يبدو انّ الوعود التي أطلقت مطلع الجاري بتفعيل الجهود وصبّها في الاتجاه الذي يخرج الحكومة المعطلة من قمقم التعقيدات، كانت منتهية الصلاحية، فلم تعمّر حتى لدقائق قليلة، وبَدا انها أعجز من ان تخترق حلقة الشروط والمطالب لهذا الطرف او ذاك. بل بالعكس اكدت تصلّب أطراف التعطيل وعدم استعداد اي منهم للتنازل او التراجع، ويجري التمويه عن ذلك بتبادل كرة المسؤولية. وفي الطرف الآخر للصورة الداخلية، يبقى ملف النازحين عنواناً مطروحاً على نار حامية، في انتظار مبادرة الجانب الروسي الى تشكيل اللجنة المعنية بلبنان، فيما بدأت تسمع في المقلب الجنوبي قرقعة سيناريوهات حربية يعدّها الجيش الاسرائيلي ضد «حزب الله»، الذي سبق وأدخل عناصره في جهوزية دائمة تحسّباً لأيّ عدوان.
حكومياً، تعطّلت لغة التأليف بالكامل، لا كلام مباشراً بين الاطراف المعنية بهذا الملف، وخصوصاً بين شريكي التأليف رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. بل هناك كلام مسرّب من الصالونات السياسية القريبة يؤكد عدم تراجع اي طرف عن السقف الذي حدده في بداية مشوار التأليف. هذه الاجواء لا تبشّر بقرب انفراج حكومي، ويعزّز ذلك قفز بعض قوى التأليف فوق مبدأ التوازن التي تفرضه التركيبة اللبنانية، والاصرار على حصة وزارية تمسك بخناق الحكومة. وهو ما رفضه مرجع سياسي كبير بقوله: إن كنّا نريد تأليف حكومة، فلنحتكم الى توازن التركيبة اللبنانية التي لا يشعر فيها طرف بأنه غالب وطرف بأنه مغلوب، ومن هنا لا يمكن القبول بان يمسك ايّ طرف بالثلث المعطّل ليحكمها ويتحكم بها.

يتأيّد موقف المرجع المذكور من قبل تيار المستقبل وحركة امل و«حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي، وكذلك من القوات اللبنانية الذي اكد النائب جورج عدوان بأنّ المسألة ليست مسألة وزير بالزايد او وزير بالناقص، المسألة الأساس تبقى ضرورة احترام التوازن الداخلي.

في هذا الوقت، بَدا القصر الجمهوري في شبه إجازة، لا نشاط ولا حركة اتصالات، تبدو الامور متجهة الى مزيد من الجمود، مع استعداد الرئيس المكلف للسفر في اجازة خاصة يقال انها ستستمر لثلاثة ايام.

المفتي

وفيما عكست اجواء عين التينة انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ما زال يحاول فهم الاسباب الحقيقية للامعان في تعطيل تأليف الحكومة، وعدم المبادرة الجدية الى سلوك طريق نزع الالغام من طريقها، لفت موقف لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، دعا فيه الى «حكومة ثقة تؤسس لمرحلة جديدة»، مؤكداً انّ «الرئيس المكلف هو صاحب القرار والخيار في عملية التشكيل، بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وانّ التأخير في التأليف، لا يتحمّله الرئيس المكلف وحده». ولاحظ «انّ المناخ السائد في البلد متشنّج، لأنّ تشكيل الحكومة حتى الآن لا يزال بين أخذ ورد، ومشاورات ولقاءات، لإيجاد الصيغة الأمثل لولادة حكومة وطنية، لا حكومة أكثرية أو أقلية، بل حكومة ثقة تؤسس لمرحلة جديدة، في إطار النهوض بلبنان، وصون عروبته، من خلال دعم مؤسسات الدولة الرسمية واستنهاضها».

«الحزب»

في السياق ذاته، قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله إننا «ننتظر اليوم أن تحلّ العقد وتفرج بعض القوى السياسية عن تشكيل الحكومة بإقلاعها عن حسابات مناطقية أو فئوية أو تحاصص، ولا سيما أنّ البلد اليوم معطّل على كل المستويات». وإذ لفت الى تفاقم الأزمات على الصعيد المعيشي والاقتصادي والتعليمي ووضع الكهرباء والمياه في لبنان، والبلد يحتاج إلى حكومة، اكد انه لا يمكنه الاستمرار بالفراغ على مستوى السلطة التنفيذية، وإن كان هناك تصريف أعمال».

وأضاف «اذا استمر الفراغ على مستوى اتخاذ القرارات الأساسية المتعلقة بحياة الناس، فإنّ هذا الأمر سيفاقم هذه الأزمات في لبنان. وعليه، فإننا نحتاج إلى وقفة مسؤولة من كل القوى التي تعرقل أو تعطل أو تحاول أن تفرض شروطاً»، معتبراً أنّ كل ما يرتبط بمسألة التأخير والتخبط والاختلافات حول تشكيل الحكومة، مرتبط بعدم وجود معيار موحّد كان يفترض بالرئيس المكلّف أن يسير على أساسه. وطالبَ رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك التعجيل بتأليف الحكومة والخروج من الأنفاق الضيّقة وتحمّل المسؤولية.

النازحون

على صعيد ملف النازحين السوريين، أعلنت وزارة الدفاع الروسية استعداد الحكومة السورية لحل جميع المشاكل العالقة لتسهيل عودة اللاجئين إلى البلاد.

وأوضحت أنّ 5 مراكز جديدة لاستقبال اللاجئين السوريين ستفتتح في لبنان، وواحد في الأردن والبقية في سوريا. ولفتت الى أنّ الأمم المتحدة تتوقع عودة أكثر من 890 ألف لاجئ إلى سوريا خلال الأشهر القليلة المقبلة. وأكدت أنّ الجانب السوري سينتهي قريباً من تشكيل المقر التنسيقي لمساعدة عودة اللاجئين، ومن المقرر أن يعقد المركزان، في موسكو ودمشق، اجتماعات منظمة مشتركة عبر الأقمار الاصطناعية بدءاً من الأسبوع المقبل.

وفي السياق نفسه، قام المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بزيارة سريعة الى دمشق أمس، وجرى بحث تطورات ملف النازحين الموجودين في لبنان. وفهم من الاجواء انّ اللجنة التي اعلن الجانب الروسي انها ستتشكّل بالنسبة الى لبنان لم تتشكّل بعد، وفي انتظار ذلك، أبلغ ابراهيم المسؤولين السوريين أنّ الامن العام سيستمر بإعادة النازحين وفق الآلية التي حددها لهذه الغاية، وذلك حتى تشكيل اللجنة المذكورة.

تزامناً، رصدت حركة سفراء باتجاه المواقع الرسمية الحكومية والأمنية لاستكشاف الجديد في ملف تشكيل الحكومة، وكذلك تطورات برنامج عودة النازحين السوريين الذي اعلنت عنه روسيا.

وفي هذا الإطار التقى اللواء ابراهيم سفيرَي ارمينيا صاموئيل مكرتشيان وايطاليا ماسيمو ماروتي، اللذين توجّها بسيل من الأسئلة عن المراحل التي قطعتها عملية «العودة الطوعية» التي باشرها الأمن العام بالتنسيق مع المؤسسات الأممية المعنية والسلطات السورية.

وعلمت «الجمهورية» انّ الخطة الروسية لحظت إعادة 9500 نازح من ايطاليا واكثر من 20 الفاً من ارمينيا. وكان السفيران الفرنسي برونو فوشيه والألماني مارتن هوت الذي أنهى خدماته في بيروت، قد جالا في الأيام القليلة الماضية على عدد المسؤولين المعنيين في ضوء الخطة التي لحظت إعادة 10500 نازح من فرنسا و697 ألفاً من المانيا.

باخرة الزهراني

على صعيد آخر، تفاعلت أزمة «باخرة الكهرباء» في معمل الزهراني، في ظل اعتراض عليها من قبل حركة «امل» بتوجيه مباشر من قبل رئيسها الرئيس نبيه بري، وقد بدأته أمس ببيان هجومي عنيف على الباخرة «التي ظاهرها مجاني لثلاثة اشهر وباطنها كلفة باهظة لثلاث سنوات. وانها، اي الباخرة، ستعطّل إنشاء معمل كهربائي جديد في الزهراني يشكل فرصة واعدة للعمل وحلاً جذرياً لأزمة الكهرباء في لبنان والجنوب، فضلاً عن انه من الناحية التقنية، سيحول عدم تأهيل خطوط النقل، دون استفادة الجنوب سوى من 50 ميغاوات من اصل 220 تنتجها الباخرة. وبالتالي، فإنّ مقولة كهرباء 24 على 24 تصبح ساقطة». واللافت في بيان امل اقتراحها «تخصيص معمل الزهراني لتغذية الجنوب، وهو يفيض عن حاجته لكونه ينتج 450 ميغاوات، عندها ينعم اهل الجنوب بكهرباء على مدار الساعة ويوزّعون باقي إنتاج الفائض على المناطق الاخرى، ولا يعود هناك من حاجة للباخرة».

واستكمالاً للتصعيد في وجه الباخرة، ينفّذ ظهر اليوم اعتصام لوزراء ونواب كتلة الرئيس بري بالشراكة مع شخصيات وفعاليات جنوبية، وتحرّك اعتراضي في معمل الزهراني. وقال الوزير علي حسن خليل لـ«الجمهورية»: هناك عملية تشويه تجري، للتغطية على قطاع الكهرباء لتسويق البواخر في الجنوب وربطها بموضوع سوء التغذية. لن نقبل بذلك أبداً.

إسرائيل وسيناريوهات الحرب

وفي وقت يستعد «حزب الله» لإحياء «عيد الانتصار في 14 آب» في مهرجان كبير يتحدث فيه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، رفعت اسرائيل من وتيرة تصعيدها ضد الحزب، وتهديداتها بشن حرب عليه.

واللافت في الايام القليلة الماضية، تعمّد المستويات السياسية والعسكرية الاسرائيلية، إبراز الخطر الذي يشكّله الحزب على اسرائيل، بالتوازي مع الترويج لسيناريوهات حربية. في وقت نفّذ الجيش الاسرائيلي على مدى الفترة الماضية سلسلة مناورات عسكرية تُحاكي حرباً حتمية ضد «حزب الله»، كما تُحاكي الجبهة الداخلية في حال وقوع الحرب. ويتوازى ذلك مع ما كشفته الصحافة الاسرائيلية من خطة لتسليح الجيش الاسرائيلي هي الاكبر في تاريخه بتكلفة 30 مليار شيكل، والمهمة الاساس فيها حماية الجبهة الداخلية من الهجمات الصاروخية، سواء من قطاع غزة، او من الشمال وصواريخ «حزب الله».

وتوقف المراقبون عند الذي ذكرته القناة الاسرائيلية الثانية في الساعات الماضية من انّ «حزب الله» كشف عن سلاحه الجديد، والممثّل في طائرة من دون طيار، التي شاركت في الحرب الأهلية في سوريا. وبحسب المعلق العسكري للقناة، يارون شنايدر، فإنّ «حزب الله» نظّم معرضاً لأحدث أسلحته، من بينها صواريخ كتف ضد الطائرات من نوع «SA-7»، و«SA-14»، ومركبات، كما تمّ عرض طائرات غير مأهولة، واستعراض أدوات ومعدات عسكرية جديدة ساعدت الحزب في تحقيق أهدافه في المعارك الأهلية في سوريا.

ويأتي ما ذكرته القناة الاسرائيلية الثانية على مسافة ايام قليلة مما كشفته صحيفة هآرتس الاسرائيلية من انّ الجيش الاسرائيلي وضع سيناريوهات عدة متوقعة في حال اندلاع معركة شاملة مع ايران ودخول «حزب الله» على خط النار في جنوب لبنان. وتمّ عرض هذه السيناريوهات على المجلس الوزاري السياسي الامني المصغّر «الكابنيت»، مع ابعادها على الجبهة الداخلية، حيث قام ضبّاط من الجيش الاسرائيلي بعرض حسابات الأضرار المحتملة بالتفصيل، وذلك في حال اندلاع حرب قصيرة مع «حزب الله» تمتد لعشرة أيام، أو متوسطة تمتد لثلاثة أسابيع، أو طويلة تزيد عن شهر.

واشارت الصحيفة الى انّ الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، تقدّر انّ احتمال مبادرة «حزب الله» أو إيران إلى الحرب موجود لكنه لا يزال منخفضاً، ولكنّ المخاوف الأساسية تنبع من إمكانية تدهور الأوضاع نتيجة حادثة محلية في سوريا أو لبنان، إلى حرب، خلافاً لرغبة الأطراف. كما انّ التقديرات الاسرائيلية تشير الى أنّ «حزب الله» يمتلك ما بين 120 حتى 130 ألف صاروخ، غالبيتها قصيرة ومتوسطة المدى، حيث أنّ 90% منها يصل مداه إلى 45 كيلومتراً، ما يعني أنها تشكّل خطراً على الشمال حتى منطقة حيفا.

ونقلت صحيفة معاريف عن رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال عاموس جلعاد، قوله: إنّ مئات الآلاف من السكان سيضطرون للإجلاء في حال اندلاع حرب مع «حزب الله» اللبناني، وذلك حينما يُطلق الحزب مئات الصواريخ على الشمال الإسرائيلي. مضيفاً انّ الصواريخ التي حصل عليها «حزب الله» تمثّل خطراً حقيقياً على إسرائيل، ويمكنها الوصول إلى قلب تل أبيب.

المصدر: صحيفة الجمهورية