حتى الثلث الأخير من آذار/ مارس المقبل، الموعد النهائي لإغلاق اللوائح وتسجيلها، يظلّ المشهد الانتخابي في إسرائيل سيّالاً وقابلاً للتحوّل، وهو الذي اتّسم منذ بدء تشكله بالانقسامات وتبدّل الولاءات. لكن، في ضوء المعطيات المتوافرة إلى الآن، يمكن الحديث عن ثلاث نتائج مرجّحة: أولاها أن «الليكود» سيحلّ أولاً في نتائج الانتخابات، لكنه لن يتمكّن من انتزاع حصة يستطيع من خلالها تأليف حكومة من دون عناء؛ إذ سيضطر إلى التفاوض مع مجموعات يمينية متباينة، أو الاقتران قسراً بالوسط ويسار الوسط. وثانيتها أن بنيامين نتنياهو، المحاصَر بالأزمات، والذي جاءت نتائج الانتخابات التمهيدية داخل حزبه (الليكود) في غير مصلحته، قد يُنترع منه الحق في تشكيل الحكومة، باستغلال لائحة الاتهام التي ستصدر بحقه قبيل موعد التصويت في نيسان/ أبريل. أما ثالثتها، فهي أن الأحزاب العربية، التي تخوض الاستحقاق، هي الأخرى متشظية، لن تقدر على حصد ما تأمله من مقاعد تمثيلية، وبالتالي فإن مفاعيل مشاركتها لن تكون أفضل حالاً مما أفرزته مشاركتها عام 2015، عندما دخلت السباق موحّدة، من دون أن يمنع ذلك الاحتلال من تصعيد سياساته العنصرية ضد عرب الـ 48، بل إنه بلغ بها أوجها بإقراره قانون «القومية اليهودية للدولة»

انتخابات «الليكود»: ورثة نتنياهو يتقدّمون

التجاذبات والانقسامات، تغيير الرايات والتشظي، ودخول شخصيات جديدة، وأحزاب أُسِّست للتوّ، وميدان المنافسة... كلها معطيات تشكل السمات العامة للمشهد السياسي الإسرائيلي في مرحلة التحضير لانتخابات الكنيست، المقرّر إجراؤها في 9 نيسان/ أبريل المقبل. وهي انتخاباتٌ تُعدّ عاملاً إقليمياً مستجداً يفرض نفسه على المنطقة وأطراف الصراع مع إسرائيل، وكذلك على أصدقائها، على رغم أن الانتخابات التشريعية في معظم الدول والكيانات تُعدّ شأناً داخلياً محضاً. أهمية الانتخابات الإسرائيلية تكمن في تأثيرها على توجهات القيادة السياسية وقراراتها، سواء في مرحلة التحضير للتصويت، أو أثناء إجرائه، وبطبيعة الحال بعد ظهور نتائجه، علماً أن لكل مرحلة من تلك المراحل خصوصيتها وإفرازاتها.

المفارقة هذه المرة أن الانتخابات التمهيدية في حزب «الليكود» تحديداً، صاحب الحظوة الأكبر في تشكيل الحكومة المقبلة، تحولت إلى محطة سياسية تحظى باهتمام المراقبين والمتابعين الإقليميين. مردّ ذلك أن أحد إفرازاتها أنها تنتج شخصيات لها حضورها ووزنها في الحزب، وقد تَخلف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، المتربّع على كرسي رئاسة الوزراء منذ عشر سنوات. هذا البعد، الذي يتجاوز في مفاعيله وتأثيراته الوضع الداخلي في إسرائيل إلى الإقليم، يأتي على خلفية الملف القضائي لنتنياهو، المفترض أن يكون مفتوحاً على كل الاحتمالات، بعدما أصبح مرجحاً ومن شبه المؤكد توجيه لائحة اتهام ضده في جرائم فساد ورشى، تجعل من خليفته في الحزب محطّ أنظار المتابعين.

تبدّى ذلك بوضوح عشية الانتخابات، وتحديداً في تركيز نتنياهو على محاربة الشخصية الأكثر خطراً عليه داخل «الليكود»، وهو الوزير السابق جدعون ساعر. إذ عمد نتنياهو إلى مهاجمة ساعر علناً، واتهامه بالتآمر عليه، في حملة هدفت إلى دفع ناخبي «الليكود» إلى الابتعاد عن تأييده وإسقاطه. بطبيعة الحال، لا تشكل المنافسة الداخلية خطراً على مكانة نتنياهو بوصفه الأول في اللائحة الانتخابية لـ«الليكود»، لكن في المقابل تحولت هذه الانتخابات إلى معركة لإسقاط ساعر ومنع تثبيت نفسه قطباً داخل الحزب. وقد جاءت النتيجة مخيّبة لنتنياهو، بعدما نجح ساعر في الحلول رابعا في مقدمة الفائزين، الى جانب خصمه الآخر يولي ادلشتاين اولا. كذلك، أظهرت انتخابات «الليكود» الداخلية تراجع «مَوْنة» نتنياهو على ناخبي الحزب، وهم عيّنة كبيرة جداً من الجمهور اليميني الأوسع، وكان من شأنها أن تكون كارثية عليه لو لم يكن ضامناً مكانته ـــ بلا خوض الانتخابات ـــ في المرتبة الأولى في اللائحة. التأييد الذي حصل عليه ساعر، على رغم التحريض على إسقاطه، يُعدّ إشارة سيئة لنتنياهو، ويصعّب عليه مهمة مواجهة لوائح الاتهام المرجّح أن تُعلن قبل إجراء انتخابات الكنيست، ما يشكل خطراً ليس عليه وحسب، بل أيضاً على «الليكود»؛ حيث من المتوقع ـــ بحسب ما أظهرت استطلاعات الرأي ـــ أن يخسر ما يقرب من أربعة مقاعد على خلفية الاتهام وبسببه.


في الموازاة، يعاني نتنياهو أيضاً من تشتّت المعسكر اليميني، الذي يسعى أقطابه إلى حصد المكاسب الشخصية على حساب التوجّهات العامة لليمين، ما دفع معظمهم إلى الانشقاق وتأليف أحزاب جديدة، كما حصل مع «البيت اليهودي» وانشقاقاته. يضاف إلى ذلك تبادل الاتهامات البينية باليسارية والاستكانة والابتعاد عن التشدد، كما يحصل مع وزير الأمن السابق ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، الأمر الذي يدفع الجميع إلى الدفاع عن أنفسهم بالجنوح أكثر نحو التطرف لكسب تأييد المستوطنين واليمين عامة، وإطلاق وعود يمينية من بينها وعد توطين أكثر من مليونَي مستوطن في الضفة الغربية. وعليه، يستجلب تبادل الاتهامات داخل اليمين، وتشظّي كياناته السياسية، خسارة مقاعد وخسارة كتلة كانت تفرض نفسها بقوة من خلال حجمها الكبير الموزّع على كيانات سياسية معدودة. ومن شأن ضعف التمثيل اليميني، بمعنى تفرّقه بين أحزاب تحوز كلّ منها أعداداً قليلة من المقاعد في الكنيست المقبل، إضعاف القوة والمكانة في القوس السياسي الإسرائيلي.
ومع أن التقدير لا يزال يدور حول تكليف «الليكود» مهمة تشكيل الحكومة المقبلة، لكونه سيحظى ـــ بحسب استطلاعات الرأي ـــ بعدد مقاعد أكبر مما ستناله اللوائح الأخرى، إلا أن مهمة تشكيل ائتلاف من مجموعات يمينية متشظية ومتباينة ستكون مهمة صعبة، وفي حال نجاحها سيكون الائتلاف هشاً ومعرّضاً لابتزاز أحزاب صغيرة فيه، وبالتالي لن يكون هناك استقرار سياسي. هذه المعضلة قد تدفع «الليكود» أيضاً إلى البحث عن ائتلاف أكثر استقراراً، وإن جاء نتيجة «زواج قسري» مع أحزاب الوسط أو حتى يسار الوسط، وهذا في حدّ ذاته مشكلة لا تقلّ صعوبة بالنسبة إلى الليكود. ومن شأن السيناريو المحتمل الأخير أن يدفع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق بني غانتس، وحزبه الجديد «حصانة لإسرائيل»، إلى الواجهة، مع شبه استقرار استطلاعات الرأي (حتى الآن) على كونه الحزب الثاني من حيث عدد المقاعد في الكنيست المقبل، بعد «الليكود».

تصميم سنان عيسى 


ولا تقلّ المعركة خارج اليمين أهمية وتأثيراً على المشهد السياسي المقبل. وكما هو الحال لدى اليمين، يعاني الوسط ويسار الوسط كذلك من «الأنا» وحبّ الريادة و«رؤوس» الأركان السابقين. فإضافة إلى غانتس، يتنافس أيضاً كلّ من موشيه يعلون على يمين الوسط (واليمين أيضاً)، وغابي أشكنازي على يسار الوسط، إضافة إلى حزب «العمل» الذي فرطت ائتلافاته السابقة وتقلّصت مكانته. مع ذلك، فإن من شأن عمليات الضم التي شهدها الوسط ويسار الوسط في الأيام الماضية، تغيير النتائج والتوقعات حولها، وذلك بناءً على فرضيات لم تعد مستبعدة كما كانت عليه قبل أسابيع، ما سيؤدي إلى تراجع نتائج «الليكود». التحالف بين «الحصانة لإسرائيل»، وحزب «يش عتيد» برئاسة وزير المالية الأسبق يائير لابيد (الوسط)، قد يكون سبباً في ذلك، خاصة مع إعلان التحالف مع الحزب الذي يرأسه يعالون، فيما لا يستبعد المراقبون احتمال ضمّ غانتس رئيس الأركان السابق غابي أشكنازي، الذي أعلن أنه لا يزال يدرس وجهته السياسية المقبلة.
في الإجمال، سيبقى المشهد الانتخابي الإسرائيلي في مرحلة ما قبل موعد تسجيل اللوائح بصورة نهائية، في الثلث الأخير من آذار/ مارس المقبل، سيّالاً في معظمه، من دون أن تتبلور أشكاله النهائية، مع إمكان قفز المرشحين والأحزاب ما بين المواقع والرايات، وكذلك استمرار عمليات «الضم والفرز» حتى الساعة الأخيرة من تسجيل اللوائح وإغلاقها. أما المؤامرة التي تحدث عنها نتنياهو، فهي مؤامرة يشترك فيها، كما قال، الرئيس الإسرائيلي رؤفين ريفلين، وخصمه في «الليكود» جدعون ساعر، ومؤدّاها أن الرئيس سيكلف ساعر تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، من دون التقيد بالعرف القائم على تكليف رئيس اللائحة الأكبر، وهو في هذه الحالة بنيامين نتنياهو؛ إذ يتيح القانون لرئيس الكيان تسمية وتكليف من يراه مناسباً وقادراً على التشكيل، من دون أي تقييد مسبق لرأيه وقراره. الواضح أن نتنياهو يعمل من الآن، استباقياً، كي يحول دون تمكّن ريفلين، الذي لا يجمعه به ودّ، من استغلال لائحة الاتهام المقبلة ضده، والتي يُتوقع أن تصدر قبل موعد الانتخابات، لتكليف غيره، ما يعني أن معركة التسمية والتكليف بدأت من الآن، وحتى قبل إجراء الانتخابات في نيسان المقبل. الواضح أن «الليكود» سيفوز في الانتخابات، وهو المرجّح إلى الآن، وتبعاً لذلك يحلّ حزب بني غانتس ثانياً، مع توزع المقاعد على عدد كبير من الأحزاب والائتلافات من اليمين والوسط واليسار. ما بقي من سيناريوات يظلّ سيالاً وغير محدد إلى الآن، سواء لجهة تكليف نتنياهو الذي لم يعد مُسلَّماً به بالمطلق، أو لجهة التوصل إلى ائتلاف يميني صرف أو حكومة ألوان سياسية متباينة.



بالَغوا في دعم نتنياهو… فخسروا مقاعدهم!
تشير النتائج النهائية للانتخابات التمهيدية في حزب «الليكود»، التي جرت أول من أمس، إلى فوز رئيس الكنيست الإسرائيلي، المعارض لرئيس الحزب بنيامين نتنياهو، يولي أدلشتاين، بالمرتبة الأولى، وحلوله في اللائحة بعد نتنياهو، الذي ظلّ على رأس القائمة بوصفه رئيساً للحزب. وفي المرتبة الثانية جاء وزير المواصلات يسرائيل كاتس، ليأتي ثالثاً وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان، ورابعاً أول خصوم نتنياهو الوزير السابق غدعون ساعر. أما في المرتبة الخامسة، فحلّت وزيرة الثقافة ميري ريغيف، ومن بعدها يؤاف غلانت، وياريف ليفين، ثم رئيس بلدية القدس السابق نير بركات، يليه غيلا غامليئيل. وفي المرتبة الأخيرة والعاشرة جاء الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الداخلي (الشاباك) آفي ديختر. كذلك، لحقت الخسارة بعدد من أقطاب «الليكود»، مِمَّن فشلوا في تأمين أصوات تمكّنهم من حجز مكان في اللائحة الانتخابية للحزب، ومن بين هؤلاء وزير الاتصالات أيوب قرا، والنائب يهودا غليك، والنائبة نافا بوكير، والنائب أورن حزان، والنائبة عانات باركو. واللافت أن عدداً من المرشحين الذين بالغوا في الدفاع والوقوف إلى جانب نتنياهو، لم يحقّقوا نتائج تكفل لهم نيل مرتبة في القائمة، مثل عضوَي الكنيست ميكي زوهر، ودافيد أمسالم.
وتوقف المعلقون الصحافيون، أمس، عند هوية الفائزين التي جاءت في أغلبها أشكنازية (يهود غربيون)، مع تمثيل ومشاركة نسائية ضعيفة. وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات ما يقارب 60%، أي ما يزيد على سبعين ألفاً من مجمل ناخبي «الليكود» الذين يحقّ لهم الانتخاب، والبالغ عددهم 120 ألفاً، وهي نسبة عالية قياساً بانتخابات تمهيدية سابقة.

المصدر: يحيى دبوق – الأخبار