يستمرّ «التعقّل» الإسرائيلي في التعامل مع غزة، رغم اللعب على حافة الهاوية. ومع صمت المقاومة «المفهوم» على قصف العدو؛ كونه ردّ فعل، فإن هذا لا يعني انتهاء المسألة، لأن شيئاً في واقع القطاع لم يتغير، وخاصة مع الغليان الشعبي المتنامي

غزة | توقف القصف الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة صباح أمس، بعدما بلغت الاتصالات المصرية والدولية مع فصائل المقاومة الفلسطينية أوجها، لتأكيد «ضبط النفس» من أجل ضمان استعادة الهدوء، عقب التصعيد الذي تلا قصف مدينة تل أبيب المحتلة. وعلمت «الأخبار» أن الوسطاء توصلوا إلى إلزام العدو الإسرائيلي بوقف القصف، بل والعودة إلى الهدوء واستمرار مباحثات التهدئة التي كانت قد وصلت الى «مراحل متقدمة» خلال الأسابيع الأخيرة، مقابل التزام فصائل المقاومة ــــ أمام المصريين تحديداً ــــ امتصاص الضربة الإسرائيلية.

جراء ذلك، وعد الوفد المصري باستئناف المباحثات خلال الأسبوع المقبل، والتقدم في ملفات جديدة لتحسين الواقع الإنساني والاقتصادي في غزة، على أن يشمل ذلك تحسين واقع الكهرباء وزيادة مساحة الصيد والسماح بالتصدير من القطاع، إضافة إلى انطلاق المشاريع الدولية. وبرغم القصف المكثف، فإن الوفد الذي طلب تأجيل فعاليات «مسيرات العودة» هذه الجمعة، أكد للفصائل أن المباحثات قائمة، وأن إسرائيل أكدت له استمرارها فيها. وفعلاً، استجابت «الهيئة الوطنية لمسيرات العودة»، وأعلنت إلغاء فعالياتها «استثنائياً»، مبررة قرارها بأنه جاء «تقديراً للمصلحة العامة، وحرصاً على أبناء الشعب الفلسطيني، واستعداداً لمليونية الأرض والعودة في الثلاثين من مارس الجاري».
في المقابل، جدد جيش العدو تحميله «حماس» المسؤولية عما حدث أول من أمس، إذ قال المتحدث باسم الجيش إن الحركة «ستواصل دفع الثمن باهظاً إذا فشلت في تطبيق مسؤوليتها عما يجري داخل القطاع»، قائلاً إن الجيش قابل إطلاق صواريخ على المدن الإسرائيلية بـ«رد قوي وضربات واسعة شملت نحو 100 هدف... نتائج الغارات تثبت نوعية الأهداف الواسعة الموجودة لدى الجيش». وبينما قصف العدو عدداً من المواقع العسكرية ومراكز التدريب، فإن قصفه الأبرز كان لمقرّ مرجعية الأسرى المبعدين في غزة، إذ تتهمهم إسرائيل بالمسؤولية عن إدارة ودعم عشرات العمليات في الضفة المحتلة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

كذلك، ادعى جيش العدو أن الفحص الميداني أثبت أن الصاروخين هما من طراز «فجر 5»، المُطوّر فلسطينياً باسم «m 75»، والذي تصنّعه «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، فيما قالت قناة تلفزيونية عبرية إن الحركة أبلغت المصريين أنها ستحاسب المسؤولين عن إطلاق الصواريخ، وهي تعمل على استجواب عدد من «المشتبه فيهم». وفي الوقت نفسه، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنه «تعزيزاً للتقويم الأولي، صواريخ حماس أُطلقت نتيجة لخطأ في التسليح والتجهيز».
ووفق مصادر مطلعة، أكدت «حماس» و«الجهاد الإسلامي» للوسيط المصري رفضهما تجاوز العدو الخطوط الحمر في ردّه على إطلاق الصاروخين، مُهدِّدتين بالتصعيد والرد إذا لم يوقف الجيش الإسرائيلي القصف. أما «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لـ«الجهاد»، فأعلنت، في بيان أمس، «رفع الجاهزية والنفير العام في صفوف مجاهديها للتصدي لهمجية الاحتلال الذي سيتحمل نتائج هذا العدوان، وذلك رغم استجابتها للجهود المصرية بشكل كبير»، مشيرة إلى أن العدو «فهم صمت المقاومة خطأ، وتمادى في عدوانه وبطشه ضد أبناء شعبنا ومقاومته، ولم تصله رسالة المقاومة جيداً».
لكن عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، موسى أبو مرزوق، ردّ في تغريدة على «تويتر» أمس، بالقول: «أحسنت كتائب القسام ببيانها المسؤول، وما كان هناك داعٍ لأحبتنا في سرايا القدس من بيانهم التصعيدي، وذلك لتفويت الفرصة على المتربصين بكل اتفاق، والذين يدفعون في اتجاه حرب ضد غزة بشراء ذمم واختراقات في صفوف المقاومة»، مضيفاً: «هذه الصواريخ السياسية التي أطلقت والوفد الأمني في غزة يجب أن تتوقف».
من جهة أخرى، فرّقت القوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في غزة، لليوم الثاني على التوالي، مسيرات خرجت احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية، فيما سجلت مراكز حقوقية وجمعيات صحافية اعتداء على حقوقيين وصحافيين خلال توثيقهم هجوم العناصر الأمنية على المتظاهرين. وكانت «الداخلية» قد أفرجت عن المعتقلين أول من أمس جراء القصف الإسرائيلي، على أن يعودوا إلى السجون بعد انتهاء التصعيد.
تعقيباً على ذلك، طالبت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، في بيان أمس، «حماس»، بـ«تغليب لغة العقل والانحياز إلى نبض الشارع، والتوقف عن ملاحقة وقمع المتظاهرين فوراً، والإفراج عن المعتقلين كافة على خلفية الرأي والتعبير، ومحاسبة كل من تورط بالاعتداء على المتظاهرين السلميين، وسحب الأجهزة الأمنية من الطرقات والساحات العامة». كما دعت الجبهة إلى «إجراء حوار وطني عاجل لبحث آليات تطويق الأزمة وطرقها لمنع انزلاق الأمور وتدهورها إلى مستويات خطيرة لا يمكن السيطرة عليها».

المصدر: هاني ابراهيم - الاخبار