اليوم تحديداً وبعد خطاب سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لن يتميز أي محلل سياسي عن أي متابع أو مستمع جيد في فهمه لما طرحه السيد نصر الله من معادلات جديدة وقواعد اشتباك متحركة، وخطوط حُمر تمتد من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط وما بينها من خطوط اتصال الطول والعرض بين لبنان وفلسطين وسوريا.. وما بعد بعد بغداد وطهران وعواصم محور المقاومة الرسمية أو غير الرسمية.
تكرار ما قاله سماحته لن يفيد كثيراً على أهميته، فالأكيد أن العدو قبل الصديق قد استوعب كل جملة وفقرة وفصل من فصول الخطاب الذي امتد على مساحة زمنية محددة سلفاً ومضبوطة بمؤقت زمني، كان على الطاولة التي جلس إليها الأمين العام.
ولعل حركة عقارب هذا «الموقت-المنبه»، مرتبطة الى حد كبير بالنبض المتواصل من ارتدادات عملية «الدقائق» التي نفذتها المقاومة في مزارع شبعا، وهي محكومة بالدقة والمهنية والحرفية ذاتها، من لحظة انطلاق رجال المقاومة الى مهمتهم وعودتهم حتى اعتلاء سماحته منصة الخطاب واطلاقه المواقف التي ينبغي لـ «العدو» تدوينها حرفياً، بعد ترجمتها بدقة، للالتزام بها وإلا.. فليتحمل نتائج اخلاله بها، وعلى كافة الجبهات وفي مختلف الميادين، وبالأسلحة المناسبة.
فالتوقيت في «برامج» حزب الله (المقاومة الإسلامية) مسألة أساسية ومفصلية في قراراته وخياراته الاستراتيجية، وكل ما له علاقة بالأرقام، العلم الذي لا يقبل التأويل وهامش خطإه نسبياً ضئيل جداً، والشاهد على هذه المعادلة، أيضاً، موجود في نفس المسافة الزمنية بين عملية شبعا وخطاب سماحة السيد ومرتبط «ارتباطاً» سببياً بعملية القنيطرة العدوانية.
فسماحته أكد أن القرار كان محسوماً بالرد خلال ١٠ دقائق من اجتماع قيادة المقاومة، والعملية التي نفذت مطابقة في مدلولاتها لنتائج الأولى، استهدفوا سيارتين، فضربنا سيارتين اثنتين (وحبة مسك فارق الحساب مع احتساب فارق التوقيت)، والغارة نفذت ظهراً بين الـساعة ١١:٣٠ والـ ١١:٤٥، فنفذت الضربة بين الـ ١١:٢٥ والـ ١١:٣٥، مع أفضلية استباقية في زمن السرعة لصالح المقاومة، إذ أنجزت حِرَفياً قبل الـ ١١:٤٥، أي بتوقيت قياسي مقارنة بما خطط له، إذ تفوق المقاومون على أنفسهم وتدريبهم وخبرتهم كما في مرات عديدة سابقاً (بفضل التسديد الإلهي).
أما فارق العدد في النتائج فكما قال سماحته «منشوف شو منعمل فيها»، ولعله يقصد إما اعادة «الحساب» من جديد، أو اتمامه إن لم يعترف العدو بالعدد الصحيح الكامل.. فالحساب فُتح ولم يُقفل.
إذاً في حسابات المقاومة، للأرقام وزنها، وكذا كل مؤسسة عسكرية، ناجحة ودقيقة في عملها، إن كانت تتطلع لحصاد الانتصارات لا الخيبات والهزائم.
هكذا عودنا سماحته وقيادة المقاومة، فلا يمكن ولا يعقل بمنطوق التجربة والبرهان، وما خبرناه في عملهم أن تلتزم المقاومة محوراً لا يمكن لها تغطيته نارياً وبالوسائط التي تملكها، ولا يعقل أن يطلق قائد هذه المقاومة مواقف ومعادلات وقواعد اشتباك جديدة ما لم يكن متيقناً من أنه قادر على الإمساك بها من X إلى Y وما بينهما من مساحات كيلومترية قد تمتد جغرافياً من البحر الأبيض المتوسط الى البحر الأحمر وفي العمق من بر الشام الى باديته وما بينهما فلسطين.. القلب.
وبالعودة للأرقام العددية، فقدرة المقاومة على تنفيذ وعد «سماحة السيد»، بخوض أي حرب والانتصار فيها، تعني أن المقاومة قادرة على الاستمرار في الانشغال بما تقوم به في سوريا من صد للعدوان، والمحافظة على عديد قواتها المخصصة لصد أي عدوان اسرائيلي على جبهة الجنوب اللبناني، مضافاً إليها «الجبهة الجديدة» في مواجهة جيش لحد النصراوي الجديد في الجولان.
علماً أن الجميع بات يعلم بأن عديد وحدات المقاومة المنخرطة في مهامها القتالية في سوريا، وتلك المستنفرة على مدار الساعة في جهوزيتها على جبهة الجنوب، بات هناك ما يوازيه من المقاتلين غير المشغولين بأي مهام قتالية غير التدريب والتجهيز والاستعداد لرفد أي جبهة قد يفكر «أحدٌ ما» بفتحها على أي بقعة جغرافية موازية، ونحن هنا لا نتحدث عن وحدات «قوة الجليل» التي لها دور محدد لا علاقة له بأي من الوحدات الأخرى.
والمقاومة قادرة بكل تأكيد على إطلاق ما يكفي من الصواريخ باتجاه عمق فلسطين المحتلة، وهذه الصواريخ الموجودة لدى المقاومة منذ عدوان ٢٠٠٦، تبدأ بصاروخ «فاتح ١١٠» وتصل إلى طرازات تستطيع حمل رؤوس تفجيرية تزن طناً وما فوق، وبمديات تغطي شعاعاً دائرياً كاملاً فوق مساحة فلسطين .. وبعد.
إذاً، وبلغة الأرقام ذاتها التي تبتعد كل البعد عن «الإنشائية الخطابية»، ودون أن ندخل في مجال التكهنات، يكفي المقاومة الاعتماد على الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، المؤكد توفرها في مخازنها، وعلى الوحدات القتالية الموجودة حالياً على جهوزيتها، ومع ما تملكه من صواريخ مضادة للدروع أكد العدو استخدامها في عملية شبعا الأخيرة، خصوصاً صواريخ «كورنيت» من الجيل الرابع، وبالخبرة التي اكتسبتها خلال مشاركتها في القتال إلى جانب الجيش العربي السوري، وبعد الانجازات الميدانية الهائلة التي حققتها من القصير إلى الغوطة إلى حيث كانت وستكون، يمكن بكل تأكيد وبمقارنة بسيطة مع ما انجزته خلال عدوان ٢٠٠٦ بدون صواريخ فاتح ١١٠ وما فوق، وبدون صواريخ «كورنيت» الجيل الرابع .. وما بعد.. ومن دون الخبرات القتالية في الميدان السوري، يمكن لهذه المقاومة وبكل يقين تحقيق انتصار سريع وحاسم ومحقق وملحوظ ستتوجه برفع «الراية» فوق حصون كان العدو يظن أنها بمأمن من ضربات المقاومة واقتحاماتها.
وعندها فقط، سوف تخرج تل أبيب (إسرائيل) من طوق عقارب «عملية الدقائق» و«خطاب الساعة ونصف» وقواعده الجديدة.. إلى البحر..

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع