ابن سلمان في «الشراكة الأميركية»: صفقة من ورق!

 

تلقّى محمد بن سلمان أول صفعة أميركية من نوعها، وقرّر للمرة الأولى عدم السكوت. تهديدات أميركية رد عليها بتهديدات أكبر من المبكر أن تقرأ بجدية، لكن في الوقت نفسه يصعب أن لا تترك آثاراً على خط قصر اليمامة ــــ البيت الأبيض

 

تعيد التصريحات السعودية حول رد فعل محتمل من إجراءات أميركية «عقابية» على خلفية اختفاء الصحافي جمال خاشقجي، واقع العلاقات الأميركية السعودية إلى السطح. علاقات انعكست في صياغة سياسات الإقليم منذ سنوات، وهي تعاني اليوم من أنها في مرحلة حساسة تجرى فيها إعادة وصل للروابط بين البلدين، على أسس جديدة يفترض أنها «متينة». يتصرف النظام السعودي في أكثر من ملف على أنه «يؤثّر» في الموقف الأميركي، وهذا واقع يتجلى في غير ساحة وملف، إذ «تشتري» الرياض بثمن جيد، عند هوامش محددة، السكوت الأميركي وأحياناً الدعم. لكن مربط الفرس في ملف العلاقات بين الرياض وواشنطن يكمن عند طبيعة تلك العلاقات وهويتها وعنوانها، والأهم النظرة التي تتطلع بها الولايات المتحدة إلى السعودية، وبالذات من هذه المرحلة إلى عقد أو عقدين من الزمن. لحظة التأسيس، حظيت العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة والمملكة النفطية، بطابع خاص، حيوي واستراتيجي، منذ صفقة عبد العزيز ــــ روزفلت. شعار «النفط مقابل الحماية» صار مذاك الزاوية التي ينظر منها إلى العلاقات، وظل مسلّمة تجعل من العلاقات صعبة الفكاك والتدهور السريع. نجحت الولايات المتحدة في ترسيخ مقولة «المحمية» إبان حرب الخليج، وتنجح اليوم في ترسيخها عبر خلق بديل من «الخطر الداهم» بعد غزو بغداد. وهي مقولة بادر ولي العهد محمد بن سلمان، قبل أيام، في تصريح سعودي نادر، إلى رفضها بشكل جذري، في مقابلته مع «بلومبيرغ»، رداً على خطابات الرئيس الأميركي.

اختلف الأمر كثيراً في السنوات الأخيرة. لم يعد النفط السعودي ورقة كافية لصفقة متينة مع واشنطن، وهو ما يحرّك ابن سلمان اليوم نحو إعادة صياغة تلك العلاقات، بناء على صفقة جديدة مغلفة بعنوان «رؤية 2030»، تقوم على حماية السعودية وموقعها الإقليمي كمحور ووكيل أميركي أساسي، مقابل استثمارات ضخمة، ترث النفط الآخذ بريقه بالأفول لأسباب موضوعية وتقنية. ظهر دونالد ترامب «شريكاً جيداً» لهذه الصفقة. ومنذ مجيئه إلى البيت الأبيض، لاحت مؤشرات نجاح الصفقة الجديدة بعدما ارتفع «الدفع» السعودي للأميركيين من 30 في المئة من ثرواتهم إلى 50 في المئة، أو قارب ذلك. لكن، وعلى طول الخط، ظل الفريق السلماني في الرياض يتجاهل اللغة التي تتبدّى من البيت الأبيض. كان للمراقبين إدراك أن كلاً من ترامب وابن سلمان يتكلمان لغتين مختلفتين، وإن تقاطعت عند الصفقات والتخادم المتبادل. حين زار ترامب الرياض في أيار/ مايو من العام المنصرم، هلّل النظام السعودي للضيف الآتي برفع شعارات ثلاثة: «الشراكة والتعاون» و«شراكة للأجيال» و«العزم يجمعنا». ماذا يقول ترامب مقابل هذا؟ ثلاثة شعارات أيضاً: «ادفعوا!»، «وظائف»، «مليارات»... يكررها حرفياً باستمرار، وحين يزوره ابن سلمان يسند لائحة المدفوعات على وجهه لتلتقطها عدسات الإعلام، في مشهد مهين يحاكي السعودية بعيون ترامب. أما «الشراكة» و«الأجيال» و«العزم»، فتلك عناوين لا تعدو أسوار قصر اليمامة وأخبار وكالة «واس».
بعد السجال الأميركي السعودي غير المسبوق، أمس، يتّضح أكثر أن الخطر على السياسة السعودية ليس أن علاقتها بواشنطن بهذه الهشاشة، وأنها «حب من طرف واحد»، فحسب، الأدهى أن صاحب القرار في الرياض، كما بينت مرة جديدة موقعة القنصلية في اسطنبول، يتصرف على خلاف هذه الحقيقة ويبالغ في «التدلّل» والتحرك مطلق اليد، إلى حدّ إرسال فريق من أزلامه لتنفيذ عملية وقحة في الخارج ضد أحد «المنشقين»، بلا أدنى حسابات. وإلى أن تتوالى الإهانات والصدمات على ابن سلمان، يستفيق الأخير على أنه «ليس إسرائيل» بنظر حلفائه الأميركيين، ويكفي لذلك حملة إعلامية بسيطة تعرّي الأمير الشاب من أوهامه، أمام أول تلويح أميركي بفرض «عقاب» على السعودية، مترافقاً مع انسحابات أو تجميد، بالجملة والمفرق، لأنشطة الإعلام والشركات الأميركية الخاصة، بما فيها شركات الدعاية لصورة ابن سلمان وشركاء مشروع «نيوم» درّة تاج ولي العهد. يسرّب ابن سلمان عبر وكالة الأنباء الرسمية أنه مستعد لمواجهة العقوبات بإجراءات أشد، ترجمها الإعلامي المقرب من ديوان البلاط، تركي الدخيل، في مقال أمس، ذكّر فيه بأن الرياض «محور الكون» اقتصادياً، وكشف أن كل الخلافات مع إيران وقوى المنطقة خدمة سعودية للأميركيين يمكن أن تتوقف ببساطة وبين ليلة وضحاها. يصعب أن يفلت ابن سلمان من الشباك الأميركية ليأخذ مسافة من واشنطن كما كانت عليها الحال في عهد أوباما، ولا سيما وهو غارق في وحول حرب اليمن، لكن بالتأكيد «الخضّة» التي عرّت هشاشة العلاقات مع واشنطن، وانهار معها جل ما بناه «الأمير الإصلاحي» على مدى أربع سنوات من صورة براقة في عيون الغرب، ستشكّل محطة للتوقف بين أوهام الماضي ومخاطر المستقبل، لن يكون ما قبلها تماماً كما بعدها. ذلك على الأقل في مخيلة ابن سلمان التي ستكابد حذراً أكبر في مقبل الأيام.

المصدر: خليل كوثراني - الاخبار