لم يكن الرئيس نبيه برّي مرة في حال من التشاؤم كهذه الايام، عندما يُسأل عن المأزق الحكومي. في الغالب يُرسل - وإن في ظل تعثّر كامل - اشارات ايجابية واحياناً وهمية، ويوحي بأن الابواب ليست موصدة تماماً، حتى عندما تكون كذلك

يبدو رئيس مجلس النواب نبيه برّي الآن اقرب الى اليأس منه الى الشعور بأن ثمة مشكلة ناجمة عن تعذّر تأليف الحكومة، مع دخول التكليف شهره السابع اليوم.

في خلوته القصيرة - بالكاد عشر دقائق - مع رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، على هامش الاستقبال الرسمي في الاستقلال الخميس في قصر بعبدا، لم يسعه الخروج سوى بسوداوية مطبقة. تكلم الى الحريري عن الوضع الاقتصادي «الذي لم يعد يتحمّل مشكلة وزير بالناقص او وزير بالزايد»، فلم يلقَ جواباً. قال انه لن يسأل بعد الآن في هذا الموضوع.
لا يعثر رئيس المجلس على تباين في الموقف بين عون والحريري، وهما المعنيان مباشرة باصدار مراسيم الحكومة، ويلاحظ بأن المأزق عالق بين ما يرفضه الرئيس المكلف ويصرّ عليه النواب السنّة الستة. بذلك يكرّر تيقنه من ان المشكلة سياسية بين فريقين ينتميان الى الطائفة نفسها. ليس في وارد التدخّل، لكنه يرى ايضاً ان ليس ثمة فرصة للتوسط في ظل المواقف القاطعة: لا يريد الحريري اياً منهم في حكومته، ولا يتخلى هؤلاء عن التمسك بتوزير احدهم - من دون ان يسمّوه هم - ويرفضون الخوض في توزير مَن يمثّلهم.
عندما يُسأل برّي مجدداً يقول ان احداً من طرفي العقدة السنّية «لا يريد ان يتزحزح عن موقفه. كل منهما ينتظر الآخر كي يتراجع، وليس بينهما مَن يريد ان يتراجع».
يقول ايضاً: «القصة ميتة تماماً. اخشى انها ستطول». اذذاك لا يستبعد ان يجرجر التكليف الى ابعد من الشهر السابع.
للفور يقلب الصفحة. يسأل النائب علي بزّي، العائد من الفاتيكان في عداد الوفد النيابي مع المؤسسة المارونية للانتشار، عن حصيلة اللقاء بالبابا فرنسيس في 20 تشرين الثاني، ثم وزير خارجية الفاتيكان المونسنيور بول ريتشارد غالاغر في اليوم التالي. يقول بري عن الكرسي الرسولي انه «اهم مدرسة ديبلوماسية في العالم لانها الدولة الاكثر استقطاباً للمعلومات والمعرفة. كل الدول المهمة والفاعلة تدلي بدلوها فيها. انها كرسي الاعتراف السياسي».
في ما رواه بزّي لبرّي عن وقائع اللقاءين ان البابا فرنسيس تحدث امام الوفد الزائر عن «التقليد اللبناني» في العلاقات المسيحية - الاسلامية الذي هو «صلب كأرز لبنان»، قائلاً انه عنصر اساسي في التوازن الوطني.
في اجتماع الغداة، 21 تشرين الثاني، ارخى وزير خارجية الفاتيكان ظلالاً من التشاؤم على اوضاع المنطقة.


بعدما اصغى الى النواب اللبنانيين فرداً فرداً. اورد المعطيات الآتية:
«1- اعطاكم البابا البارحة رسالة امل وتسامح وتشجيع ومحبة، لكنني اود الآن التحدث معكم بواقعية. لن اروي لكم قصص اطفال. الوضع اللبناني غير سليم. في ما يتعلق بالنازحين السوريين، لن تحصل عودتهم لأن المجتمع الدولي برمته ضد هذه العودة في الوقت الحاضر. اذا اردتم المعالجة الفعلية لهذه المشكلة إذهبوا الى واشنطن. هذا الموضوع غير قابل للمناقشة في حساب المجتمع الدولي في الظرف الراهن.
2 - الرئيس السوري بشار الاسد سيبقى رئيساً الى وقت طويل، طويل للغاية. وهو يفضل ان يكون رئيساً لسوريا على شعب اقل عدداً مما كان عليه قبلاً.
3 - لا تقللوا من تأثير ايران ونفوذها في المنطقة، ويقتضي ان يُحسب حسابها.
4 - سارعوا الى معالجة مشاكلكم بعضكم مع بعض، لأن الوضع في المنطقة خطير. تنبهوا اليه كي يكون في وسعكم مواجهة التحديات المطروحة امامكم.
5 - نحن سنعمل كل ما في وسعنا لمساعدة لبنان. كي نكون واقعيين ليس بين ايدينا عصا سحرية.
6 - رسالتي اليكم كما ترون ليست مشجعة ومطمئنة. لكن علينا ان نعيش في العالم الواقعي الذي يكون احياناً مناقضاً لخياراتنا.
7 - ليست لدينا اشارة ايجابية من واشنطن وصولاً الى اي دولة اخرى في العالم حيال عودة النازحين السوريين الى بلادهم قبل التوصل الى الحل السياسي الانتقالي. هذا الحل في اعتقادي لن يحصل قريباً».
توقف رئيس المجلس امام الفقرة الاخيرة، قائلاً ان في وسع لبنان تجاوز هذه العقبة: «ما ان تتألف الحكومة الجديدة سنمضي قدماً في العودة الطوعية للنازحين السوريين الى بلادهم. هذا الامر اتفقت عليه مع رئيس الجمهورية. هناك تفاهم نهائي معه على العمل من اجل عودة هؤلاء الى سوريا من دون انتظار اي احد في الخارج. سنساعد اولئك الذين يريدون ان يرجعوا من تلقائهم وبإرادتهم، ونشجعهم. لكن ذلك يتطلّب اولاً حواراً مع سوريا وتنسيقاً، وهو ضروري، من اجل تأمين اعادتهم. من دون التفاهم مع سوريا واجراء محادثات مباشرة يعني اننا نترك النازحين هنا».

المصدر: نقولا ناصيف - الاخبار