تقدّم الكلام عن الحوار مع سوريا في ملف النزوح السوري ما عداه، وخصوصاً تأليف الحكومة الذي دخل، على ما يبدو، في كهف التأجيل إلى أمد غير قريب. بيد أن السجال الجديد لا يقل أهمية مذ تبارى الأفرقاء في التحايل على التواصل مع دمشق
تلا تعيين اللواء عباس إبراهيم مديراً عاماً للأمن العام في 18 تموز 2011 انفجار الحرب في سوريا في 15 آذار عامذاك. إلا أنه، مذذاك، تولى التنسيق الأمني مع سوريا في وقت كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قرّرت في بيانها الوزاري النأي بالنفس. لم تُدرج مهمته في سياق هذا التعريف المحدث لتجنيب لبنان تداعيات الحرب الدائرة هناك.
لم ينقطع إبراهيم عن زيارة دمشق في نطاق مهمات سرّية، ارتبطت بتبادل معلومات، وتسلل مسلحين إلى الداخل السوري عبر الأراضي اللبنانية أو العكس، أو استقدام مقاتلين إلى سوريا من طريق لبنان. أول ملف علني جبهه بعد أشهر قليلة على توليه منصبه معها عام 2012، هو مخطوفو أعزاز بالتزامن مع استعادته في السنة نفسها تسع جثث لمقاتلين سنّة لبنانيين وقعوا في مكمن في تلكلخ، ألحقه باسترجاع مقاتل كان أسيراً لدى الجيش السوري. ثم في السنة التالية عام 2013 خطف راهبات معلولا.
لم تقتصر لقاءاته على المسؤولين الأمنيين الكبار في الاستخبارات العسكرية والعامة، بل اجتمع مراراً بالرئيس السوري بشار الأسد في سياق المهمات تلك. كان الداخل اللبناني آنذاك في ذروة الانقسام حيال ما يجري في سوريا، بين مَن يدعم نظام الأسد ومَن يتوقع سقوطه في الغداة. عندما قيل إن النظام يوشك على الانهيار ونظامه يتحلل وهو يفقد مساحات شاسعة ورجاله الأقوياء ويُستنزف الجيش السوري، لم ينبرِ صوت يسائل إبراهيم عن استمرار تواصله بذلك النظام. كان المحاور الوحيد باسم الدولة اللبنانية على مرّ حكومتي ميقاتي والرئيس تمام سلام، في وقت لم يكن حزب الله يحتاج إليه إذ يقاتل بقضه وقضيضه في سوريا، ولم يكن يسع الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل انتقاد دور الرجل، وهما عالقان على أوهام سقوط النظام عند كل صباح. في الوقت نفسه، أضحى ملف النزوح السوري بين يدي الجيش في مراقبته المخيمات والتسلل من المعابر غير الشرعية، ويدي الأمن العام في تنظيمه.
مذ قال الرئيس ميشال عون الأسبوع المنصرم لـ«الاخبار» إنه يشرف مباشرة على العودة الطوعية للنازحين، منيطاً بالمدير العام للأمن العام مهمة التواصل مع السلطات السورية ـــــ ولم تكن المرة الأولى يؤكد هذا التفويض منذ انتخابه ــــ ارتفعت فجأة نبرة الاعتراض والتحفظ عن حوار ليس مستجداً مع دمشق في السنوات الست المنصرمة على الأقل، ولا القناة نفسها جديدة عليه منذ عام 2011. لعل أبرز المعترضين ولا يزالون الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط وحزب القوات اللبنانية الذين لم يتحفظوا في مجلس الوزراء، في جلسة 28 تشرين الأول 2017، عن تعيين سفير لبنان جديد في سوريا هو سعد زخيا. للفور، ضم الحريري توقيعه إلى توقيع رئيس الجمهورية في مرسوم تعيين السفير الجديد الذي قدّم أوراق اعتماده إلى الرئيس السوري.
عندما يُسأل إبراهيم عن الضجة المثارة منذ أسبوع حيال تأكيد رئيس الجمهورية تكليفه إياه محاوراً السلطات السورية في ملفي النزوح السوري والأمن، يجيب: «لم أسمع من أحد، أي أحد، اعتراضاً على هذا التكليف ولا على تواصلي والحوار مع سوريا. لا شروط على هذا التكليف، ولا قيود. في أي حال لم يُدلِ أحد بتحفظ عن المهمة هذه. الجميع يجهرون أنهم يؤيدون العودة الطوعية للنازحين السوريين إلى بلادهم، ولأنني لم أسمع أحداً يطالب ببقائهم حيث هم، فمن الطبيعي أن لا يسجل أحد اعتراضاً على مهمتي التي تقود إلى هذا الهدف».
يضيف: «بالتأكيد أذهب باستمرار إلى سوريا. قبل ملف النازحين السوريين وبعده. بفضل التواصل معها نجحنا في معالجة كم من الملفات الأمنية والإنسانية، لبنانية وغير لبنانية. بعضها مرتبط بطابع دولي أو إقليمي. من دون هذا التواصل ما كان في الإمكان إنجازها. الملف الأمني، خصوصاً الشق المرتبط بالإرهاب والتعاون على مواجهته لا يقل أهمية عن ملف النازحين السوريين».
يقول المدير العام للأمن العام: «مهمتي هناك ملتزمة قاعدة واحدة يلتقي عليها المسؤولون اللبنانيون جميعاً، وتقع في صلب التكليف الذي ناطه بي رئيس الجمهورية، هي اتخاذ كل الخطوات الضرورية لإنجاح أي عودة طوعية يتطلبها النازحون السوريون إلى بلادهم. في سوريا، التقي نظرائي ومسؤولين أمنيين في نطاق المهمة الحالية، وهي سبل تسهيل عودة الراغبين في الرجوع الطوعي. التقي أيضاً بوزراء سوريين إذا كان ثمة ملف معني بهم. الملف استثنائي قائم منذ اندلاع الأحداث هناك عام 2011. التواصل الأمني مع دمشق يصعد إلى ما قبل اندلاع الحرب من خلال التنسيق مع السلطات الرسمية والأمنية السورية. كل ملف أمني يتقاطع بيننا والسوريين، أو بين جهات دولية وإقليمية والسوريين، ونقيم نحن على خط تقاطع بينهما، نكون في قلب مناقشته والتفاوض معهم. فعلنا ذلك مراراً في السنوات المنصرمة لإطلاق محتجزين أجانب أو عرب في سوريا طلبت حكوماتهم مؤازرتنا إياها على جلاء مصيرهم واستعادتهم».
لم يقل لي مسؤول سوري إنه يقايض عودة النازحين بشروط سياسية
يضيف: «في اتصالاتي في دمشق بإزاء هذا الملف لم ألمس سوى التجاوب. لم يُفرض على لبنان أي شرط. أبدوا استعدادهم لاستقبال كل من يرغب في العودة. شرطهم الوحيد قوننة العودة، وتحديداً من خلال إصرارهم على أن يكون الأمن العام هو المرجع المعني بتنظيم المغادرة. لم يقل لي أي مسؤول سوري إنه يقايض العودة بشروط سياسية. رئيس الجمهورية يعوّل بقوة على إعادة فتح معبر نصيب عند الحدود السورية ــــ الأردنية، ويجد فيه متنفساً لإعادة إحياء التبادل التجاري بين لبنان والداخل العربي. سمعت هذا التأكيد مجدداً منه في لقائي به الأسبوع الماضي. إلا أن معبر نصيب لا يدخل في مهمتي، ولم يكلفني الرئيس عون الخوض فيه في الوقت الحاضر. الملف الذي يعنيني الآن العودة الطوعية للنازحين. كُلما بلغ إلى الأمن العام أن مجموعة منهم، من عشرة إلى إلف، يريدون العودة ويسجلون أسماءهم في لوائح رسمية لدينا، نسارع إلى الاتصال بالسلطات السورية المعنية لمناقشة تسهيل هذه العودة من الجانبين. نحن نتولى ترتيبات المغادرة، وهناك يتولون ترتيبات الاستقبال تبعاً للوائح التي بين أيدينا. باستمرار ثمة لوائح بنازحين يريدون العودة ونقاربها بعناية وتنظيم».