لم تقتصر تداعيات استقالة وزير الأمن أفيغدور ليبرمان من الحكومة على تعميق الشرخ وسط المعلقين والجمهور الإسرائيلي حول الموقف من وقف إطلاق النار مع قطاع غزة، بل توالت ارتداداتها التي أدت إلى اهتزاز الحكومة، وانطلاق السباق الانتخابي من الناحية العملية. ففي كل السيناريوات التي تتصل بمستقبل الحكومة، دخلت الأحزاب الإسرائيلية في أجواء التنافس الانتخابي سواء تم الاتفاق يوم الأحد على موعد للانتخابات المبكرة، أم على استمرار عمل الحكومة الحالية.

وأدى تضافر مجموعة من العوامل السياسية والقانونية إلى تحويل استقالة رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، ليبرمان، إلى وضع مصير الحكومة على الحافة. فبانسحابه تراجعت قاعدتها البرلمانية إلى 61 عضو «كنيست» من أصل 120. وهو ما يجعل مصيرها مرهوناً بموقف كل وزير على حدا، بل بكل عضو «كنيست» ينتمي إلى أحد أحزاب هذه الحكومة. ويتحول كل رئيس كتلة فيها، عبر الابتزاز، إلى رئيس إضافي منافس لبنيامين نتنياهو.
العامل الإضافي الذي شكّل الأرضية لاهتزاز الحكومة – وربما أيضاً إلى انتخابات مبكرة – هو استغلال رئيس «البيت اليهودي»، نفتالي بينت، للوضعية القانونية – البرلمانية للحكومة، بعد انسحاب ليبرمان منها، إضافة إلى نتائج العدوان على قطاع غزة، الذي تحوَّل إلى مادة اشتباك داخلي في الحكومة والشارع اليميني على حد سواء، عبر المطالبة بخلافة ليبرمان في منصب وزارة الأمن، محاولاً الضغط على نتنياهو عبر التلويح بالانسحاب من الحكومة الذي سوف يؤدي بالضرورة إلى إفقادها الغالبية البرلمانية، وتوفير غالبية في المعارضة لسن قانون حل «الكنيست» الذي يؤدي إلى إجراء انتخابات مبكرة.
في المقابل يبذل نتنياهو جهوده للمحافظة على الحكومة لأكثر من هدف. بعيداً من أي اعتبارات سياسية وحزبية، وقانونية، الأصل أن يسعى للبقاء في رئاسة الحكومة حتى تشرين الثاني من العام المقبل، حيث موعد الانتخابات العامة، وهو الموقف التقليدي الذي يسعى إليه بالحالة الطبيعية كل رئيس حكومة.
مع ذلك، يحرص نتنياهو على ألا يبدو أمام الجمهور اليميني كمن تسبّب بسقوط حكومة اليمين، بل يحاول استنفاذ كافة السبل للمحافظة عليها، لكن إصرار منافسيه ومحاولاتهم ابتزازه هو الذي أدى إلى إسقاطها، في حال سقطت. وعلى هذه الخلفية، يردد مقولة أنه ينبغي على معسكر اليمين أن لا يكرر خطأه التاريخي الذي تسبب بسقوط حكومة اليمين في العام 1992، وأدى إلى انتخابات مبكرة، ومن ثم صعود حزب العمل الذي عقد اتفاقية أوسلو.
ويهم نتنياهو كثيراً بأن لا يتصدّر الموقف من نتائج العدوان على غزة محور التجاذب الانتخابي. وهو بذلك يريد سلب ليبرمان ومنافسيه، هذه الورقة، على أمل بأن يساهم عامل الوقت في تهدئة النفوس، والسماح له بتبديد الصورة التي تشكلت في أعقاب الإعلان عن وقف النار. ويراهن أيضاً على أن يتمكن خلال الأشهر المقبلة، في حال استمرت الحكومة، من إعادة تصويب الاهتمامات الجماهيرية نحو عناوين أخرى. هذا بالإضافة إلى أن هناك العديد من الاستحقاقات الداخلية والخارجية التي تستوجب بقاء الحكومة، ولو لبضعة أشهر، بدءاً من انتخاب رئيس جديد لهيئة أركان الجيش، والاستعداد لمواجهة التحديات على الجبهة الشمالية إلى مواكبة التطورات الإقليمية. في المقابل، سوف يساهم الدفع نحو انتخابات مبكرة في ارتفاع منسوب المزايدات الانتخابية لدى كافة الأطراف، وفي كافة القضايا الداخلية والخارجية. واستناداً إلى تجارب سابقة، لا يتورع الكثير من المسؤولين في إدخال الاعتبارات الانتخابية في الموقف من قضايا تتصل بالأمن القومي. في المجريات التفصيلية، أكدت التقارير الإعلامية الإسرائيلية، على أن اللقاء الذي جمع نتنياهو وبينت، لبحث الأزمة التي نشبت في أعقاب استقالة ليبرمان، لم يؤد إلى أي اتفاق. وهو ما أدى انتشار موجة من التقارير على المواقع التي تتحدث، نقلاً عن مقربين من بينت، عن أن تل أبيب نحو تفكيك الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. هذه الأجواء دفعت نتنياهو إلى إصدار بيان مضاد اعتبر فيه أن «الإشاعات التي تفيد بأن القرار اتخذ لإجراء انتخابات مبكرة غير صحيح». وأكد أنه أخبر بينت بأنه سيحتفظ بحقيبة الأمن لنفسه، في ظل «التداعيات الحرجة التي تواجهها إسرائيل».


لكن من الواضح أن إصرار بينت على حقيبة الأمن، على قاعدة أن البديل منها هو الانسحاب من الحكومة يعني حكماً إما الخضوع لمطلبه أو سقوط الحكومة والذهاب نحو انتخابات مبكرة، إلا في حال توفير شبكة أمان لها، عبر دعمها من المعارضة، وهو أمر مستبعد كلياً لأن الجميع يريد ويدفع نحو إسقاط نتنياهو. وينقل مقربون عن رئيس الحكومة، أنه لا يرفض إسناد حقيبة الأمن لبينت، لكنه يود الحصول على موافقة شركائه في الائتلاف الحكومي. يأتي ذلك في ظل تقارير إعلامية أخرى، عن أن رئيس كتلة «كولانو»، موشيه كحلون، ورئيس حزب «شاس» أريه درعي، يسعيان إلى إجراء انتخابات مبكرة.
في كل الأحوال، يفترض أن يكون لقاء يوم غد الأحد بين نتنياهو وبقية رؤساء الكتل المشاركة في الحكومة، محطة مفصلية في تحديد مستقبل الحكومة والكنيست على حد سواء، التي ستكون مفتوحة على عدة سيناريوات: إما أن يتم الاتفاق على استمرار الحكومة بصيغتها الحالية إلى آخر عهدها وفق اتفاقات محدَّدة، أو أن يتم الاتفاق على تحديد موعد للانتخابات المبكرة، في العام المقبل. وإلى ذلك الحين تواصل الحكومة عملها، أو أن تنفجر الخلافات بين أطرافها وهو ما سيؤدي إلى طرح قانون لحل «الكنيست»، الذي يفترض أنه توافرت له في هذه الحالة، غالبية تسمح بالمصادقة عليه، ويتحدد في ضوئه موعد الانتخابات المبكرة.

المصدر: علي حيدر - الاخبار