تعاني منطقة خليج عمان اضطرابات أمنية شديدة وذلك على أثر استهداف 4 ناقلات نفط في ميناء الفجيرة بتاريخ 12/05/2019، تلاها استهداف ناقلتين قرب ميناء جاسك الإيراني في 13/06/2019، وتتهم كل من السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا إيران بالضلوع خلف هذه التهديدات والتوترات في المنطقة، وفي هذا السياق يقدّر مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية هذه الحوادث الأمنية ضمن إطار التهديدات المفتعلة من قبل حلفاء واشنطن لمواجهة إيران وشن حرب مشتركة شاملة عليها، حيث يتضح وجود تباين خطير بين موقف واشنطن من المواجهة العسكرية مع إيران، وبين موقف كل من السعودية والإمارات والكيان الإسرائيلي، حيث تسعى كل الدول الثلاث السابقة نحو افتعال أسباب عمل عسكري من خلال التهديدات الأمنية التي يتم التخطيط لها بعناية فائقة لجر واشنطن للحرب الشاملة ضد إيران على غرار حرب الغواصات النازية حيث استهدفت الغواصات الألمانية سفن الإمداد القادمة إلى بريطانيا في محاولة لقطع الإمداد عنها، وتسبب إغراق سفن أمريكية في دخول الولايات المتحدة الأمريكية للحرب العالمية الثانية إلى صالح دول الحلفاء، لكن بفارق بسيط عن الواقع الراهن، يكمن في أن حوادث خليج عمان منذ تفجير ناقلات النفط الأربع في ميناء الفجيرة الإماراتي، وبعدها استهداف سفينتين بطوربيدات وألغام ملصقة مسبقاً، يحمل بصمات لجهة صاحبة السوابق المماثلة من التوريط الاستخباراتي القذر، كالكيان الإسرائيلي الذي برع في مثل هذه العمليات كحادثة 08/07/1967 والتي استهدف فيها الكيان الإسرائيلي سفينة أمريكية “USS Liberty”، لجر واشنطن للحرب بعد اتهام مصر بالعملية، والتي تم كشفها من قبل الإدارة الأمريكية دون تحريك ساكن.

أسلوب التنفيذ وتوقيته الذي تزامن مع مغادرة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي من طهران بدون أي نتائج تذكر، ودقة الاستهداف مع العلم المسبق بوجود 11 مواطن روسي على أحد هاتين الناقلتين، لدفع موسكو نحو ردة فعل مضادة، وتعليق “يوتاكا كاتادا”، مالك ومشغل ناقلة كوكوكا، أحد البواخر المستهدفة أن تكون الألغام هي السبب، نافياً بذلك الرواية الأمريكية، حيث أكد على مشاهدة أجسام تشبه الطوربيدات تصطدم بالسفينة، وذلك وفقاً لتعليقه على موقع “The Mind Unleashed” الأمريكي للاخبار، يشير بشكل غير قابل للشك بدور غرفة العمليات الاستخباراتية العسكرية المشتركة (الإسرائيلية-السعودية-الإماراتية-الاستخبارات العسكرية الأمريكية)، والتي أثبتنا وجودها وطبيعة عملها في مقال ((الحرس الثوري الإيراني يراقب معركة إدلب من مطار طرابلس الليبي!!))،

 تلك الأطراف السابقة كانت تنتظر ردة فعل طهران على الرسالة الأمريكية  لممارسة أقصى أنواع الضغوط على البيت الأبيض والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووضعه تحت تبعات القفزات الفجائية لأسعار النفط، لجره إلى الحرب ضد طهران، ظناً منها أن الوقت يمر في صالح إيران وتطوير قنبلتها النووية، والذي يعني تزايد مخاطر وتكاليف العمل العسكري مع مرور الوقت،  حتى تصبح أمراً مستحيلاً، ويقوم منظور التكلفة ودور عامل الوقت في زيادتها  بالمقارنة بين تكاليف الوضع الراهن، والتكاليف التي تم تقديرها في عام 2012 عندما اقترح الكيان الإسرائيلي شن عملية عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية.

وفي آخر تقدير لتكلفة الحرب المباشرة ضد طهران والتي وصلت إلى 7 تريليونات دولار، بالإضافة إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تمنع دونالد ترامب وإدارته من تحقيق الحلم الأمريكي-الصهيوني بتدمير البرنامج النووي والبالستي الإيراني، لكن لا تمنع الحلم ذاته ومساعي تحقيقه كأهداف استراتيجية، حيث بدأت واشنطن بالتفكير بطريقة تخفيض تكاليف الحرب وضمان نتائجها، وعلى شاكلة سيناريو الغزو العراقي، ليس هناك أفضل من تقاسم هذه التكلفة على عدة دول فيما بينها تشترك بتوجيه ضربة ضد إيران، وتواجه إيران بالمقابل الكثير من الأعداء الأقوياء إلى درجة تصبح القدرة على إنهاء الحرب وضمان نتيجتها أمراً محسوماً، بمعنى آخر بناء تحالف دولي ضد إيران ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار العالمي من وجهة النظر الأمريكية.

هذا التحالف سيتم  تشكيله على مرحلتين، الأولى تتلخص في اتهام إيران دون تثبيت التهم بشكل مطلق، ثم الاتجاه نحو تشكيل قوة بحرية مشتركة بين واشنطن وحلفائها مهمتها حماية الاساطيل البحرية المدنية، ومن شأن ذلك أن يعزل وسيطرتها عن مياه الخليج، ويشدد الرقابة على ناقلاتها وحركة قواتها البحرية، بالتالي حصار دولي غير مباشر ضد إيران، وهي خطوة قد بدأت مناقشتها بالفعل، ويتم اقتراح المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة كجهة حيادية تقود هذه العملية.

أما الخطوة الثانية فتكمن في استجرار طهران لإبداء أي رد فعل ضد القوات البحرية المشتركة والتي تقودها أحد المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ليتم على الفور طلب جلسة طارئة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، والتي تتخذ قراراتها بأغلبية ثلثي الأعضاء، ولا يوجد فيتو فيها لأحد على عكس مجلس الأمن، وطرح عملية عسكرية ضد طهران تحت غطاء أممي شرعي، ما يعني أن الحوادث الأمنية في الخليج ستستمر حتى تشكيل القوة البحرية المشتركة لكن بوتيرة تتناسب مع جدية العواصم الحليفة لواشنطن ومدى تقييمها للمخاطر في المنطقة.

بالمحصلة ستنجح واشنطن بتشكيل القوة البحرية المشتركة، ولكن من الصعب جداً أن تنجح في تأمين غطاء أممي لأي ضربة ضد طهران، لذلك في حال إصرارها على استجرار الحرب سيترتب عليها تحمل التكلفة الباهظة هي وحلفائها، بحرب لن تقتصر حينها على المنشآت والبرامج الاستراتيجية العسكرية لإيران، وإنما تدمير إيران بالكامل أو خسارة الحرب بالكامل.

المصدر: مركز الدراسات والبحوث الأنتروستراتيجية