بعدما أَعلن عن زيارتَين إلى كل من طهران وأنقرة، يزور حيدر العبادي الأخيرة دون الأولى، بعدما بدا أن إيران غير مُرحِّبة به. موقف فسّره البعض على أنه ردّ على موقف العبادي إزاء العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية. وأياً تكن خلفية ذلك، إلا أن حراك العبادي لا يمكن عزله عن السياق السياسي في بلاد الرافدين، والذي تشكل هوية رئيس الوزراء المقبل عنوانه الرئيس راهناً

 

حراك دبلوماسي غير مفهوم يقوده رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. زيارة إلى العاصمة التركية أنقرة، وعزم على زيارة العاصمة الإيرانية طهران. الزيارة الأولى حُدّد موعدها غداً الثلاثاء، أما الثانية فقد ألغيت لـ«عدم تكامل استعدادات الزيارة، وزحمة جدوله»، وفق ما نقلته وكالة «فرانس برس» عن مسؤول عراقي رفض الكشف عن اسمه، مشيراً إلى أن «العبادي سيبحث قضايا اقتصادية مع الحليف الاقتصادي الذي يتعرّض لعقوبات أميركية جديدة». الساعات الماضية حملت «سخونة» في التصريحات المتبادلة بين طهران وبغداد. الأخيرة أعلنت أن العبادي سيزور العاصمتين التركية والإيرانية، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، نفى علمه بذلك، مؤكداً أن بلاده «ليست لديها معلومات عن زيارة مماثلة». نفي سرعان ما عادت بغداد على إثره لـ«توضح» أن الزيارة المرتقبة ستقتصر فقط على أنقرة. 

تحرك العبادي تجاه الجارين له دلالاته ومقدماته المرتبطة بالمشهد السياسي المعقد في بلاد الرافدين. وفق معلومات «الأخبار»، ثمة إجماع إقليمي ــ دولي على أن تشكيل الحكومة المقبلة، من تسمية رئيسها حتى توزيع حقائبها الوزارية، مسألة «تحتمل التأجيل»؛ فـ«لا واشنطن ولا طهران، ولا العواصم الدائرة في فلكيهما، حاضرة لإنجاز هذا الاستحقاق»، بتعبير مصدر دبلوماسي مطلع. يدرك المسؤولون الأتراك والإيرانيون أن الزيارة «شكلية»؛ فالرجل على رأس حكومة تصريف أعمال، وعليه فإن أي نقاش أو توقيع اتفاق سيكون بمثابة «حبر على ورق».
قبل شهر تقريباً، ومع اندلاع الحراك المندّد بسوء الواقع المعيشي والخدمي في المحافظات الجنوبية، أخبر عدد من قادة «حزب الدعوة الإسلامي» الفاعلين على خطّي النجف وطهران، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، أن إمكان نيله ولاية ثانية بات ضعيفاً. قال له أحدهم إن الظرف السياسي «لا يدعو إلى بقائكم في منصبكم لسنوات أربع أُخر». حينها، أدرك العبادي أن النقمة الشعبية تَرجمت ــ بشكل أو بآخر ــ السخط المتراكم للمرجعية الدينية (آية الله علي السيستاني) على أداء حكومته والحكومات السابقة، وهو الذي يعرف جيداً أن طهران لا يمكن أن تسير بخيار لا ترضاه النجف. إدراك العبادي هذا لم يكن مفاجئاً بالنسبة إليه، إذ إنه يعلم أن لحظة سطوع نجمه في آب/ أغسطس 2014 جاءت نتيجة رفض «المرجعية» التمديد لسلفه نوري المالكي.


منتصف تموز/ يوليو الماضي، طلب العبادي - وفقاً لمعلومات «الأخبار» - موعداً لزيارة العاصمة الإيرانية، لكن المعنيين في طهران رفضوا استقباله، لجملة من الأسباب:
- أوّلاً: توقيتها السيّئ، والمتزامن مع اشتعال المحافظات الجنوبية بالتظاهرات الشعبية من جهة، والجدل حول الانتخابات التشريعية التي لم تكن نتائجها قد حُسِمت بعد من جهة ثانية.
-ثانياً، الحرج الايراني من زيارة قد تُفسرّ على أنها تنسيق لمنح العبادي ولاية ثانية، بأسلوب يتعارض مع «السياقات الكلاسيكية». 
- ثالثاً، طبيعة منصب العبادي بوصفه رئيس حكومة تصريف أعمال، وما تستشعره طهران والحال هذه من أن مستقبل الضيف بات مجهولاً فعلاً.
تبريرات لم يستسغها العبادي، الذي ظلّ يحاول بشتى الطرق التمسك بـ«حبل النجاة»، وإثبات حضور أمام الشارع الهائج، وهو ما دفعه في وقت من الأوقات إلى تكليف وزيرَي الكهرباء والتخطيط بالتوجه إلى السعودية لتوقيع مذكرة تعاون في مجال الطاقة، قبل أن يُعلَن تأجيل الزيارة حتى إشعارٍ آخر. ومع دخول العقوبات الأميركية على إيران حيّز التنفيذ، أدلى العبادي بتصريحه الشهير الأسبوع الماضي، والذي أعلن فيه الالتزام بتلك العقوبات. بدا ذلك ردّاً على «الجفاء» الإيراني، ومحاولة من قبل رئيس الوزراء لإعادة الاعتبار لنفسه، والتأكيد أنه ما زال مرشحاً من البوابة الغربية. «نتعاطف مع طهران، ولكن سنلتزم بالعقوبات، حفاظاً على المصلحة العليا للبلاد». موقف كان كفيلاً بتوتير العلاقة بين العبادي وطهران، رغم رفض الأخيرة الردّ بأي تصريحٍ من شأنه تعزيز الشرخ، إلا أن ما خرج به ممثل المرشد الإيراني في العراق، مجتبى الحسيني، أمس، يترجم حجم «الصدمة» من موقف العبادي، إذ وصف تصريحاته بـ«اللامسؤولة»، معتبراً أنها «لا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرّفة للجمهورية الإسلامية التي قدمت للدفاع عن العراق، وتطهير أرضه من داعش». وقال في بيان له إن «العبادي يعبّر عن انهزامه تجاه أميركا». 
حتى اللحظة، يبدو العبادي أكثر المتضررين. خسر الاحتضان الإيراني، وأظهر شرخاً في الرؤى بين الأجهزة الرسمية، التي سارعت إلى «توضيح» موقف رئيس الوزراء، فضلاً عن أن قوى «البيت الشيعي» المحسوبة على طهران أخرجته بدورها من خياراتها لمنصب يأمل الرجل الحفاظ عليه. أما أميركياً، وإن راهن العبادي على أنه «الخيار الأنسب» لواشنطن، إلا أن الإدارة الأميركية ــ في الوقت الحالي ــ «لا يعنيها الشخص، بقدر ما يعنيها تقاطع المصالح، والحفاظ على قواعد الاشتباك الحالي بين طهران وواشنطن في العراق بالدرجة الأولى، والعملية السياسية بالدرجة الثانية»، وفق مصادر دبلوماسية تؤكد أن الإدارة الأميركية لن تدخل في لعبة التسمية، بل «ستقبل بخيار العراقيين، شرط الالتزام بقواعد الاشتباك تلك». وما بين واشنطن وطهران، وتصارع مشروعَيهما في العراق، ثمة في النجف من يُعتبر قادراً على حسم الوجهة النهائية، ولذا يظهر الجميع داخل الإدارتين في انتظاره.



مقتل 6 من «داعش» في نينوى
شنّت القوات العراقية، أمس، عملية عسكرية عند الحدود الإدارية لمحافظتَي نينوى وصلاح الدين شمالي البلاد، أسفرت عن مقتل ستة من تنظيم «داعش»، بحسب «قيادة عمليات نينوى»، التي أشارت في بيان إلى أن «القوّات شنّت فجراً عملية عسكرية على حويجة قرية المرير، ضمن ناحية القيارة جنوبي الموصل (مركز محافظة نينوى)»، مضيفة أن «العملية أسفرت عن مقتل ستة من عناصر داعش، خلال العملية العسكرية، التي كانت بإسناد طيران الجيش العراقي». وأضاف البيان أن «القوة دمرت أيضاً أربع مضافات (مراكز تجمع) للإرهابيين، وأحرقت مساحات شاسعة فيها»، موضحاً أن «القوة استخدمت زوارق نهرية لتنفيذ العملية في المنطقة المستهدفة، والتي هي عبارة عن جزر تتوسط نهر دجلة وتُقدَّر مساحتها بـ7 كيلومترات مربعة، وهي امتدادٌ بين الحدود الإدارية لمحافظتَي نينوى وصلاح الدين».

المصدر: نور أيوب - الاخبار