تتّجه الأنظار اليوم إلى قصر بعبدا حيث يُرتقب انعقاد لقاء بين الرؤساء الثلاثة إثر تقبُّلِهم التهاني بعيد الجيش ومشاركتِهم في احتفال تقليد السيوف لضبّاط دورة «فجر الجرود» المتخرّجين من الكلّية الحربية. فيما تترقّب الأوساط السياسية مضمونَ الخطاب الذي سيُلقيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الاحتفال بعِيد الجيش، حيث يُنتظر أن يتضمّن أن يعطيَ مقاربةً واضحة وصريحة للتطوّرات الداخلية والإقليمية، وكذلك لبعض الملفات المطروحة وما يواجه لبنان في هذه المرحلة الحرجة من استحقاقات حكومية وسياسية وأمنية واقتصادية.

في خضمّ غرق تأليف الحكومة بين أطواق من التعقيد منذ أكثر من شهرين على تكليف الرئيس سعد الحريري، خطفَ الاضواءَ أمس اللقاء في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي زاره في حضور نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، وذلك بعد قطيعةٍ امتدّت بضعة أشهر منذ واقعة فيديو «محمرش» الذي وصَف فيه باسيل رئيس المجلس بـ«ألبلطجي».

وقد عوّل البعض على ان يقدم لقاء عين التينة جرعة من الايجابيات بما يساهم في حلحلة العقد التي تعوق ولادة الحكومة، خصوصاً انّ موضوع تأليف الحكومة حاز القِسط الاكبر من البحث بين بري وباسيل، إذ دام اللقاء بينهما نحو ساعة وعشر دقائق. وعلمت «الجمهورية» انّ الاجواء «كانت ودّية»، ودار خلالها البحث حول قضايا مختلفة، وشكّل الوضع الحكومي نقطة البحث الرئيسة فيه واستحوَذ على معظم اللقاء.

وفيما اكتفى بري بالاشارة امام زوّاره الى «انّنا ركّزنا خلال اللقاء على الوضع الحكومي». علمت «الجمهورية» انّ باسيل قدّم عرضاً لموقف «التيار الوطني الحر» من مسألة تأليف الحكومة، وكان حريصاً على تظهير صورة انّ التيار وهو شخصياً «ليسا في الموقع المعطل للتأليف، خصوصاً انّ ما يطالب به «التيار» هو ما يَعنيه حصراً».

وخلال حديثه بدا باسيل مستاءً من المناخ العام الذي يضعه هو في موقع المسبّب بتعطيل تأليف الحكومة. وحسب المعلومات فإنّ بري وباسيل تبادلا الافكار والآراء حول الوضع الحكومي، لكن من دون التركيز على نقطة او تفصيل محدد. وكان اللافت في هذا المجال تعمُّد بري نعيَ فكرةِ «حكومة الاكثرية» امام صاحب هذه الفكرة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، حيث كرّر إصراره على «انّ البلد لا يقوم إلّا بحكومة وحدة وطنية»، مشدداً على «أنّ الحوار والتلاقي هما السبيل الى حلّ كل الالتباسات والعقبات، والأهم هو عدم تمترسِ ايّ طرف خلف مواقفه وشروطه لأنّ هذا التمترس لا يوصِلنا الى شيء، بل يُبقي على الأزمة مكانها. واستشهد بري بعبارة وردت في إحدى خطبِ البابا فرنسيس يشدّد فيها على الحوار، وتلاها على مسمع باسيل.

وفي المعلومات ايضاً أنّ باسيل كرر القول مرّات عدة خلال اللقاء ما مفاده «أنّنا لا نستهدف احداً ولا أيّ طرف، وأنّ ما نقوم به فقط هو انّنا نطالب بحصّتنا نحن كتيّار وطني حر وتكتذل «لبنان القوي»، وإذا أراد احد ان يعطيَ فليعطِ من حصته»، وقال: «إنّ هناك من يُحمّلني مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة، مع العِلم انّني لا اطالب إلّا بحصتنا لا اكثر».

وإذ انتهى اللقاء الى أملٍ في ان تبرز الايجابيات على خط التأليف بما يؤدي الى ولادة الحكومة قريباً، أوفَد بري بعده الوزير علي حسن خليل الى «بيت الوسط» حيث أطلع الحريري على اجوائه.

وسُئل بري امام زواره: هل دخلتَ على خط الوساطة لتسهيل تأليف الحكومة؟ فأجاب: «أنا لستُ وسيطاً ولم يفوّضني احد بذلك، ولكن تبعاً لِما جرى خلال اللقاء مع الوزير باسيل احببتُ أن ابادر الى نقلِ الايجابيات التي يمكن ان تقرّبَ بين المواقف». وأكّد «انّ الاهمّ هو عدم تمترس جميع الاطراف خلف مواقفهم».

وسُئل بري ايضاً عمّا يُحكى عن مطالب بعض الافرقاء بأن تكون حصصهم في الحكومة نسبةً الى احجامهم النيابية، فقال: «اذا اعتمدنا هذه النسبية، فمعنى ذلك انّ حصتي انا كثالث اكبر كتلة نيابية تكون اكبر ممّا ارتضيناه، أي ثلاثة وزراء، وقد ارتضَينا بهذه الحصة في سبيل تسهيل تأليف هذه الحكومة، ونحن على اقتناع بذلك».

وعمّا اذا كانت الايجابيات التي انتجَها اللقاء مع باسيل يمكن ان تثمرَ ولادة الحكومة قريباً، قال بري: «أنا ما زلت عند موقفي وهو انّ الحكومة يجب ان تؤلَّف في اسرع وقت ممكن، وهذا يبنبغي ان يكون هدفَ الجميع، والطريق الى ذلك يبدأ بالجلوس الى الطاولة وانعقاد لقاءات ونقاشات، وأهم شي تصير لقاءات».

وعمّا إذا كانت هناك عوامل خارجية تعوق تأليفَ الحكومة، قال بري: «هناك ظنٌّ بذلك، وهو ظنّ مشروع، ولكن أنا شخصياً لم ألمس دليلاً يؤكّده حتى الآن».

باسيل

ومن جهته، وصف باسيل اللقاء مع بري بـ«لقاء الخير»، وقال إنّ «فنّ اللقاء هو أفضل من استراتيجيات النزاع، ونحن في حاجة إلى الالتقاء مع بعضنا كلبنانيين». وقال: «تكلّمنا في كثير من المواضيع المفيدة للبلد والتي إن شاء الله تساعدنا في كلّ المجالات، من تأليف الحكومة الى حلّ مشكلات لبنان السياسية، الى موضوع النازحين».

الحريري والتأليف
الى ذلك وعلى جبهة التأليف وبعد مرور اكثر من شهرين على التكليف، حسَم الحريري امس موقفَه الرافض تأليفَ حكومة اكثرية، فقال: «أنا لست مع حكومة أكثرية»، مشيراً الى انه حصَل على 112 صوتاً من النواب لتسميته رئيساً للحكومة لكي يشكّل حكومة وفاق وطني، وأكّد «أنّ المشكلات التي تواجه تأليف الحكومة مفتعَلة من كل من يضع إعاقات في درب التأليف»، معتبراً «أنّ بعض المطالب محقّة. وأكد انّ «المعيار الوحيد هو معيار شراكة وطنية».

وفيما الجميع ينتظر انعقاد اللقاء المرتقب بينه وبين باسيل، قال الحريري: «لم يحصل فرصة للقاء باسيل، وأرى أنّ ايّ شيء فيه تواصُل نحن لسنا ضده».

أمّا مصادر تكتل «لبنان القوي» فقالت لـ«الجمهورية»: «عندما يطلب الحريري من باسيل اللقاء يلبّي». وشدّدت على انّ العلاقة بينهما «جيّدة»، وأنّ «الاتصالات قائمة».

وقالت مصادر وزارية مطّلعة على حركة الاتصالات التي كانت جارية بين القصر الجمهوري و«بيت الوسط» لـ«الجمهورية»: «إنّ تمسّك الحريري بحكومة وفاق وطني تلتقي مع رغبة ودعوة رئيس الجمهورية الذي شدّد ايضاً على الحفاظ على معيار واحد في التشكيلة الحكومية المنتظرة». واضافت: «أنّ حكومة من هذا النوع تلزِم السعي الى تشكيلة تعتمد معياراً واحداً لتتحقّق المساواة بين جميع الأطراف بعد ترجمة احجامها، ولا تُغلّب فريقاً على آخر».

«الحزب»

في هذا الوقت، قال «حزب الله» بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم إنّ «كلّ المبررات التي يسوقونها لتبرير تأخير التأليف هي مبررات غير مقنعة، لأنّ طبيعة الإشكالات لها علاقة بالمحاصصة والمغانم وليس لها علاقة بتمثيل الناس داخل الحكومة». وشدّد على «انّ الحكومة ليست مكافآت، بل هي تمثيل يجسّد نتائج الانتخابات، والنتائج معروفة، فضعوا قاعدةَ النتائج وليتمثّل كلٌّ بحسب نتائجه وعندها ننطلق في تأليف الحكومة من قاعدة موضوعية بدلاً من هذا التأخير الذي تفوح منه الأوامر الخليجية، التي تمنع تأليفَ حكومة تتوازن مع واقع لبنان ظنّاً منهم أنّهم قد يربحون بالسياسة ما خسروه في الحرب والانتخابات. وهنا نحن نُحمّل من يؤخر تأليفَ الحكومة مسؤولية التدهور الذي يحصل في الوضع الاقتصادي وفي كلّ الأزمات الموجودة في البلد».

«التيار» ـ «التقدمي»

مِن جهةٍ ثانية، تكهربَت الأجواء مجدداً ومِن دون سابق إنذار بين «التيار الوطني الحر» والحزب التقدمي الاشتراكي، وانطلقت حرب تغريدات بدأها رئيس الحزب وليد جنبلاط بالقول: «في العراق وبعد اسابيع من الاحتجاج اقيلَ وزير الطاقة الذي هدرَ 40 مليار دولار… والبنك الدولي ينصح لبنان بالتخلّي عن البوارج العثمانية وبناء معامل». وسأل: «أليست هذه فرصة ايضاً لإقالة الوزير الحالي ومعلّمِه لحلّ عقدة الوزارة والكهرباء معاً… وأرقام الهدر تتساوى تقريباً بين العراق ولبنان»؟

وردّ وزير الطاقة سيزار ابي خليل سريعاً على جنبلاط بتغريدة قال فيها: «فعلاً لمّا بدَّك تقلّل شِئمة ببَطِّل في شي عيب… إنّو يا بدنا نشتري منكن كهرباء من وحدات إنتاجية توضع على سنسول الكوجكو أو الهدر يلّي عملتوه من سنة 1990 لليوم، بكون مسؤوليتنا؟»

أبي خليل لـ«الجمهورية»

وقال ابي خليل لـ«الجمهورية»: «لا يحقّ لمن فشِل في إدارة 4 دوائر في كهرباء لبنان ان يعيّر سواه، ولا يحقّ لمن رفض كلّ الحلول المطروحة في مجلس الوزراء وعرقلَ المشاريع ان ينتقد سواه. نحيلكم الى تصريح الوزير اكرم شهيّب الشهير في 25 حزيران 2012 : «نحن في الحكومة لعرقلةِ مشاريع تكتّل التغيير والإصلاح».

«التقدمي»

من جهتها، اوضَحت مصادر «التقدمي» لـ«الجمهورية» أنّ جنبلاط «يتابع ملف الكهرباء منذ فترة طويلة، وهو يضغط باتجاه ايجاد الحلول اللازمة له، خصوصاً وأنه يستنزف ملايين الدولارات سنوياً من دون جدوى وبعد فشلِ كل المقترحات وسقوط المواعيد المتتالية لتزويد اللبنانيين الكهرباء 24 على 24 من حق جنبلاط الدعوة الى إقالة وزير الطاقة. فلماذا هذه الحساسية المفرطة لدى «التيار» في كلّ مرّة يُثار فيها ملف الكهرباء؟ أهيَ صفقات يا ترى؟».

من جهته، سأل مفوض الإعلام في «التقدمي» رامي الريّس في تغريدة: «قبل ان تنطلق جوقة الردود الخالية من أيّ مضمون إلّا الشتائم، وبعضها انطلق بالفعل، هل استعاد اللبنانيون الكهرباء مثلما وُعدوا بها منذ عشر سنوات؟ وهل لمسَ الرأي العام اللبناني شفافية في إدارة هذا الملف الذي تفوح منه رائحة الصفقات؟ ولماذا كفّت يد إدارة المناقصات؟».

النازحون والاتحاد الأوروبي

وفيما لا يزال الاتفاق الاميركي – الروسي حول النازحين السوريين يتفاعل، ويَبحث لبنان عن آليات عملية للتطبيق، اعتبَر الاتحاد الأوروبي أنّ عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، يجب أن تتمّ تحت راية المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وبموجب مقتضيات القانون الدولي، بحيث تتمّ مراعاة مبدأ الطوعية وعدم الترحيل القسري.

جاء هذا الموقف في تعليق أحدِ المتحدثين باسمِ الاتحاد على موضوع إعادة اللاجئين السوريين من لبنان برعاية روسيّة، والذي قال: «في ظلّ الظروف الحالية حيث انعدام الأمن، نرى أنّ شروط العودة الطوعية غير متوافرة».

وقال لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء: «إنّ بروكسل تراقب ما يجري في لبنان من عمليات إعادة للّاجئين سوريين. ونحتاج حالياً إلى ضمان الحماية المستمرّة لهؤلاء من مخاطر الإخلاء القسري وتحسين وضع إقامتهم القانوني». وأكد أنّ الاتحاد الأوروبي «يتفهّم مخاوف الدول التي استضافت اللاجئين السوريين على مدى سنوات»، مذكّراً «أنّ الدول والمؤسسات الأوروبية قد حشدت منذ 2011 مبلغ يصل إلى 10,8 مليارات يورو لمساعدة اللاجئين والمجموعات المضيفة لهم».

موقف بكركي

في هذا الوقت، صدر أوّل موقف لبكركي من الاتفاق الاميركي ـ الروسي، وقالت مصادرها لـ«الجمهورية»: «إننا نرحّب بهذا الاتفاق، وكنّا ننتظره منذ فترة لأنّ الحل للأزمة السورية ولأزمة النازحين هو في يد الدول الكبرى، ونتمنى أن تكون هناك جدّية في التطبيق لأنّ الوضع لم يعد يُحتمل». وأكدت أنّ «حلّ أزمة النزوح مطلب وطني، ونتمنى أن ينتج عن هذا الإتفاق عودة كاملة لأنه يجب على السوريين أن يعودوا الى وطنهم بكرامة، وهذا مطلبهم قبل أن يكون مطلبنا».

الحريري وسوريا

ومن جهةٍ ثانية قال الحريري في دردشة مع الصحافيين بعد اجتماع كتلة «المستقبل» أمس إنه لن يزور سوريا، قائلاً: «مِن المستحيل أن أزور سوريا، لا في وقتٍ قريب ولا في وقتٍ بعيد، حتى وإن انقلبَت كلّ المعادلات، وإذا اقتضَت مصلحة لبنان ذلك «فساعتها بتشوفولكم حدا تاني غيري». وكان الحريري قد انتقد إصرارَ البعض على تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وقال في «تغريدة»: «بعض السياسيين بلبنان راكضين يروحو عسوريا قبل النازحين… يا سبحان ألله، مدري ليش…»

المصدر: صحيفة الجمهورية