في إطار المواكبة الدائمة التي يوليها جيش الاحتلال الإسرائيلي للمتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، والتي تقتضي دراسة متجددة وتحديثًا دائمًا لاستراتيجية هذا الجيش؛ فقد أصدرت رئاسة هيئة الأركان الإسرائيلية وثيقة عسكرية جديدة حول استراتيجية الجيش الإسرائيلي 2018؛ وهي نسخة محدثة عن الوثيقة المنشورة عام 2015 تحت عنوان "الخطة متعددة السنوات"، وتضمنت ما يوصف بالأهداف القومية ومبادئ نظرية الأمن وتوصيف بيئة العمل الخاصة بالجيش ونهجيْ الرد الرئيسييْن الخاصيْن بهِ، كما تضمنت طبيعة استخدام القوة ومفهوم القيادة والسيطرة وتنظيم الجيش الإسرائيلي للمعركة من خلال تحديد مهام القيادة العامة ومهام القيادات الرئيسية، ومبادئ بناء القوة حسب مجالات بناء القوة، وتحديد القدرات المطلوبة.

ومن أهم مبادي نظرية الأمن القومي التي حددتها الوثيقة:

أ) الاعتماد على استراتيجية أمنية دفاعية، هدفها ضمان وجود إسرائيل وخلق ردع ناجح، وتقليص التهديدات عند الحاجة وتأجيل المواجهات.

ب) نظرية عسكرية هجومية من أجل فرض إرادتنا على العدو.

ج) ضرورة نقل المعركة إلى مناطق الطرف الآخر في كل جوانبها (البرية والجوية والبحرية والمعلوماتية) وإدارة المعركة هناك.

د) تعزيز استراتيجية إسرائيل التي تسعى لتطوير الظروف الاستراتيجية للمعركة المستقبلية والتشويش على الظروف الخاصة بالعدو والتأثير على موازين القوى في المنطقة والعمل على تحقيق الواقع الأمني المطلوب.

وحول هدف الجيش الإسرائيلي، المتمثل بالحفاظ على أمن إسرائيل وكيفية تحقيقه؛ فقد تحدثت الوثيقة عن ثلاث حالات رئيسية:

1. الأحوال العادية: وهي الأحوال التي تسود في حالات الهدوء الأمني، ويتطلع الجيش إلى أن تمتد هذه الأحوال إلى أطول فترات ممكنة، وذلك حتى يتم استخدام موارد الدولة في تطوير الدولة والمجتمع وبناء قوة الجيش الإسرائيلي. في هذه الحالة يعمل الجيش الإسرائيلي على حماية حدود إسرائيل في كل مجالات المعركة (الجوية والبحرية والبرية والمعلوماتية)، وكذلك بشكل هجومي لإضعاف العدو وإبعاد الحرب القادمة.

2. حالة الطوارئ: وهي الحالة التي تكون سائدة في حالات التوتر الأمني، وكذلك في الحالات التي يكون مطلوبًا فيها من الجيش الإسرائيلي استخدام القوة، ولكن ليس على النحو الذي يصل إلى استخدام كل قوة الجيش. يقوم الجيش في هذه الحالة، بشكل رئيسي، بعمليات محدودة من حيث الحجم والأهداف، من أجل حماية الوضع الاستراتيجي أو تطويره، وإعادة التهدئة.

3. حالة الحرب: تركز على استخدام القوة الكبيرة من قبل الجيش الإسرائيلي لهزيمة العدو من أجل تغيير الوضع الاستراتيجي، وحالة الحرب هي البوصلة الرئيسية لبناء الجيش، وذلك لأنها الوضع الأخطر المحتمل لاستخدام القوة.

 

البيئة الاستراتيجية والإقليمية

حددت الوثيقة جهات التهديد التي سيكون على الجيش الإسرائيلي العمل ضدها، وتمثلت في:

أولًا: جيوش نظامية تابعة لدول: مثل إيران، وهي جهة التهديد الرئيسية التي تمتلك قدرات هائلة ومتطورة موجودة في سياق متواصل للتعلم في مواجهة إسرائيل. ثاني الجيوش سوريا، والتي  على الرغم من ضعفها الكبير، تستطيع أن تشكل تهديدًا لإسرائيل.

ثانيًا: المنظمات العسكرية وشبه العسكرية: وفي مقدمتها حزب الله، وهو مصدر التهديد الرئيسي، ثم حركة حماس والجهاد الإسلامي وعناصر أخرى على الساحة الفلسطينية.

وأخيرًا: عناصر الجهاد العالمي: وهي عناصر غير حكومية، تفرض تهديدات على الجيش الإسرائيلي وعلى إسرائيل في داخلها وعلى المناطق الحدودية (منها عناصر موجودة في شبه جزيرة سيناء، وفي سوريا، وكذلك أفراد يستمدّون إيحاءهم من هذه التنظيمات داخل إسرائيل وعلى حدودها).

 

نهج الرد

ولتحقيق الأهداف الأمنية لدولة الاحتلال وتعزيز تفوقها العسكري، تحدثت الوثيقة عن نهجيْن  يسلكهما الجيش في مواجهة التهديدات: نهج الحسم ونهج الردع.

وفق نهج الحسم: يسعى الجيش إلى الحسم الذي يجد انعكاسًا له في عدم قدرة وعدم رغبة الخصم للعمل ضد إسرائيل وعدم قدرته للدفاع عن نفسه، ويسعى هذا النهج إلى تغيير الوضع الاستراتيجي وضرب قدرة العدو على إعادة بناء قوته خلال فترات التهدئة الطويلة بعد المواجهة، وتستخدم في هذه الحالة قوة عسكرية هجومية بمواصفات عالية وسريعة بهدف إزالة التهديد والدفاع عن الدولة في كل المجالات، مع تقليص الضرر بإسرائيل وتعزيز الردع في المنطقة.

أما مع نهج الردع، فإن الجيش يعمل على إحباط التهديدات الآخذة بالتشكل وإبعاد الحرب وضرب قدرات العدو، وذلك من أجل خلق الظروف العسكرية والسياسية والنفسية المثلى للحسم في الحرب المستقبلية فيما إذا اندلعت، وتقوية الردع، ويعمل هذا النهج على تحقيق الأهداف لرسم المنطقة وإضعاف الأعداء وتقليص قدرتهم على بناء قوتهم وضرب مشروعيتهم، كما يحقق بناء شراكات وبناء القوة، والتي تهدف إلى تعزيز قوة إسرائيل، ويتم في هذا النهج - على المدى القصير - الحفاظ على الوضع الاستراتيجي ضد الأعداء؛ إلا أنه يتضمن القدرة على تغيير جدي على المدى الطويل.

وبشكل عام، فإن الجيش الإسرائيلي يعمل وفق هذا النهج للدفاع عن النفس، ويقوم في هذا الإطار أيضًا بعمليات هجومية، إلا أنه يتطلع لعودة الهدوء وليس للتصعيد. في هذا النهج يمتنع الجيش الإسرائيلي عن التجنيد الكامل للموارد القومية وعن استخدام القوة العسكرية كلها.

المصدر: أطلس للدراسات