تعود سوريا طبقاً يومياً في الكلام السياسي اللبناني، إن لعودة العلاقات معها، أو عن مصير إدلب والاحتمالات المتوقعة بعد قمة طهران، وسط تساؤلات عن مستقبل التنظيمات المسلحة، والى اين ستكون وجهتها
لا حديث لبنانياً عن سوريا إلا من زاويتين، عودة التطبيع مع النظام السوري تدريجاً، من خلال فتح ملف العلاقات اللبنانية السورية مجدداً، ومعركة إدلب التي يتابعها المهتمون بتفاصيلها واللقاءات الدولية والإقليمية حولها.
قبل عشر سنوات، وقّع الرئيس السوري بشار الاسد، في 14 تشرين الاول 2008، مرسوم إقامة علاقات ديبلوماسية بين سوريا ولبنان، وفتح سفارة سورية في بيروت. خلال عشرة أعوام، بينها سبع سنوات من الحرب السورية، تراجع مفعول هذه العلاقات وانخفض منسوب الزيارات العلنية على الاقل، لمسؤولين وشخصيات قريبة من النظام السوري.
مع المتغيرات التي تشهدها سوريا، عسكرياً وسياسياً، يعيش لبنان مجدداً على إيقاع مشهد جديد، لن تكون تداعياته حكراً على الفريق الذي يقف على عداء مع النظام السوري. فحتى داخل فريق 8 آذار وحلفائه، لن يصبح سهلاً الذهاب الى متغير بحجم إعادة مسار العلاقات الى ما كانت عليه، من دون ارتدادات مباشرة على الوضع الداخلي. فأي اتصال بسوريا، يحتاج الى مظلة إقليمية أو دولية، كما جرى في زمن السين ـــــ سين، وقبلها تلزيم المجتمع الدولي لبنان لسوريا بعد الطائف. وهذه المظلة لا تتوافر اليوم إلا من الجهتين الروسية والايرانية، إذ لا تشجع الدول الخليجية على هذا المنحى ولا الدول الاوروبية أو الولايات المتحدة. وهذا يؤدي حكماً الى أن أي تسريع للخطوات، لن يكون ترويجه سهلاً، لا في الامم المتحدة التي يذهب اليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولا على مستوى الداخل الهش الذي لا يحتاج الى عناصر خلافية تصبّ الزيت على النار.
ويدرك النافذون في فريق 8 آذار أن ثمة تبعات لنقل مستوى التنسيق الى الصف الاول، خصوصاً أن المسألة ليست محصورة باحتمال ذهاب رئيس الجمهورية الى دمشق بما يمثله من موقع، بل تعني أيضاً الرئيس نبيه بري، وهو الذي رفع لهجته أخيراً مدافعاً عن هذه العلاقة. فإذا كان أي تطور من النوع المطروح حالياً يحتاج الى توافق وطني في الحكومة الجديدة، في ظل اعتراض الرئيس سعد الحريري على التطبيع، فمن الصعب توقع زيارة بري الى دمشق، في ظل الاجواء الراهنة، ولأسباب لا تتعلق فقط بلبنان، أو حتى توقع رفع مستوى زيارات حلفاء سوريا، ومنهم التيار الوطني الحر اليها. فأن يذهب الوزير بيار رفول اليها، يختلف تماماً عن زيارة وزير الخارجية جبران باسيل. وهذا يعني أن من غير المتوقع أن نشهد انقلاباً سريعاً في منحى العلاقات بين البلدين، لأن الكلام الذي قيل في الفترة الاخيرة، والتبريرات التي أعطيت حول معبر نصيب مثلا وأهمية التنسيق السياسي، لم يجد له آذاناً صاغية لدى المجتمع الدولي وممثليه. فهذا المجتمع يعرف تماماً قنوات التنسيق الامني بين لبنان وسوريا، منذ سنوات، ويطّلع على حيثياته، وخصوصاً الجانب المتعلق بالتنظيمات الإرهابية، ويغض النظر عنه، خصوصا أنه ينحصر بالشأن الأمني فقط.
والأكيد أن معاينة تطورات إدلب لا علاقة لها بقربها أو بعدها عن الحدود اللبنانية، على غرار ما جرى في محافظات سوريا الاخرى المحاذية للبنان. لكن إدلب تمثل بالمنحى الذي قد تتخذه التطورات، تحدياً أمنياً يتعلق بلبنان كما بعدد من دول الجوار السوري، وتحديداً مصير مسلحي التنظيمات المسلحة. وهو الأمر نفسه الذي طرح في المعارك المحورية السابقة، التي أسفر بعض منها عن انسحاب المسلحين وفق صفقات سياسية وأمنية.
اليوم، يجري الحديث عن إدلب والسيناريوات المرسومة لها، بين معارك وهجومات محتملة وصولا الى التسويات المقترحة، والأدوار المكتوبة لطهران وموسكو والنظام السوري والولايات المتحدة، واحتمال قيامها بضربات فيها، وتركيا وأوروبا الخائفة من تسرب مزيد من المسلحين اليها. لكل من هذه الدول أجندة مختلفة حول إدلب وكيفية حسم الاوضاع فيها مع رسم حظوظ كل من الدول المتورطة ومكاسبها أو خسائرها. لكن السؤال المركزي، بمعزل عن نتيجة قمة طهران، اليوم، ومن سيتولى معركة إدلب أو حتى إدارة شؤونها بعد السيطرة عليها، هو الى أين ستكون وجهة المقاتلين والمسلحين، على اختلاف تنظيماتهم وانتماءاتهم؟
فمن المعروف أن انسحاب المسلحين من كل الرقع القتالية الأخرى في سوريا، جعلهم ينتشرون في مناطق أخرى باتت عرضة أيضاً للتضييق والحصار، أو يتسللون الى بلدان مجاورة. لكن معركة إدلب ستكون لها محاذير أخرى بوصفها تمثل، مبدئياً، آخر معركة بهذا الحجم. واذا كان هذا السؤال مطروح على اوروبا، فإن لبنان يتعامل مع إدلب بوصفها تمثل آخر معارك استكمال النظام السوري سيطرته على المحافظات السورية، من دون توقع تبعات ما بعدها، خصوصاً أن الكلام عن التنظيمات المسلحة والعناصر الإرهابيين تحول إلى كلام موسمي، وها هو يغيب عن الحدث اليومي، في حين لا يزال هذا الخطر قائماً، كما تدل أحداث وتفجيرات متفرقة ومتتالية في أوروبا. وفي حين تتجه الأنظار أكثر نحو تركيا وتحوّلها إلى ممرّ لأولئك العناصر، لا يبقى لبنان في منأى عنها، لأن نوم الخلايا الإرهابية لا يعني زوالها، ولبنان خبر أكثر من مرة هذا النوع من العمل الأمني.