إذا كانت من مصلحة إيران والسعودية التريث في تأليف الحكومة، وإذا كانت مصالح الأفرقاء السياسيين التمهل لتحصيل المكاسب، فما مصلحة رئيس الجمهورية في عدم المبادرة؟

 

حين يكون نصف مسؤولي لبنان، إن لم يكن معظمهم، خارج لبنان يمضون عطلتهم الصيفية، وحين يدخل البلد في عطل رسمية لا تنتهي، هل يعود الكلام مجدياً عن الحكومة المعطلة والوضع الاقتصادي أو بالأحرى التدهور الاقتصادي؟

بعد شهرين، يدخل العهد عامه الثالث، ولعل الإنجاز الوحيد الذي تحقق، على مدى سنتين، إجراء انتخابات نيابية بفعل ضغط المجتمع الدولي. يمكن الذين يريدون تسويق الإنجازات أن يعددوا لائحة طويلة. لكن العهد يواجه استحقاقاً أساسياً يحاول حتى الآن القفز فوق سلبياته، وهو الفراغ الحكومي المتمادي واحتمال بقائه إلى ما بعد ذكرى تولي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سدة الرئاسة الأولى، وسط سؤال تطرحه أوساط سياسية: لماذا يتفرج رئيس الجمهورية على ما يجري من دون اتخاذ أي مبادرة؟
كان يمكن عون أن يتفرج على المناورات الحكومية لو كان لا يزال في المعارضة وليس في الحكم، وكان يمكنه أن يتفرج ويكتفي باستقبالات شعبية لو كان لا يزال نائباً ورئيس كتلة وزارية ونيابية كبيرة.


لو لم يكن هو رئيس الجمهورية «القوي» الذي تعهد بحكومة أولى في عهده تفي بالوعود التي قطعها للبنانيين في خطاب القسم، لكان يمكن غضّ النظر عن أسباب تعمُّد عون البقاء متفرجاً، على الوضع الحكومي الذي يراوح مكانه.
لكن عون بالمسيرة التي قطعها للوصول إلى بعبدا، وبالوعود التي أطلقها ، يبدو وكأنه استنزف نفسه والعهد، فلا يقدم على أي خطوة استثنائية تحرك المياه الراكدة وتدفع في اتجاه التعجيل بالتأليف.
المبادرة العملية الوحيدة التي قام بها عون اقتصرت على سلسلة لقاءات متتالية مع قيادات سياسية معنية لم تسفر في نهاية الأمر عن أي جديد، ما خلا إحالة هؤلاء المعنيين على وزير الخارجية جبران باسيل للتنسيق معه. 
أما المبادرة الثانية، فجاءت سلبياتها أكثر من إيجابياتها، حين أطلق عون مواقف صحافية متتالية لم تسفر إلا عن تعميق الأزمة وتلتها تسريبات رئاسية عن خطوات تصعيدية ينوي القيام بها لدفع الرئيس المكلف إلى التأليف. وفي الحالتين، لم يقدم رئيس الجمهورية على ما من شأنه فكّ الحصار عن التشكيلة الحكومية.
لكن فترة الانتظار لم تمرّ من دون سلبيات بدأت تؤثر بالوضع الداخلي:
ففي أسابيع المماحكات الحكومية تدهورت العلاقات الداخلية، وعلى مذبح التأليف انفكّ عقد المصالحة المسيحية وسقطت ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية. ومن أجل فرض شروط تعجيزية وإخضاع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، اشتعلت حرب الجبل كلامياً بين التيار الوطني والحزب التقدمي، وأُعيد نبش قبور الحرب وأوساخها، دون أن تُعرَف بعد الأسباب الحقيقية وراء تعمُّد عون التصويب على جنبلاط الذي سبق أن سلفه التصويت لانتخابه رئيساً للجمهورية، إذا افترضنا أن أسباب استهداف القوات اللبنانية معروفة لأسباب تتعلق بمعركة رئاسة الجمهورية المقبلة.
وفي انتظار انتهاء المشاورات الحكومية، تدهور وضع الكهرباء، وتزايدت الضغوط على الوضع الاقتصادي والمالي مهما حاول مسؤولون ماليون ومصرفيون نفي ذلك، وهناك مؤسسات ومصالح اقتصادية وتجارية مهددة بالإقفال. 
وفي أسابيع المشاورات الحكومية، زادت الأزمات داخل فريق رئيس الجمهورية نفسه على خلفية التوريث والتوزير والمرشحين من جانب هذا الطرف أو ذاك من محيط الرئيس خصوصاً أن ندوب الانتخابات النيابية لم تلتئم بعد. 
هذا كله محلياً، فضلاً عن التطورات على أكثر من جبهة إقليمية عسكرياً وسياسياً ومالياً.


كل ذلك يضع رئيس الجمهورية في موقع حساس. هل يتحمل الوضع الداخلي مزيداً من الضغوط لتشكيل الحكومة، وإذا كان التطور الدولي المتمثل بالعلاقة الإيرانية الأميركية في تشرين الثاني المقبل هو الذي سيحكم مستقبل ولادة الحكومة، فهل يقف عون منتظراً من دون أي مبادرة؟ ومن الذي يقدر على أن يضبط الخلافات الداخلية التي انفجرت خلال الأسابيع الماضية؟ 
الأكيد أن عون الذي لا يستسيغ فكرة طاولة الحوار ولا يحبذ أصلاً الحكم الجماعي، لا هو ولا فريقه، لن يقدم على أي خطوة من هذا النوع لإعادة وصل ما انقطع بين القوى السياسية على خلفية الحكومة. في مثل هذه الأحوال، يحتاج البلد إلى حكومة تتولى عادة ضبط هذه المسائل. ووجود رئيس الجمهورية يفترض أن يسهل ذلك، الأمر الذي يعيدنا إلى السؤال: لماذا لا يقدم عون على خطوة عملية في اتجاه التأليف؟
المسؤولية تقف أولاً وآخراً عند رئاسة الجمهورية، فرئيس الحكومة المكلف يتنصل من عقدتي جنبلاط والقوات اللبنانية ويرميهما في ملعب التيار والعهد، وفي الحد الأقصى يرمي المسؤولية على الرياض. لكن عون لا يمكن أن يضع المسؤولية على أي طرف خارجي حليف أو خصم، ولا يمكن أن يفسر هذا التأخير برمي الكرة في ملعب التيار والحريري والقوات وجنبلاط. في نهاية المطاف، عون هو الذي يتحدث عن صلاحية التوقيع وعن تمسكه باستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية. هذا وحده كافٍ كي يكون رأس حربة في الدفع لتأليف الحكومة لأن أهمية الصلاحيات تكمن أيضاً في ترجمتها عملياً لمصلحة تسيير عجلة الدولة، وإلا كانت الصلاحيات مجرد حبر على ورق.

المصدر: هيام القصيفي - الاخبار