مع بدء شهر رابع لموسم التأليف، لم يغادر الخطاب السياسي مربع تنصل معظم الأطراف من أية مسؤولية في ما يتصل بتأخير ولادة الحكومة الجديدة، خصوصاً أن الرأي العام اللبناني لا يبدو مهتماً لأمر الحكومة والحكام، بقدر ما يبدي اهتماماً لقضاياه الاجتماعية والمعيشية التي لا يضعها المسؤولون في حسبانهم
بينما كان ينتظر أن تؤدي عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت واستئنافه مشاوراته، إلى تزخيم ملف تأليف الحكومة، حذر الرئيس المكلف من أنه «في حال لم تُشكل الحكومة قريباً سأسمي المعرقلين بأسمائهم»، وكشف في دردشة مع الصحافيين، قبيل ترؤسه اجتماع كتلته النيابية، أمس، أنه اتصل برئيس الجمهورية العماد ميشال عون واتفقا على قيامه باتصالات، على أن يزوره خلال الأيام المقبلة. وأشار إلى أنه «سيلتقي عدداً من الفرقاء السياسيين على أمل أن يتبلور شيء خلال يومين أو ثلاثة»، وهو مهد لذلك باستقبال وزير الإعلام ملحم رياشي، أول من أمس، وبالتواصل مع الرئيس نبيه بري عبر معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل ومع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، فضلاً عن تواصله الدائم مع قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي.
وكانت لافتة للانتباه، مبادرة الحريري، إلى استقبال الرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، في دارته، بناء على دعوة منه، فيما تغيب الرئيس تمام سلام بداعي السفر. خطوة اجتماع الحريري برؤساء الحكومات السابقين، وضعها في خانة «التشاور»، وتحديداً في الخيارات المتاحة أمامه، خصوصاً في ضوء المطالعة التي وضعها وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي بطلب من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي نقلت عنه صحيفة «الشرق الأوسط» قوله، أول من أمس، إن فترة 5 إلى 6 أشهر لتأليف الحكومة «قد تكون مقبولة لكن ليس أكثر». ما يعني أن 3 أشهر أو أقل متبقية أمام الرئيس المكلف للتأليف، كما جاء في مقدمة النشرة الإخبارية لمحطة «أو تي في» ليل أمس.
إلى ذلك، توقف المراقبون عند بيان كتلة المستقبل، لجهة استخدامه مفردات غير مسبوقة منذ إبرام التسوية الرئاسية قبل عامين، مثل الدعوة «إلى الكف عن أساليب تخريب العلاقات الرئاسية»، فضلاً عن التأكيد أن تعاون عون والحريري «لم يكن نزهة سياسية، تنتهي بانتهاء هذا الاستحقاق أو ذاك»، كما استجابت الكتلة لمطالبة الإمارات بمهاجمة زيارة الوفد الحوثي إلى بيروت. زيارة أدرجتها الكتلة في «خانة الخروج على التوافق الوطني وتهديد المصالح المباشرة للبنان واللبنانيين». ولم تمض ساعات قليلة حتى كان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، يشيد بموقف كتلة المستقبل «الإيجابي والمسؤول»، مطالباً كافة الأحزاب والقيادات اللبنانية «بتأكيد هذا الموقف»!
وفي رد قاس على مطالعة وزير العدل سليم جريصاتي الأخيرة، قال الحريري: «لا أحد يحدد لي مهلة (للتأليف)، إلا الدستور اللبناني ولا تعنيني مطالعات دستورية يقدمها هذا الوزير أو ذاك وأنا الرئيس المكلف وسأبقى مكلفاً وأشكل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية ونقطة على السطر».
وعن موقف حزب الله من محكمة العدل الدولية، قال الحريري: «موقف حزب الله من المحكمة واضح والكلام ليس جديداً»، وأضاف: «أنا ما يهمني هو استقرار البلد والعدالة ستتحقق».
وفي ملف النازحين السوريين، قال الحريري: «لم نقفل أبواباً على سوريا وفتحنا أبوابنا للاجئين ومن هم مع النظام كانوا يسافرون من مطاراتنا ومؤسف ما يحصل من الطرف الآخر». وأضاف: «نسّقت مع باسيل قبل وبعد سفره إلى روسيا وننسق مع الروس بملف النازحين، وكلنا نريد عودة النازحين ولكن بإرادتهم وبمساعدات دولية، والنقاش بهذا الأمر لا يتم بفتح حوار مع النظام (السوري)».
المستقبل: التسوية ليست نزهة
وبعد اجتماعها برئاسة الحريري، في وادي أبو جميل، ردت كتلة المستقبل على مطالعة جريصاتي «التي أفتت باعتذار الرئيس المكلف عن تأليف الحكومة، أو تكليف مجلس النواب باتخاذ قرار في هذا الاتجاه»، فأطلقت تحذيراً «من وجود دعوات غير بريئة، ترى فيها (الكتلة) تجاوزاً لأحكام الدستور ومخالفة موصوفة لروح اتفاق الطائف ومقتضيات الوفاق الوطني». وتوقفت الكتلة عند «التمادي في تحميل الرئيس المكلف مسؤولية التأخير في تأليف الحكومة، والإسراف في قلب الحقائق وتجهيل الأسباب الحقيقية للأزمة، من خلال لغة تستحضر مناخات الانقسام والتعطيل والاصطفاف الطائفي المقيت».
وحذرت من «تنامي خطاب يتعارض مع مفاعيل التسوية التي أعادت الاعتبار لدور المؤسسات الدستورية، ووضعت حداً لفراغ استمر لأكثر من عامين في موقع رئاسة الجمهورية»، وشددت على أن التعاون بين رئيس الجمهورية والحريري، «لم يكن نزهة سياسية، تنتهي بانتهاء هذا الاستحقاق أو ذاك، بل هو كان وسيبقى في أساس مشروع حماية البلاد». ودعت الكتلة «إلى الكف عن أساليب تخريب العلاقات الرئاسية»، وشددت «على أهمية تحصين التسوية السياسية وكل ما ترتب عليها من انفراجات، لم تتوقف عند انتخاب رئيس للجمهورية وقيام حكومة جديدة، بل هي انسحبت على الواقع الشعبي لتسهم في تحقيق مصالحات أهلية بين جمهورين وبيئتين، سيكون من الخطأ الجسيم إعادتهما إلى زمن الانقسامات والاصطفافات الحزبية والطائفية».
بري: لست متفائلاً
من جهته، أوضح الرئيس نبيه بري أمام زواره، أمس، أنه لم يقل أنه متفائل في موضوع تأليف الحكومة «بل ما زلت أنتظر ما سيستجد من الحراك الجديد الذي بدأه الرئيس المكلف. ما زلت آمل في أن تتقدم الأمور. إذا ما لم يحصل أي تطور إيجابي من هذا الحراك، فأنا أخشى أن التأليف سيطول أكثر. أستغرب الوضع الحاصل في ظل اعتبار البعض أن أعرافاً أصبحت أقوى من النص الدستوري، لا سيما منها أن تأليف الحكومة يستمر أشهراً طويلة».
وأضاف بري: «لم أسلم بهذا الوضع. المجلس النيابي يعمل وأنتظر أن تنجز اللجان النيابية المشتركة مجموعة من المشاريع التي إذا انتهت غداً (في جلسة اللجان المشتركة برئاسته)، فإن موعد الجلسة العامة سيكون بعد ثلاثة أيام». سئل ألا يحتاج انعقاد المجلس لعقد استثنائي، أجاب بري: «الدستور واضح في المادة 69 التي تقول إنه عندما تستقيل الحكومة يصبح المجلس في حالة انعقاد دائم». وأشار إلى أن مجموعة من المشاريع المالية يستدعي إقرارها العجلة، مؤكداً أن منسق مؤتمر «سيدر» اتصل به من باريس وطلب منه موعداً عاجلاً لمقابلته. وقال بري إنه سيستقبله قريباً.
باسيل: حذار المس بالصلاحيات
بدوره، أكد الوزير جبران باسيل رفضه «العودة إلى أسر عملية تأليف الحكومة بأمور خارجة عن الحدود اللبنانية». وأمل، بعد اجتماع تكتل «لبنان القوي»، أمس، «أن نتمكن من الذهاب في هذه الحكومة بالنفس الوطني ذاته ونتمكن من عدم ربط أنفسنا بأي عملية في الخارج».
وقال باسيل: «لا نستطيع أن ندفع مجدداً ثمن أخطاء استراتيجية من زمن الطائف إلى القانون الأرثوذكسي، إلى قضية الرئيس القوي وكيفية انتخابه، وأن يكون يحظى بالتمثيل الأوسع لشريحته. لا نستطيع العودة إلى اللعب بهذه المقومات التي حصلناها ودفعنا ثمنها جميعاً، نعود إلى التنازل عنها لأن واحداً يتطلع إلى مكسب سياسي معين».
وأضاف: «حصة رئيس الجمهورية داخل الوزارة، وصل البعض في الطائف يقول إنها يجب أن تبلغ الثلث لتعوض جزئياً عن صلاحياته المفقودة في الدستور. نحن لم نصل إلى هنا، ولكن هذا لا يعني أن يصل البعض إلى تصفيرها ويحتسبها على عدد النواب. فكرة الرئيس القوي هي، أن يضاف إلى صلاحياته القليلة وأهمها صلاحية توقيع مرسوم الحكومة، قوته بشخصه وبشخصيته، وتضاف القوة النيابية للكتلة التي تدعمه بشكل أساسي، وإلا ما الجدوى من فكرة الرئيس القوي إن لم ننجز هاتين المجموعتين ونضيفهما إلى بعضهما البعض. المس بأي سلم من هذين السلمين هو خطأ استراتيجي يرتكب وندعو إلى الابتعاد عنه».