استفاق اللبنانيون على مشهد لم يألفوه من قبل، اذ تبدّل المزاج السياسي فجأة على مستوى القيادات، ولم يعد اقتراح تشريع زراعة الحشيشة لأغراض طبية مقبولا فحسب، بل أصبح مطلباً. من المسؤول عن هذا التغيير، وهل هي فعلا تأثيرات شركة ماكينزي التي نصحت بتشريع الحشيشة كجزء من الخطة الاقتصادية لتحسين مداخيل الدولة اللبنانية؟
في كتاب الجغرافيا الرسمي اللبناني في سبعينبات القرن الماضي، كانت هناك فقرة يدرسها طلاب الصف الرابع تكميلي (بريفيه)، تتحدث عن اقتصاد لبنان. ويرِد في هذه الفقرة ما معناه، ان الاقتصاد اللبناني يعتمد في مداخيله على قطاعات عدة، منها السياحة، الزراعة، التجارة، الصناعة، ومداخيل غير منظورة. وكانت ردة فعل التلاميذ دائما أن يطرحوا السؤال على استاذ المادة: ما هي المداخيل غير المنظورة، وكان الجواب: انها مداخيل زراعة وتجارة الحشيشة…
من خلال هذه الفقرة في كتاب الجغرافيا، يمكن الاستنتاج أن زراعة وتجارة الحشيشة كانت قطاعا معترفا فيه على اساس انه مساهم في الاقتصاد الوطني، تحت مسمّى «مداخيل غير منظورة».

اليوم، يعود هذا الموضوع الى التداول من بوابة تحويل ما هو «غير منظور» برأي الدولة، الى قطاع منظور وشرعي، ويتمتّع بكل انواع الحصانات. ورغم ان هذا الملف طُرح للتداول منذ بضعة سنوات، سيما من قبل وليد جنبلاط، الا أنه لم يأخذ منحى جديا، ربما لأن الافرقاء السياسيين لا يتعاطون مع أي طرح سوى من زاوية احتساب ردات الفعل الشعبية، والمكاسب والخسائر السياسية المحتملة.

المهم اليوم، ان البلد امام مناقشة مشروع سنّ قانون ينظّم زراعة وتجارة الحشيشة لأغراض طبية. فهل ان التشريع اذا ما تمّ، يشكّل فعلا ركيزة اقتصادية تدعم الاقتصاد الوطني وتساهم في النمو؟

لا بد من الاشارة هنا، الى ان تشريع تعاطي الحشيشة بكميات محدّدة في كل انحاء العالم، بات توجهاً تسلكه العديد من الحكومات التي كانت في السابق تمنع التعاطي، وتعتبره عملا يعاقب عليه القانون. هذه النزعة نحو تشريع تعاطي الحشيشة ظهرت منذ مطلع التسعينيات. وقد بدأت دولٌ في خطوة تشريع الزراعة أو التعاطي تباعا، حتى بلغت اليوم نحو 18 دولة، بالاضافة الى 20 ولاية أميركية.

من هنا فان تشريع تعاطي الحشيشة بكميات محددة، الى جانب الاستخدامات الطبية لهذا النوع من النباتات، حوّل الحشيشة الى مادة استهلاكية صالحة للتجارة الشرعية بين الدول. وهذا ما يفسّر إقدام هيئة البورصة البريطانية في اواخر اذار 2018، على طرح أول شركة استثمار لتمويل مشاريع الحشيشة المخصّص للاغراض الطبية.

يذكر أن بريطانيا لا تعارض استخدامات الحشيشة للاغراض الطبية، كما أن أكبر شركة حشيشة مسجلة في بورصة نيويورك، هي شركة «جي دبليو فارما»، التي يوجد مقرها في لندن، ويبلغ رأسمالها السوقي حوالي 3.1 مليار دولار.

ولا شك في ان إدراج شركات انتاج المخدرات لاغراض طبية في الاسواق العالمية، يساهم في زيادة جذب الاستثمارات الى هذه الاعمال. وبالتالي، الدخول في هذا النوع من التجارة الدولية من شأنه ان يؤمّن ايرادات شرعية للدول المنتجة لهذه المواد.

في لبنان، الموضوع مطروح من زاوية تشريع الحشيشة لأغراض طبية، وهذا يعني ان لبنان لا يريد ان ينتج هذه المادة ويبيعها بهدف التعاطي. ويستطيع لبنان ان يستفيد من انتاج زراعة الحشيشة على خطين: اولا، تأمين موارد مالية من بيع المادة الى الخارج لاستخدامات طبية، وثانيا، تأمين موارد للخزينة ودعم قطاع صناعة الادوية المحلي الواعد من خلال مدّه بالحشيشة لتصنيع ادوية لا تستطيع المصانع اللبنانية اليوم تصنيعها بسبب حظر حصولها على الحشيشة التي تدخل في تركيبة هذه الادوية.

تبقى الاشارة الى ان تشريع زراعة الحشيشة سوف يحلّ معضلة الزراعات البديلة في منطقة البقاع، والتي ظلّت حبرا على ورق، ولم تنجح كل المحاولات في ايجاد زراعات بديلة للحشيشة، تؤمّن رزق المزارعين في المنطقة، والذين يشكلون النسبة الاكبر من السكان.

ما هو حجم المداخيل التي يمكن ان يؤمنها تشريع زراعة الحشيشة للدولة؟

حتى الان، لا توجد ارقام دقيقة يمكن الاستناد اليها لتحديد حجم الايرادات المقدّرة للخزينة. لكن من المعروف ان هكتار الارض يمكن ان ينتج كمية من القنّب بقيمة تتراوح بين 3500 و 4000 دولار في ارضه، وان يُباع لاحقا بما يوازي 12 الف دولار. واذا اعتبرنا ان الدولة تستطيع ان ترخّص لزراعة 100 الف هكتار، فهذا يعني مدخولا يوازي مليارا و200 مليون دولار، يذهب قسم منه الى المزارعين، والقسم الآخر الى الدولة التي ستتولى بيع الانتاج في الاسواق العالمية. لكن الوصول الى هذا الرقم يحتاج الى سنوات، لأن زيادة المساحات المزروعة حشيشة ينبغي ان تتم تدريجيا، وبعد التأكّد من استيعاب الكميات المنتجة. والوصول الى 100 الف هكتار قد يستغرق 10 سنوات، وهي الفترة نفسها التي يحتاجها البلد للافادة من النفط والغاز، في حال تم العثور عليهما قريبا.

هل يعني هذا الرقم ان الحشيشة سوف تساهم في انقاذ الاقتصاد في حال تشريعها؟

الواقع أن الحشيشة خيارٌ اضافي. لكن من يريد انقاذ الاقتصاد يستطيع ان يبدأ بمعالجة قطاع الكهرباء الذي «يدرّ» لوحده حوالي ملياري دولار سنويا، وهو رقم لا تستطيع الحشيشة، وربما الغاز والنفط أيضاً من تأمينه يوماً ما.

المصدر: انطوان فرح – الجمهورية