقية أعضاء الكابينت الأمني - السياسي، حيث يتمسكان بإدامة الانقسام ويرفضان تقديم أية تسهيلات خشية من تفسير ذلك بالانحناء أمام المقاومة، وفي ذات الوقت يطالبان بالهدوء الشامل.

صبيحة الأحد، وفي بداية جلسة الحكومة، أكد نتنياهو على ان وقف إطلاق النار يشمل أيضًا الطائرات الورقية وكل أعمال "الإرهاب"، وفي المساء سيتم عقد اجتماع للكابينت، ويبدو أنه لن يكون اجتماع لاتخاذ قرارات؛ بل لشرح ما حدث من تطورات من حيث التصعيد والتهدئة.

المستوى السياسي لدولة الاحتلال يولي أهمية كبيرة للرأي العام الإسرائيلي، وهناك من يقول بأن معظم سياساته تجاه غزة مرتبطة بالرأي العام الداخلي وبالانطباع الذي يرغب بخلقه لدى جمهور ناخبيه؛ لذلك وفي ذروة التصعيد بالأمس اهتم مكتبه بأن يوزع على وزراء الكابينت رسائل إعلامية مكتوبة وطالبهم بتأكيدها وتبنيها في لقاءاتهم الصحفية، وكان نتنياهو نفسه قد بث تصريحًا متلفزًا ومسجلًا أكد فيه على ذات المضمون تقريبًا. الملفت ان الرسائل الإعلامية كانت معظمها موجهة للساحة الداخلية، وأكدت من خلالها على حجم الضربة الكبيرة التي تلقتها المقاومة وتعدد الأهداف التي تم استهدافها، وعلى فشل المقاومة في تحقيق أيّ من أهدافها، وشيطنتها بربطها بالتمويل الإيراني وتحميلها مسؤولية أيّ تصعيد، وأن الاحتلال جاهز لكل تصعيد، لكنه لا يتحمل أية مسؤولية عمّا يدور في قطاع غزة أو عن نتائج أيّ تصعيد محتمل.

الموقف الإسرائيلي الذي يتمسك بفرض معادلاته ومفاهيمه، في مقابل موقف الفصائل الرافض للشروط الاحتلالية، وفي ظل الانقسام وغياب الرغبة والإرادة الاقليمية والدولية في لجم الاحتلال أو ممارسة الضغوط عليه؛ يجعل الصدام أمرًا محتومًا، وهو مجرد مسألة وقت، ولا ضمانات بتغيير الأوضاع أو رفع الحصار

المصدر: أطلس للدراسات