منذ عام ١٩٨٥، ومع الانسحاب الإسرائيلي من جزء كبير من الأراضي التي احتلها عام 1982، شخص نظام أولاد سعود المقاومة الاسلامية في لبنان كخطر حقيقي يجب كبح صعوده المتسارع، لأنه نقيض حركي للإسلام الأمريكي أثبت جدوى أسلوبه ومشروعية فكره. والآن صدر تعبير رسمي عن هذا التشخيص، من خلال وسمه بالمنظمة الإرهابية. فلا يراد للحركات الإسلامية أن تتحرك خارج الظل الأمريكي، إما أن تكون خانعة أو تكون طائفية تجنح لقتال الأخوة بدلاً من قتال العدو.
ففي منظار أولاد سعود فإن أي خروج من البوتقة الطائفية، كما فعل الحاج علاء في البوسنة وأخوته في دعم فلسطين وسائر حركات المقاومة الحقيقية، كنموذج على الفكر الإسلامي المنفتح والمرتكز إلى القيم الإنسانية، وأي تموضع على أساس الحق الإنساني والشرعي، هو بالنسبة لأنظمة التخلف العربي خطر وجودي، لأنه يقوض فكرها العنصري التكفيري.
خطورة محور المقاومة، في نظر أولاد سعود، هي في دعمه للشعب الفلسطيني المظلوم، حيث تنكسر الحدود الطائفية، وتبقى نافذة أمل للأمة، للعودة يوما" ما إلى التوحد في مواجهة أزماتها وتحدياتها، ولذا ينبغي كسر هذه الحالة بأي ثمن. ولذلك يتم تدمير سوريا منذ خمس سنوات، لأن وحدة الأمة تعني عزل الفكر العنصري السعودي وزوال المواد الحافظة له. إلا أن كل الجهود والأموال والدماء التي بذلت لم تستطع كسر إرادة هذا المحور وإخراج سوريا منه. والآن يبدأ التحضير عبر حصار إعلامي وسياسي عربي وخليجي للمقاومة في لبنان، لاستهدافها في الفترة القادمة.
ترتكز الحملة الحالية إلى مقولات طائفية عنصرية مصطنعة لا أساس لها من الصحة، ولا حقيقة لها، جرى تركيبها لانتاج هوية طائفية هي نتيجة إسقاط إعلامي هدفه حشد القدرة في مواجهات مصلحية اقليمية. أما في الحقيقة فهذه الهوية لا وجود حقيقياً لها، ولا تشكل جامعا" ثقافيا" ولا سياسيا"، ولا تحتوي دينامية داخلية تخدم المنضوين فيها، بل دينامية خارجية تثبت وجودها بشكل انتقائي مصطنع عند الحاجة.
توظيف الهوية الطائفية المصطنعة له هدف مضاف إلى مواجهة المقاومة، وهو اشغال الشعوب العربية بقضايا بعيدة كل البعد عن مصالحها، فهذه الشعوب اذا ما تركت لوحدها، أول ما ستفعله هو التخلص من قطبي العنصرية في الشرق، القومية في تل أبيب تقابلها عنصرية مذهبية في الرياض، حيث وجدت هذه العنصريات نفسها في العمق محكومة لمنطق التاريخ والجيوبوليتيك، ومدفوعة نحو التحالف في مواجهة أي حركة إنسانية عادلة ترفض أي تمايز أو استعلاء.
كنموذج على هذا التعليب المصطنع للهوية الطائفية، نقدم النموذج السوداني، فالسودان دولة حملت هوية طائفية واحتمت بها وتشرنقت داخلها، فابتلعها الحوت السعودي الصهيوني، لأنها فكرت بالاستقلال الاقتصادي ودعم المقاومة الفلسطينية، وبعد تمزيقها تم لفظها في صحراء المجاعة، والآن يتم تعليب هوية السودان الطائفية لتحشيد ابنائها مقابل بضعة دولارات لا تسمن ولا تغني من جوع. وكانت نتيجة الرضوخ للإسقاطات الإعلامية البدوية، أن خسر السودان استقلاله واقتصاده وموقفه المقاوم في آن.
تجربة المقاومة الفلسطينية هي الأخرى تؤكد أن الشرنقة الطائفية كذبة كبيرة، وفخ لأي حركة إنسانية عادلة، فأي تشرنق في نطاق إسقاطي وهمي هو كذب على الذات وقبول بانسياق نحو خديعة كبرى. وقد حاولت قطر والسعودية جر بعض الفصائل نحو تموضع طائفي، إلا أن النتيجة كانت أن وجدت هذه الفصائل نفسها منقادة إلى خارج نطاق الفعل المقاوم، فلم تجد بداً من العودة إلى محور المقاومة.
يعتبر البعض أن شعار الوحدة الإسلامية هو مدخل لاحتواء الأزمة الإسلامية المستشرية، غير أن شعار الوحدة نفسه هذا، سواء كان عربيا" أو إسلاميا"، هو سبب للحروب الدائرة حاليا"، فكلما أمعن المخلصون في استخدامه، كلما توترت أنظمة التخلف، التي تحكم من خلال مفهوم نقيض، مفهوم عنصري تفتيتي وفوضوي قائم على التفرقة ونشر الصراعات.
إن قتل أدوات التحفيز الطائفي في الميدان، من خلال طحن جماجم التكفيريين الفارغة، هو أكثر ما يثير العنصرية السعودية، فهو يفقدها استثمارها الاستراتيجي الاكبر، ويتركها عارية مع جيش الاستسلام الخاص بها، ولذلك كلما تهاوت مناطق سيطرة التكفيريين في سوريا، وانهارت معنوياتهم وبدأوا ينتظرون لحظة نهاية أحلام اليقظة التي زرعتها في مخيلتهم قناة الجزيرة، كلما رأينا السعودي يبحث عن مخرج يخلصه من الهزيمة والانهيار المحتم، فهو نظام لا يمكن أن يعيش في ظل أي حركة إنسانية أو نضالية حقيقية تطمح للتحرر من الاستعمار والتراث الفاسد.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع