محاكمات بلا نهاية، وساطات وتدخلات لمصلحة «الأقوى»، نقص في عدد القضاة الشرعيين، فضلاً عن تعاطيهم الاستعلائي مع النساء وغيابهم المتكرّر عن الجلسات. هذه، وغيرها الكثير، بعض «المآخذ» على «دوامة» المحاكم الشرعية الجعفرية التي تغرق فيها نساء كثيرات اعتقدن أنها توفّر لهن مخرجاً من جحيم زوج معنّف، فوجدن أنفسهن «معلّقات» لا «مطلّقات»!
«هذه محاكم حمراء لا ينقصها إلا البنزين لتحترق بالكامل»، هكذا يصفها رئيس المحكمة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السيد علي مكي. في حديث الى «الأخبار»، لا يتوانى مكّي عن اتهام هذه المحاكم بالبطء الشديد والمماطلة والتسويف والتأجيل غير المبرّر في بتّ القضايا، مقرّاً بحاجتها إلى إصلاحات عاجلة. وهو عمل على إعداد وثيقة من 15 بنداً تتضمّن إجراءات إصلاحية، أبرزها تحديد مهل قانونية لنهاية المحاكمة (ولا سيما النفقة والطلاق والنشوز)، واعتبار الدعاوى التي تتعلق بالنفقة عاجلة، وتسهيل عملية التبليغ بموعد المحاكمات، «وبنود إصلاحية أخرى تتعلق بزيادة عدد القضاة والتركيز على حضورهم طوال أيام الأسبوع».
النبرة القاسية للمفتي مكي تتساوق مع أحوال النساء مع المحاكم الجعفرية. إذ يقضي بعضهن ما يصل الى 15 عاماً، وربما حتى ينقضي «العمر»، في أروقة هذه المحاكم في انتظار بتّ قضايا طلاقهن، عدا عن المماطلة في إصدار أحكام أخرى كحكم النفقة للزوجة (المعلّقة) وحكم نفقة الأطفال.
والأخطر من المماطلة والتسويف، وخصوصاً أننا هنا أمام محاكم دينية يُفترض ألا تشوبها شوائب، ما يؤكده عاملون سابقون في هذه المحاكم عن «تدخلات شخصية وضغوط وعرقلات تحرف سير الأحكام إلى ما يراعي الجهة الضاغطة». ولعلّ ما يزيد الطين بلّة، بحسب المصادر، النقص الكبير في عدد القضاة «إذ هناك حالياً 25 قاضياً، في حين أن هناك حاجة، في الحد الأدنى، الى 34 قاضياً»، مُشيرة الى أنه منذ أكثر من أربع سنوات لم تجر امتحانات دورات قضائية لدخول السلك. وتحمّل المصادر الدولة ورئاسة المحاكم المسؤولية بسبب التقاعس عن ممارسة دورهما الرقابي وغضّ النظر عن أداء القضاة «الذين يتغيّبون باستمرار ويتهاونون في إصدار الأحكام. وإذا كان التباطؤ في مسائل الطلاق مفهوماً الى حد ما بحجة أن القاضي يحاول التوفيق بين الطرفين، فإن ما ليس مفهوماً هو التسويف في مسائل لا تحتمل المماطلة تتعلق بالنفقة والحضانة». وتلفت الى أن من واجب رئاسة المحاكم الشرعية أن توكل إلى مفتشين متابعة عمل المحاكم الشرعية ومراقبتها لتستقيم الأمور، ومن بينها «تحديد مهل المحاكمات واحترامها».
أين تكمن مسؤولية الدولة هنا؟ تتبع المحكمة الشرعية في لبنان، إدارياً، لرئاسة الحكومة عبر «مجلس قضاء إسلامي أعلى» (يشمل السنّة والشيعة) يضم مُفتشين مكلفين مراقبة أداء المحاكم الشرعية. إلا أن الفرع المتعلق بالتفتيش، بحسب المصادر، «شبه معطّل».
«طلاق الحاكم»: مطلّقات مع وقف التنفيذ!
هرباً من تسويف الأحكام التي يتعرضن لها في المحاكم الجعفرية، تلجأ نساء كثيرات إلى «طلاق الحاكم الشرعي». هو طلاق يقع بدون رضى الزوج، لأسباب تتعلق بتصرف الزوج إما لهجر زوجته أو لعجزه الجنسي أو لعدم إنفاقه عليها أو لضربها وتعنيفها (...)، فتلجأ الزوجة إلى «الحاكم الشرعي» أو من يحمل إجازة منه، فيلجأ الأخير الى تنبيه الزوج، وخصوصاً في حال امتناعه عن النفقة، سواء بسبب فقره أو بسبب عناده، ويأمره بالإنفاق أو بالطلاق، فإذا لم يمتثل لجأ الى تطليقها ولو من دون رضى الزوج.
هكذا تقصد بعض النساء رجال دين مجازين لإتمام طلاق «الحاكم الشرعي»، فيما تلجأ أخريات إلى مكتب «القضايا الشرعية» في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لإتمام «طلاق الحاكم» الذي استحدثه الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين نظراً إلى عدم وجود مجتهد على رأس المحكمة الجعفرية، وذلك لبتّ القضايا التي تحتاج إلى تقويم واجتهاد في مسألة «طلاق الحاكم».
لكن الحصول على هذا الطلاق صعب جداً لأن الحكام الشرعيين قليلون، كما أن التنافس بين رجال الدين يجعل تنفيذ أحكام الحاكم الشرعيّ أمام القضاء قضية مزاجيّة، فيما ترفض المحاكم الجعفرية تثبيته بحجة تجاوز المحكمة. وبالتالي، يصبح هذا الطلاق في حالات كثيرة «نظرياً»، وتبقى نساء كثيرات ممن تطلّقن شرعاً على أسماء أزواجهن، مع ما يثير ذلك من مشاكل أسرية واجتماعية.
أيها النساء طالبن بالعصمة
الى حين حصول الإصلاح المرجو في المحاكم الشرعية الجعفرية، يحضّ رئيس المحكمة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السيد علي مكي النساء على المطالبة بالعصمة، و«خصوصاً في هذا الزمن»، إضافة الى اللجوء الى وضع شروط في عقود الزواج «كأن تضع المرأة بنداً فيه أنه في حال إقدام الزوج على ضربها أو إهانتها يكون لها الحق في الطلاق».