يشهد ملف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم اهتماماً محلياً ودولياً. حقق الأمن العام خطوات جدية بإعادة ما يزيد على 5000 نازح، بينما يستعد نحو 1000 نازح إضافي للمغادرة، اليوم، انطلاقاً من مراكز محددة للتجمع في الشمال والجنوب والبقاع وبيروت. الأهم من ذلك، ما يشهده معبر المصنع يومياً من زحمة على الخط المتجه نحو دمشق. مئات السوريين يعودون بنحو طوعي يومياً، وهذه الظاهرة مرشحة لأن تكبر شيئاً فشيئاً، خصوصاً من الفئة التي لا تعترض عودتها أية معوقات. الدليل عودة 15 ألف سوري إلى بلادهم خلال شهر آب بنحو إفرادي.
عندما تتعامل واشنطن مع قضية اللاجئين الفلسطينيين على قاعدة وقف تمويل «الأونروا»، وصولاً إلى إلغائها وشطب حق العودة، هل يصح للبنان أن ينتظر موافقة الجهات الدولية على عودة النازحين السوريين إلى ديارهم؟
«لبنان سيمضي قدماً في خطة إعادة النازحين، ولا عودة إلى الوراء». هذا القرار السياسي اتخذه رئيس الجمهورية ميشال عون، وانضم إليه رئيس الحكومة سعد الحريري، ولو بصورة ملتوية، بتبنيه المبادرة الروسية وبمباركته كل الخطوات التي يقوم بها الأمن العام في هذا الاتجاه. تكاتفت جهود أحزاب 8 آذار، ولا سيما حزب الله، مع جهود الأمن العام، بالحثّ على العودة واستطلاع المعوّقات التي تعترض عودة النازحين. لكن رغم كل الخطوات المبذولة، لا يزال لبنان يعاني من غياب خطة رسمية واضحة وواحدة لإعادة النازحين، خصوصاً مع عدم تشكيل الحكومة الجديدة، فيما يسجل حضور شكلي فقط لوزارتي شؤون النازحين، فيما تمتنع وزارة الشؤون الاجتماعية عن تقديم داتا المعلومات والأرقام المتعلقة بالنازحين إلى الأمن العام ووزارة الخارجية للوقوف على أرقام النازحين الحقيقية وأوضاعهم.
يراهن التيار الوطني الحر على تشكيل الحكومة للانتقال من خطة الطوارئ إلى خطة العودة للنازحين السوريين، وباكورتها تشكيل لجنة تنفيذية مشتركة بين الجانبين الروسي واللبناني (تضم الوزارات المعنية) تمهيداً لإطلاق العودة الفعلية على مصراعيها. وتتهم منسقة لجنة النازحين في التيار الوطني الحر، علا بطرس، وزارة شؤون النازحين كما الشؤون الاجتماعية بالتقصير في عملهما الميداني: «طلبت الخارجية داتا رسمية عن النازحين من وزارة الشؤون ولغاية اليوم لم تتلقّ الإجابة، علماً أنها تسلمت هذه الداتا من مفوضية اللاجئين، ويفترض أن تسلمها للأمن العام كي يقوم بالتفريق بين النازح الاقتصادي والنازح الأمني واستطلاع ظروف النازحين عن قرب». أهمية الداتا أنها تساعد على وضع خريطة طريق. على سبيل المثال لا الحصر، «نحن نتحدث عن وجود 384 ألف نازح سوري، يشكلون يداً عاملة تنافس اليد العاملة اللبنانية، وهناك 130 ألف مولود سوري في لبنان اتخذت الدولة اللبنانية قراراً بتسجيلهم، بالتنسيق مع السفارة السورية في لبنان، ولكن ليس بحوزة ذويهم الأوراق القانونية، ولا تتوافر لديهم إمكانية إنجاز المعاملات اللازمة. هذان النموذجان يدلان على أهمية الأرقام» تقول بطرس.
يرفض التيار الحر محاولة جهات دولية الربط بين العودة والحل السياسي، وهنا تكمن أهمية المبادرة الروسية التي ستخلق آلية عمل تنفيذية بين وزارة الخارجية اللبنانية ووزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين اللتين تملكان داتا كاملة عن النازحين في لبنان وباقي دول الجوار.
ويلتقي حزب الله مع التيار الوطني الحر في التشديد على أهمية تشكيل الحكومة للبت سريعاً بملف العودة وجعله أولوية الأولويات في كل المؤسسات الرسمية. في الوقت نفسه، يواصل الحزب خطواته الميدانية للعودة، وثمة تجاوب مع مبادرته بحدود مقبولة. وقد سلّم الحزب أخيراً السلطات السورية لائحة بأسماء أكثر من ألف نازح سوري وافقت السلطات السورية على عودتهم، وقام الحزب بتسليم اللائحة، أمس، للواء عباس إبراهيم، وهناك لائحة ثانية، يعدها حزب الله، شارفت على نهايتها (كل لائحة تضم ألف اسم على الأقل). وأخيراً أعلن الحزب القومي إنشاء لجان تواصل وتنسيق مع النازحين في كل المناطق اللبنانية لتكون صلة الوصل بينه وبين الأمن العام اللبناني.
المرعبي: تغيير ديموغرافي!
ووسط زحمة المبادرات المحلية، يغيب دور وزارة شؤون النازحين التي ينحصر دورها، وفق الوزير معين المرعبي، «بالتنسيق في موضوع السياسة العامة للحكومة ومتابعة الأمور اللوجستية فقط لا غير». يعطي المرعبي للأمن العام وحده حق العمل في الملف «لكونه الجهة المكلفة الملف رسمياً». أما الأحزاب، فهم «متطفلون، وعملهم عبارة عن محاولة لقضم دور الدولة». التيار الحر «ليس الجهة الصالحة للتعامل مع الملف»، ويتساءل المرعبي: «كيف يمكن حزب الله الذي تحوّل بسبب تدخله بالحرب في سوريا إلى مسبّب للحرب، أن يكون فجأة هو الصليب الأحمر».
يربط المرعبي العودة «بالظروف المحيطة بسوريا أمنياً وسياسياً وخدماتياً ومعيشياً»، متحدثاً عن أن «السلطات السورية ترفض نصف الأسماء في اللوائح التي تتسلمها، سواء من الأمن العام أو الأحزاب، وأن هناك بعض العائلات التي تلقت رسائل رسمية بمنعها من الدخول إلى سوريا»، ما يثبت بالنسبة إليه «أن النظام يعمل على إحداث تغيير ديموغرافي، ولذا يريدون للعودة أن تفيد هذا التغيير». لكن مصادر رسمية معنية بالملف عن قرب، نفت هذه الوقائع، وقالت إن الأسماء التي يُرفَض إدخالها لا تتعدى نسبتها واحداً إلى اثنين في المئة، ولأسباب تتعلق بتسوية أوضاعها القانونية، خصوصاً المتخلفين عن الخدمة العسكرية ممن يجب عليهم دفع غرامات التأخير أو الالتحاق بالخدمة بعد ستة أشهر، أو المشمولين بالعفو، وعليهم تسوية أوضاعهم القانونية. وقالت إن الأبعاد السياسية غير موجودة إلا في عقول من لا يريدون للعودة أن تحصل نهائياً.
المبادرة الروسية... لن تتوقف
يتعامل لبنان بصورة إيجابية مع الخطة الروسية، ولو أنها ما زالت حتى الآن نظرية ولا ترجمة مباشرة لها. البعد الأهم في المبادرة الروسية هو البعد السياسي. أمّنت هذه المبادرة الغطاء السياسي والمعنوي للتشجيع على العودة. قوبلت بمباركة رسمية لكونها مواتية لتطلعات لبنان في تأمين العودة السريعة الآمنة من دون ربطها بالحل السياسي. تتضمن المبادرة وضع خطة مشتركة لعودة اللاجئين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان إلى المناطق التي هُجِّروا منها، أو إلى مناطق مجاورة، ريثما يتم ترميم مدنهم أو قراهم.
استندت روسيا إلى نجاح تجربتها في المساهمة بإنجاح المصالحات في العديد من المناطق السورية. تشمل خطتها إعادة النازحين في الخارج والداخل، حيث سيصار إلى إعادة تأهيل البنى التحتية بالتنسيق مع الجانب السوري. ويخصص الروس مراكز لدراسة أوضاع الناس وتصنيفهم طبقاً للمعوّقات الموزعة بين مشاكل عادية سهلة المعالجة، وتلك المرتبطة بالتأخر عن الخدمة العسكرية.
حاول الروس كسب فرنسا وألمانيا في توفير المساعدات الإنسانية والبنى التحتية، لكنهما رفضتا بفعل ضغوط أميركية. ترافق ذلك مع إشارات سلبية من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي رددت بلسان مفوضها العام أن الظروف «غير مواتية للعودة»، لكن هل ستتمكن روسيا من تجاوز الرفض الأميركي والأوروبي وإتمام خطوات العودة؟ أم أنها ستكتفي بالإعلان الإعلامي من دون خطوات تنفيذية مهمة؟
يؤكد الروس السير بمبادرتهم بغضّ النظر عن الموقف الأميركي، وكذلك سعيهم «إلى تليين موقف المفوضية العليا لشؤون النازحين». تعمل روسيا بالتعاون مع الجانب اللبناني على تشكيل لجنة مشتركة، لكن وجهة نظر الرئيس المكلف «التريث حتى تشكيل الحكومة الجديدة، وعندها تتشكل اللجنة بقرار من مجلس الوزراء». وفيما حسم الروس أسماء الديبلوماسيين والضباط الذين سيمثلون الحكومة الروسية في اللجنة، وأولهم السفير الروسي ألكسندر زاسبيكين، يشيع مقربون من رئيس الحكومة المكلف أن اللجنة ستضم عن الجانب اللبناني كلاً من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، جورج شعبان عن تيار المستقبل، وأمل أبو زيد عن التيار الوطني الحر. ويقول الوزير معين المرعبي لـ«الأخبار» إن تشكيل أي لجنة بما فيها اللجنة اللبنانية الروسية ممرها الإلزامي موافقة مجلس الوزراء كي تصبح رسمية، ولا سيما مع وجود أمور يستلزم بتُّها وجود قرار سياسي من مجلس الوزراء.
سوريا: حماسة للعودة والإعمار
أما سوريا، فقد اعتمدت اللواء عباس إبراهيم قناة رسمية لبنانية لمتابعة الملف، وهو زار دمشق سابقاً أكثر من مرة، وسيزورها قريباً لهذه الغاية. ترحب دمشق بالمبادرة الروسية لتشجيع العودة وإطلاق ورشة الإعمار، لكنها رفضت اقتراح تشكيل لجنة ثلاثية سورية روسية لبنانية لأنها «لا تريد ضابط ارتباط بينها وبين لبنان نظراً لوجود علاقة مباشرة بين الدولتين، وبالتالي يمكن أن يكون التنسيق مباشراً بين البلدين. إلى ذلك، عينت الحكومة السورية لجنة برئاسة وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف، تضم ممثلين عن كل الوزارات المعنية بالخدمات، والمحافظين ووحدات الأمن، تنبثق منها لجان فرعية لتحضير الأوضاع اللوجستية على الأرض من بنى تحتية وطبابة وتعليم وضمان صحي، مع إمكانية تقديم قروض ميسرة، والتنسيق مع المراكز الروسية المعنية بتأمين العودة. عرضت إيران بناء 30 ألف وحدة سكنية في حلب وحمص ودمشق، وتقدمت بولونيا بمشروع بناء مجموعات سكنية للنازحين. ثمة حماسة سورية لتسوية أوضاع النازحين وعودتهم، «والأهم مشاركة اليد العاملة في ورشة إعادة إعمار سوريا»، على حدّ تعبير مصادر سورية.
أنواع العائدين
حسب إحصاءات الأمن العام، احتضن لبنان ما يقارب مليوناً و400 ألف نازح. تراجع الرقم إلى 900 ألف نازح وفق إحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. أما العائدون، وبطرق مختلفة، فيقارب عددهم نحو 30 ألف نازح (بينهم 15 ألف عائد بصورة إفرادية). ويخصّص الأمن العام 17 مركزاً موزعاً في المناطق لاستقبال طلبات النازحين الراغبين في العودة.
هناك ثلاثة أنواع من العودة، هي:
1- عودة النازح الذي تعترض عودته مشكلة قانونية، فيلجأ إلى الأمن العام لتسوية أوضاعه، بالتعاون مع السلطات السورية المختصة، وتأمين مغادرته بسلام من دون أن يكون عرضة للملاحقة في بلاده. وقد بلغ عدد هؤلاء حتى الآن 7000 عائلة، وهناك لائحة من 1000 اسم قيد الإعداد حالياً.
2- عودة النازح المسجل، ويمكن أن يغادر إلى بلاده ساعة يشاء وبشكل إفرادي. وقد سجلت مغادرة ما يقارب 15000 نازح إفرادي خلال شهر آب وحده.
3- عودة السوري الذي يملك إقامة في لبنان، ودخل بموجب كفالة، ويستطيع العودة إلى لبنان بالطرق القانونية المعتادة.
معوقات العودة
أبرز معوقات عودة النازحين وتجري معالجتها، عبر الأمن العام، هي الآتية:
● دخول غير قانوني إلى الأراضي اللبنانية.
● وجود ولادات غير مسجلة.
● نازحون فقدوا أوراقهم الثبوتية، ويجب التثبت من هوياتهم وأوراقهم.
● فارّون من الخدمة العسكرية، وهذه الفئة هي الأكثر عدداً والأكثر إرباكاً.
● محكومون بجرائم أو بارتكاب جنح أو مخالفات.
حركة العائدين
حركة العودة التي جرت في عام 2018 وفق أرقام الأمن العام:
● 28 حزيران: 294 نازحاً من عرسال إلى غرب القلمون.
● 1تموز: 42 نازحاً إلى معضمية الشام.
● 7 تموز: 377 نازحاً من عرسال إلى غرب القلمون.
● 23 تموز: 668 نازحاً من عرسال إلى غرب القلمون.
● 28 تموز: 722 نازحاً من شبعا ووسط البقاع وغربه إلى الزبداني وبيت جن.