كوتا التأشيرات التي تعوّد تيار «المُستقبل» الفوز بها إلى موسم الحج «تُقضم» سنة تلو أخرى، مقابل «زودة» ملحوظة لحزب القوات اللبنانية. هذه السنة طالبَ الرئيس سعد الحريري بأكثر من 5000 تأشيرة وحصل على 3000 فقط… وفي الأسباب فتّش عن وليد البخاري!
كل شيء بالنسبة إلى الرياض خاضِع للسياسة، حتى موسم الحج. أنصَع الأمثلة على ذلك، تعاطي المملكة مع موضوع الحجّ والعمرة في كل موسَم. هي إما تستخدمه كإحدى وسائل الضغط كما حصَل مع قطر (إثر الأزمة الخليجية) وقبلها مع إيران. وإما للعِقاب، كما في حالة تيار المستقبل. منذ ثلاث سنوات يتحمّل جمهور الرئيس سعد الحريري عواقب إجراءات التضييق على زعيمه. فيُمنعون من أداء فريضة الحج، في مقابل زيادة حصّة المكونات السنية المناوئة له، وحتى حصة أطراف لبنانية أخرى (القوات اللبنانية على سبيل المثال لا الحصر).
قبيل ساعات من إقفال باب التأشيرات، تبيّن أن الكوتا التي وُعدَ بها الحريري أتت منقوصة، وذلك في مقابل حصول رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع على الحصة التي طلبها. المفارقة أن أحزاباً وتيارات لبنانية، بينها «المستقبل» ربما تجد نفسها قريباً تقف عند عتبة معراب بغية تحديد الكوتا الخاصة بها لمواسم الحج المقبلة!
أمس، جرى التداول بأخبار تتحدّث عن إعادة السفارة السعودية في بيروت الآلاف من جوازات السفر التي جاءتها من «بيت الوسط»، من دون «تفييز» (أي من دون فيزا). سارع المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة إلى نفي الأمر، مؤكداً أنه «عار من الصحة»، موضحاً أن «المملكة تكرمّت بتخصيص ثلاثة آلاف تأشيرة لمكتب الحريري، مُضافة إلى ألفي تأشيرة مُجاملة جرى الإعلان عنها في السفارة».
بعد التدقيق، يُمكن القول إن بيان المكتب «عار من الصحة». الأصح أنه كُتب على قاعدة «لا إله...». ما لم يشرحه البيان، هو أن الحريري كان قدّ تقدّم هذا العام بطلب أكثر من 5000 تأشيرة (منفصلة عن تأشيرات المجاملة التي تصل إلى جهات سياسية ودينية وأمنية). وقد حصل «الشيخ سعد» على ثلاثة آلاف منها، فيما حُجب أكثر من 2000 في آخر لحظة. ما يؤكّد هذا الأمر هو تسجيل صوتي للأمين العام للتيار أحمد الحريري مُرسل لأحد شيوخ دار الفتوى. يقول فيه تعليقاً على موضوع التأشيرات «مولانا. نحنا كارثة السنة (2018). لقد جمعنا الباسبورات. لكنهم اتصلوا وقالوا لنا أنه لم يعُد لنا تأشيرات مُجاملة. هذه مشكلة (عويصة). عملوا معنا هيك ومع دار الفتوى. نحنا عم نرجع الباسبورات للعالم صراحة). كلام الأمين العام (أحمد الحريري) يدحض بيان المكتب الإعلامي لرئيس التيار (سعد الحريري)، الذي أكد أن «هناك ألفي تأشيرة مجاملة مضافة من قِبل السفارة السعودية».
يدحضه أيضاً تعمد السفارة السعودية في لبنان تسريب معلومة عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال مفادها أن ألفي تأشيرة مجاملة أعطتها السفارة «عبر المسار الإلكتروني الذي يضمن تقديم خدمات متميزة لضيوف الرحمن لأداء مناسك الحج هذا العام».
الألفا تأشيرة صُودرت من قبل المكتب الإعلامي للحريري. صار الأمر سياسياً. السعودية تدلّل الحلفاء، وتحديداً جعجع بجعله ممراً أساسياً إلى مكة المكرمة، فيما تتعاطى باستخفاف واضح مع «ابنها الافتراضي» (الحريري). وتُعيد مصادر البعثة اللبنانية المطلعة على ملف تأشيرات الحج، أسباب حجب جزء من كوتا الحريري إلى سببين أساسيين. الأول، هو «تقرير رفعه القائم بالأعمال في السفارة السعودية وليد البخاري إلى أصحاب الشأن في المملكة. التقرير يفيد بأن تأشيرات المجاملة التي تمنحها السفارة لبعض الأطراف، وتحديداً تيار المستقبل ودار الفتوى تباع في السوق مقابل مبلغ لا يقل عن ألف دولار ويصل أحياناً إلى حوالي الألفي دولار وربما أكثر. وقد تبلغ «المستقبل» ودار الفتوى من السعوديين رسالة بأن «المملكة سوف تستمر في تقديم تأشيرات المُجاملة على أن تكون مدفوعة مقابل مبلغ نحو 2000 دولار عن كل تأشيرة»، لكنهما رفضا ذلك، وقررا غض النظر عن الباسبورات التي لم «تفيز».
أما السبب الآخر، فتربطه المصادر بالإشارات السعودية الموجهة إلى الحريري، سلباً أو إيجاباً. موضوع التأشيرات أحد هذه الإشارات التي يستثمرها حلفاء السعودية على شكل خدمات إلى جمهورهم.
في هذا السياق، علم أن القوات اللبنانية كانت قد تقدمت بطلب 400 تأشيرة، نالت منها ما يزيد على 300. وكشفت مصادر في تيار المُستقبل أن الأخير لجأ إلى القوات للحصول على عدد من التأشيرات! فيما لفتت مصادر في هيئة الحج أن «الكوتا الرسمية للشيعة والتي تقدر سنوياً ما بين 1700 و2000 تأشيرة تمّ تأمينها بشكل اعتيادي». أما في ما خص تأشيرات المجاملة «فعادة لا تُحسب ولا نعرف عددها لأنها تختلف بين عامٍ وآخر». في المقابل لم تحدّد مصادر دار الفتوى عدد التأشيرات التي حصلت عليها «فهي لا تحصل على كوتا ثابتة بل هي تتغير سنوياً».
وكان البخاري قد أعلن، أول من أمس، أن سفارة السعودية، منحت هذه السنة «أكثر من 15 ألف تأشيرة، منها 5500 تأشيرة خاصة بحجاج البعثة اللبنانية، و1500 تأشيرة للفلسطينيين، و5500 تأشيرة للسوريين، إضافة إلى تأشيرات تقدم للبعثات الديبلوماسية المعتمدة في لبنان، وحتى هذه الساعة، بلغ عدد التأشيرات التي منحت بحدود 15 ألف تأشيرة».
استدراك سعودي: 3000 تأشيرة
تردد أنه في ضوء الضجة التي تسبّب فيها القرار السعودي بحجب جزء من التأشيرات عن الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، جرت مداخلات على خط الرياض ــــ بيروت، وتوّجت بعد ظهر أمس بإعادة فتح الباب أمام منح حوالى 3000 تأشيرة جديدة إلى موسم الحج، في الساعات المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار أن المافيا التي كانت تبيع التأشيرات لها إمتداد في السفارة السعودية من خلال أحد القناصل الذي كان يشترط الحصول على مبلغ لا يقل عن ألف دولار مقابل التأشيرة!