يتحدث خصوم الوزير جبران باسيل عن خطته نحو الرئاسة منذ ما قبل الانتخابات النيابية، وحتى تشكيل الحكومة. هل ينجح باسيل في ضبط إيقاع التشكيلة الحكومية على قياس خطته؟ وماذا سيفعل المعترضون
يستأنف الرئيس المكلف سعد الحريري بدءاً من اليوم اجتماعاته مع القوى السياسية الأساسية، في محاولة جديدة لحسم الأحجام وتوزيع الحقائب، على أن يرفع قريباً تشكيلة حكومية إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تتضمن توزيعاً للحقائب والحصص طائفياً وسياسياً مع الأعداد من دون الأسماء، فإذا وافق عون عليها، ينتقل البحث إلى المرحلة الثانية، أي اختيار كل قوة سياسية أسماء وزرائها.
وفي انتظار موافقة عون على التشكيلة الحريرية المرتقبة، وهي مستبعدة، لا يزال الجو السياسي الذي نشأ من المفاوضات الحكومية والسجالات حولها ضبابياً، ويطرح علامات استفهام حول عناصر الثقة التي باتت مفقودة بين أطراف التفاوض. فكيف يمكن للقوى السياسية التي تريد حقوقها الحكومية، أن تتقدم في التفاوض، طالما أن التيار الوطني الحر لا يتحدث مع القوات اللبنانية ولا مع الحزب التقدمي الاشتراكي، وهو الطرف الأساسي الذي يتحفظ على حصصهما. ولا رئيس الجمهورية يدخل مباشرة على خط التأليف مع هاتين القوتين، لا بل يحيل المراجعين إلى رئيس الحكومة المكلف، وكيف يمكن التقدم في الشأن الحكومي، طالما أن كرة الاعتراض على دور وزير الخارجية في التأليف واتهامه بأنه وراء المراوحة، مستمرة في التدحرج، وصولاً إلى الكلام عن أنه يستخدم الحكومة تمهيداً لمعركة الرئاسة. حتى أن القوى السياسية تنكفئ عن الحديث عن التأليف إلا من زاوية دوره وتحضيره لمعركة رئاسة الجمهورية.
قد يكون رئيس الجمهورية ساهم بكلامه عن تقدم باسيل في السبق الرئاسي عمداً أو عن غير قصد، في هذا الأمر. لكن واقع الحال أيضاً أن خصوم باسيل ساهموا أيضاً عن قصد أو عن غير قصد، في تحويل المعركة من نقاش حول موقعهم السياسي والحقائب التي يريدونها، إلى معركة حول دور رئيس التيار الوطني الحر وطموحه السياسي ـــ الرئاسي. وكلما زاد هؤلاء في استهدافه، ينقل عن باسيل أنه يرتاح إلى موقعه ودوره، خصوصاً أنهم لا يملكون أي خطة واضحة لمواجهته، علماً أنه لا يتصرف منفرداً في هذه المعركة، بل بغطاء كامل من رئيس الجمهورية. في حين يعبر بحسب معلومات خصومه عن انزعاج كامل من الحملة عليه مستخدماً إياها لرص صفوفه داخل التيار الحر باعتبار أنها موجّهة ضد العهد وليست ضده، الأمر الذي يمنعه من التراجع، حتى لا يفسر ذلك أنه نوع من الانكسار للعهد.
خصوم باسيل، ليسوا فقط منافسيه المسيحيين أي القوات اللبنانية وتيار المردة. هناك الحزب التقدمي الاشتراكي وهناك فريق في تيار المستقبل وحتى من المحيطين بالرئيس المكلف سعد الحريري غير راضين عن تفاهمه معه. هذان الفريقان يقولان كلاماً كثيراً ومفصلاً، لأنهما باتا ينظران إلى دور باسيل الحالي في التأليف، على أنه من ضمن سياق خطة بدأ بها قبل الانتخابات النيابية. فماذا تقول معطيات هؤلاء؟
كانت الانتخابات النيابية بالنسبة إلى الحريري وباسيل تهدف إلى تأمين قاعدة نيابية عددية، تجعل من الحليفين، قوة برلمانية قادرة على الاستغناء عن أي حليف آخر. لكن النتائج قلبت الطاولة عليهما. لا الحريري تمكن من تأمين ما وعده به نادر الحريري، ولا باسيل تمكن منفرداً من الفوز بكتلة نيابية صافية. وتالياً لم يعد الطموح النيابي للحريري وباسيل كافياً لاستكمال ما باشرا به قبل التسوية الرئاسية وبعدها. بعد استيعاب نتائج الانتخابات، انتقل الطرفان إلى المرحلة الثانية، مع مفاوضات التشكيل الحكومية. لكن الحريري، بفعل النتائج النيابية المخيبة للآمال، وبعد إبعاد نادر الحريري، أراد تدوير الزوايا مع السعودية. وما كان يريد أن يبرهنه لها من أنه مضطر إلى التحالف مع الفريق الأقوى مسيحياً وسياسياً، أي التيار الوطني ورئيس الجمهورية، لم يعد قادراً على تسويقه. وجاءت النتائج لتعزز رؤية السعودية حول توازن سياسي لا يزال قائماً في لبنان، سواء مسيحياً لجهة النتائج المتقدمة التي حققتها القوات اللبنانية أم درزياً لجهة نتائج الحزب التقدمي الاشتراكي.
وإذا كان الحريري رضخ بفعل الضغوط السعودية، إلا أنه أراد أيضاً في المقابل الحفاظ على الرابط الذي يجمعه بالعهد، من خلال الاستمرار في المراوحة، فلا يكسر الجرة معه أو مع «القوات» و «الاشتراكي»، بل أعاد وصل ما انقطع معهما، بوتيرة متسارعة، ولكن مضبوطة الإيقاع. فلا يعطيهما من كيسه، بل يحفظ معهما «خط الرجعة» فحسب.
باسيل من جهته، فعل العكس. لم يأخذ بنتائج الانتخابات النيابية، على رغم أنها برهنت له فعلياً، داخل صفوف التيار أن أمراً ما تغير في التصويت الشعبي. بالنسبة إلى خصوم باسيل، هو قفز فوق النتائج، واستمر في محاولته استثمار ما زرعه، لتحصيل حصة وزارية صافية، تضيف إلى رصيده النيابي، وتجعل منه مرشحاً أول لرئاسة الجمهورية. على طريق طموحه الرئاسي، يحقق باسيل نقطتين: الأولى، داخلية في التيار إذ يعمد إلى تقليص نفوذ خصومه وفريق رئيس الجمهورية العائلي والحزبي تدريجاً وإبعادهم عن مراكز القرار الحكومي، كما فعل نيابياً، مستفيداً من غطاء بلا حدود من رئيس الجمهورية.
النقطة الثانية، هي استكمال تطويق خصومه المسيحيين، سواء القوات اللبنانية والمعركة بينهما لا تحتاج إلى كثير من الشروحات، وحزب الكتائب، وتيار المردة. بالنسبة إلى من يتابع مفاوضات التأليف، فإن انكفاء تيار المردة عن خوض مواجهة مفتوحة ومباشرة مع باسيل، يبدو واضحاً بقوة، وسط كلام عن أن باسيل يعرف تماماً أن طرفين أساسيين يؤثران في موضوع المردة هما سوريا وحزب الله، وكلاهما اليوم ليس في موقع تقديم تيار المردة على التيار الوطني الحر أو على العهد.
على المقلب الآخر، لا يمكن إعطاء زيارة باسيل إلى عين التينة أكثر من حجمها، فالطرفان يعرفان حدودها، كما يعرف بري طموح رئيس التيار الحر لتطويقه، كما أراد تطويق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. من دون أن يمنع ذلك باسيل من الاعتقاد أن جنبلاط مضطر إلى التصرف بواقعية، حين تضطره الوقائع السياسية، كما أن طريق بري تمر حكماً بحزب الله، وهذا يجعله أكثر اطمئناناً إلى أن ما يرسمه قابل للتحقيق.
هذا المشهد الذي يقدمه أفرقاء أسياسيون من اتجاهات مختلفة، يتعزز في رأيهم، في مفاوضات تشكيل الحكومة، من خلال حصة أساسية لا لبس فيها، لأنها ستكون المعبر الأساسي إلى مرحلة يتركز فيها دور باسيل «الآمر الناهي» في الجمهورية.
السؤال، ليس في ما يخطط له باسيل، بل ماذا ستفعل هذه القوى لمواجهة ما تعتبره خطة رئيس التيار الوطني الحر الرئاسية؟ وإلى أي حد يمكن لها مواجهة العهد، ما دامت المعركة حتى الآن تخاض بالقفازات؟ وكيف ستتصرف إذا أصبح لباسيل قوة حكومية صافية، تجعله مرتاحاً في إدارته معركته المبكرة؟. حتى الآن لا تزال الأجوبة مبهمة، لأن قدرة التعطيل لا تزال تقف فقط عند حدود الحكومة. أما حين تتشكل فحينها يصبح للكلام عن مرحلة باسيل الرئاسية، له أبعاد أخرى.