حينَ قضَت حسابات الوزير السابق أشرف ريفي بالابتعاد عن التيار، فتَح هجوماً حاداً غير مسبوق على «رئيسه». وصَل ضجيجه حدّ طرح نفسه بديلاً على الساحة السنية. وبعكس هذا الضجيج، أتى اعتراض رئيس الكتلة النيابية فؤاد السنيورة على التسوية الرئاسية مع العماد ميشال عون هادئاً. جرّ رئيس الحكومة السابق «المتطرّفين» في داخل التيار وفلكه لسلوك طريق آخر من «الممانعة». شكّل «مجموعة العشرين» للضغط على الحريري الذي «ذهب بعيداً في تنازلاته غير المجدية»، بحسب السنيورة والمقربين منه. لكن أحداً من هذه المجموعة لم يكُن يطمَح لوراثة الحريري. كان الهدف «إعادة رئيس الحكومة إلى صوابه»، على حد قول أعضائها.
نهاد المشنوق اتخذ درباً مختلفاً. بعدَ أقل من شهرين على إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية، أعلن أنه «طُعن من ماكينة المُستقبل» (في مقابلة مع «الجمهورية» في 9 تموز 2018). المشنوق حريريّ الهوى. وزير داخلية من حصّة تيار المُستقبل، ونائب على لائحته في بيروت «الثانية». لكنه ليسَ كمثل ريفي ولا السنيورة. كان من المفترض أن يُعلن موقفاً واضحاً بالخروج من وادي أبو جميل نهائياً. لم تسِر الأمور كما اشتهاها «المتآمرون» عليه، خروجاً متهوّراً. لا سيما أولئك الذين لم يكُن المشنوق بالنسبة إليهم يوماً موضِع ثقة. حتى لحظة وقوفه طرفاً إلى جانب رئيس الحكومة «المخطوف» من قِبل المملكة العربية السعودية لم تشفع له، ولم تغيّر ذلك عند الحريريين شيئاً. مهما فعل، ما ازدادوا فيه إلا شكوكاً. تهمتهم الرئيسية أن المشنوق طامح لدخول نادي رؤساء الحكومات. وعلى رغم أن نائب بيروت لا ينفي هذه الطموح، فإنه يؤكد أنه لا يمكن أن يخطو أي خطوة في هذا المجال إلا بالاتفاق مع الحريري نفسه.
ببساطة يحسِبها المشنوق جيداً. لا يُمكنه أن يعود بهذه السهولة إلى قلب التيار، وهو العارف بأن قرار فصل النيابة عن الوزارة لم يُتخذ إلا ضِّده. وفي الوقت نفسه يدرك جيداً أن العنتريات في غير أوانها يُمكن أن تقود إلى الانتحار السياسي. يعمل المشنوق على قاعدة أن «لا مصلحة له في العداوة مع رئيس الحكومة، ولا في البقاء إلى جانبه».
المشكل مع سعد الحريري والتيار واقِع أصلاً. منذ إعلان نتيجة الانتخابات النيابية في أيار الماضي، لم يحضَر المشنوق اجتماع الكتلة النيابية ولا مرة واحدة. يتعامل مع رئيس الحكومة كوزير، ولا يتحدّث معه إلا في ملفات لها علاقة بوزارة الداخلية. كل شيء يؤشّر إلى الانقطاع والابتعاد عن «المستقبل» في الشكل والمضمون. تبقى اللحظة المناسبة لقول ذلك علانية، ويبدو أنها لحظة لم تحِن بعد. يهيّئ لها المشنوق بتماسك قبلَ أن يُصبح نائباً مستقلاً. يُخطئ من يظنّ بأن «ركوده» هذه الأيام جعله ينسى «فِعلة» المستقبليين الانتخابية. شخصية الرجل لا تسمَح له بأن ينسى. كذلك فإنه يرفض بأن تفسّر أي خطوة منه وكأنها «انتقام» من الحريري. هو يسعى إلى «رد اعتبار» يريده أن يكون طبيعياً، وغير مخطّط له. ربما على شاكلة الاستقبال الذي حظي به من جانب المملكة العربية السعودية حينَ زارها في تموز الفائت. وهو استقبال أرادت المملكة أن تقول من خلاله شيئاً. يعلَم المشنوق أنه ليس مدللاً عندها، لكنه على الأقل لم يعُد متروكاً. يجعله ذلك مُتسلّحاً بعنصر الحاجة إليه في مرحلة ما، ويجعل هامش مناورته قوياً.

 

يعمل المشنوق على قاعدة أن لا مصلحة له في العداوة مع الحريري، ولا في البقاء إلى جانبه كذلك

 


حين يُسأل الرجل عن التوقيت المُناسب للانفصال، يظهر أقرب إلى من يعقِد خلوة حوارية بينه وبين نفسه. هو «على همّة» كما يقول. يُمكن أن يحصل ذلك بعد تشكيل الحكومة الجديدة؟ ربما. ماذا بعد الإعلان؟ هل يقتنع المشنوق بأن يكون نائباً مستقلاً عن بيروت وحسب؟ أم يُمكن أن يؤسّس لحركة معارضة؟ يحاذر المشنوق من تسّرب أي فكرة تدور في رأسه. يكتفي بالتعليق بأن «لا خطّة تفصيلية لديه حتى الآن». يُمكن أن «يكتفي في ما بعد بالتعبير عن آرائه بشكل أوضح». عودة الالتفاف السني حول رئيس الحكومة من شأنها أن تصّعب مهمّة المشنوق وتظهره كمغرد وحيد خارج سرب الطائفة، لكن ذلك لن يصعّب مهمّته لأن «كل شيء متوقف على ما سيقوله ويعلنه في ما بعد».
«المُستقبل» ليسَ في وارد التعليق. تكتفي مصادره بالإشارة إلى «انقسام داخلي حول خروج المشنوق من التيار». ربما ليست للرجل شعبية كبيرة داخل الكتلة النيابية، لكنها أيضاً ليست معدومة». تقف المصادر عند حد التلميح بـ «وجود ألسن كثيرة لا تتوقف عن تحريض الحريري ضد الوزير، في مقابل أقلية ترى في غيابه خسارة». أما الموقف الحقيقي لرئيس التيار «فليس لأحد أن يتكّهن به، بعد أن أصبحَ أكثرَ كتماناً مع من هم إلى جانبه، وأقل قدرة على الوثوق بأحد في المستقبل، لا المشنوق حصراً»!

المصدر: ميسم رزق - الاخبار