في كتابه الجديد، وعلى امتداد مئات الصفحات، يتناول الصحافي الأميركي بوب وودوارد، رئاسة دونالد ترامب وما يعتري «البلدة المجنونة» (البيت الأبيض) وفق وصفه من انقسامات وفوضى كان يمكن أن تهدّد الرئاسة بأكملها لو كنّا أمام شخص مختلف. لكن، واقعاً، هذا جلّ ما يميز إدارة ترامب، المعادي لكل ما هو تقليدي. سعى وودوارد في كتاب «خوف: ترامب في البيت الأبيض»، الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي، إلى تناول جوانب الإدارة كافة، ولكنه أبقى تركيزه منصبّاً على النمائم داخل البيت الأبيض والعداوات بين كبار موظّفيه. الصحافي الشهير استند في كتابه إلى شهادات مصادر «رفيعة المستوى» في الإدارة. وفي مقابل «النميمة»، أهمل بعض أهم الملفات الضالعة فيها إدارة ترامب، فلم يأتِ على ذكر أيّ شيء يتعلق بفلسطين حتى بجملة واحدة، كما لم يذكر حرب اليمن أو الأزمة الخليجية. في المقابل، ركّز على العدوان على مطار الشعيرات السوري في ربيع 2017. وتحدّث بإسهاب عن العلاقة مع السعودية، مبيناً الدور المحوري لمستشار الرئيس، صهره، جاريد كوشنر. كما يحضر حزب الله على طاولة صناع القرار في البيت الأبيض كـ«تهديد وجودي» لإسرائيل.

مرّ أسبوع على انتخاب دونالد ترامب رئيساً. إنه تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، استدعى الرئيس المنتخب الجنرال المتقاعد، جاك كين، إلى «برج ترامب» لمقابلة عمَل. بعد قليل، سيعرض ترامب على ضيفه منصب وزير الدفاع، لكن كين - الحاضر دائماً على شبكة «فوكس» الإخبارية، وهي للمناسبة قناة ترامب المفضّلة - الذي عمل مستشاراً لديك شيني سيرفض العرض. مع ذلك، أخذ الجنرال المتقاعد وضعية الوعظ، وقال لمضيفه: «ما نفعله أو لا نفعله، يمكنه أن يزعزع استقرار جزء من العالم، ويتسبب في مشكلات هائلة». كان ذلك مجرّد تحذير من صديق ترامب، قبل أن ينصحه باختيار جيمس ماتيس، جنرال البحرية المتقاعد، لمنصب الدفاع. لم تكن المرة الأولى التي يسمع فيها ترامب باسم الجنرال المعروف بأسماء كثيرة، منها «الكلب المسعور». سأل ترامب كين: «جيّد هذا الماتيس، أليس كذلك؟». من حسناته الكثيرة، وفق كين، أنّ «لديه خبرة كبيرة، لاسيما في... الشرق الأوسط. وهو من قدامى المحاربين ذوي الخبرة العالية في كل من أفغانستان والعراق».
بدا أن الرئيس المنتخب قد عقد العزم على اختيار عسكري للوظيفة. لاحقاً، في الشهر نفسه (تشرين الثاني/ نوفمبر)، استدعي ماتيس الذي بدا حضوره لافتاً. عاجَله الرئيس: «علينا الاهتمام بداعش». كان التخلّص من التنظيم أحد الوعود التي قطعها ترامب لناخبيه خلال الحملة الانتخابية. نظر ماتيس إلى ترامب مباشرة، وقال له: «علينا أن نغيّر طريقة عملنا… لا يمكن أن تكون حرب استنزاف، يجب أن تكون حرب إبادة». كلمات ماتيس الموسيقية تلك لم تترك مجالاً للشكّ في أن «هذا الماتيس» هو ما يبحث عنه ترامب. «لقد حصلت على الوظيفة!». اتّفق الرجلان على تجنب إعلان اتفاقهما، لأنّ ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض، يرى في ماتيس ليبرالياً في ما يتعلّق بالسياسات الاجتماعية... ولاحقاً، سيطلق عليه بانون لقباً جديداً: «مركز الجاذبية الأخلاقي في الإدارة». «الأخلاقي في الإدارة» كان قد سبق له أن تسلّم منصب قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط «سنتكوم» بين عامي 2010 و2013، قبل أن يقيله باراك أوباما (2008-2016) بسبب تلهّفه لمواجهة إيران عسكرياً.


قائداً لـ«سنتكوم» كان ماتيس يعتقد أنّ إيران «لا تزال تشكل أكبر تهديد لمصالح أميركا في الشرق الأوسط»، وكان دائم القلق من احتمال أن تُقدِم إسرائيل على ضرب منشآت إيران النووية، ما يعني جرّ الولايات المتحدة إلى صراع آخر. كان ماتيس مقتنعاً بأن عديد العسكريين الأميركيين في المنطقة ليس كافياً، حتى أنه كتب مذكّرة لأوباما، عبر وزير دفاعه ليون بانيتا، يسعى فيها إلى الحصول على سلطات معزّزة تمكّنه من اتخاذ قرار للردّ على «الاستفزازات الإيرانية»، خصوصاً في المياه الدولية. تلقى ماتيس مذكّرة من توم دونيلون، وهو مستشار الأمن القومي في عهد أوباما، يردّ فيها بالرفض لطلب ماتيس توسيع صلاحياته، أو الرد على استفزازات إيران «تحت أي ظرف كان». ستصبح مذكّرة دونيلون واحدة من أولى الأوامر التي سيلغيها ماتيس حين يصبح وزيراً للدفاع.
لكنّ ماتيس لم يستسلم، فقد كتب مذكّرة أخرى لاذعة لرئيس العمليات البحرية يقول فيها إن «البحرية ليست في جاهزية تسمح لها بخوض صراع في الخليج الفارسي». حينذاك، تدخّل بانيتا وقال لماتيس إن موقفه من إيران وضعه في مأزق حقيقي مع البيت الأبيض. ماتيس الذي كان مصراً على رأيه قال: «إنني أتقاضى أجراً مقابل تقديم أفضل نصيحة عسكرية»، «إنهم يتّخذون القرارات المتعلقة بالسياسة. لن أغير قناعاتي لاسترضائهم. إذا لم يمنحوني ثقتهم، سأرحل». وهكذا تم إعفاء ماتيس في آذار/ مارس 2013، ليكتب بعدها «ذكريات كبيرة».
أرفق وزير الدفاع الحالي كتابه باستراتيجية من 15 صفحة لمواجهة إيران ركّزت خصوصاً على تجنب التسامح مع سلوك طهران المزعزع للاستقرار، عبر «حزب الله» و«قوة القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، فضلاً عن سلوكها في العراق لتقويض الولايات المتحدة. أما الجزء الثاني من الاستراتيجية، فركّز على خطّة لإعادة تشكيل الرأي العام الإيراني، على المدى الطويل.
مع طرد ماتيس من إدارة أوباما، لم يعد أحد يتنبّه إلى آرائه حول إيران. عندما عُيّن في منصب الدفاع، انتشرت فجأة استراتيجيته حول إيران. لكن سؤال وودوارد الأهمّ: هل كان تعيين ماتيس في منصب وزير الدفاع يعني صراعاً عسكرياً محتملاً مع إيران؟

حزب الله: الخطر الداهم
استظهر في فصول عدة من الكتاب شخصيّة محورية داخل مجلس الأمن القومي، وهي ليست إلا ديريك هارفي (كولونيل عسكري متقاعد)، مدير «وحدة الشرق الأوسط» في «مجلس الأمن القومي». كان قد عيّن في منصبه في شباط/ فبراير 2017، قبل أن يقيله مستشار الأمن القومي، اتش آر ماكماستر، في تموز/ يوليو من العام نفسه. كان هارفي على موعد مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، في مكتبه في البيت الأبيض. استمع كوشنر باهتمام لقضية هارفي الذي بدا أن همّه الأساس في الشرق الأوسط كان «حزب الله».
يورد الكتاب أن «المعطيات الاستخباريّة الحسّاسة» أظهرت أن للحزب 48 ألف عسكري متفرّغين في لبنان يشكّلون تهديداً وجودياً على إسرائيل، كما أنّ له 8 آلاف مقاتل يتوزّعون بين سوريا واليمن، فضلاً عن وحدات كوماندوس موزّعة على مستوى المنطقة. وتشير تلك المعطيات إلى أن الحزب ينشر مقاتلين في أنحاء العالم، بين 30 و50 عنصراً في كلّ من: كولومبيا، فنزويلا، جنوب أفريقيا، موزامبيق، كينيا.

المصدر: ملاك حمود - الأخبار