محاكمة قاتل بشير بعد طول انتظار.. تقرأ هذه الكلمات وتكتفي بها، فتفاصيل الخبر ساقطة بسقوط العنوان وتفاهة مقدمته.. من بشير القتيل؟ عميل برتبة "رئيس جمهورية" او رئيس اعتلى الحكم برتبة عميل.. لا فرق. فالالقاب والمناصب لا تغيّر من واقع العمالة شيئا. اما القاتل، فهو بطل من بلادنا، بطلٌ نفّذ حكما عادلا واعدم عميلا.. وفي تراثنا وثقافتنا اعدام العميل مكرمة.. واكثر!
منطق الأمور أن الدول تعدم أو تعاقب بالسجن مدى الحياة، أو على الأقل بالسجن لبضع سنين كل من اتهم بالعمالة أو خيانة الوطن. لكن فصاما ما اجهز فيما يبدو على اولوية المنطق الوطني مستكملا الاحكام المخففة التي حكم بها العدل على ما تيسّر من العملاء فظلم بذلك كل قلب وكل بيت عانى ما عاناه من بطش العملاء ونذالتهم..
هذه السياسة التي مهدت لأصوات يوما تطالب بعودة العملاء الفارين الى فلسطين المحتلة واللاجئين الى حماية مشغلهم الصهيوني، ويوما ترثي العميل انطوان لحد وتطالب بمدفن له في لبنان.
اذن، حبيب الشرتوني، الفارس البطل الى المحاكمة بتهمة اغتيال بشير الجميل العميل فيما يسرح قاتل الرئيس رشيد كرامي، القامة الوطنية الكبيرة، ويمرح متباهيا بالدم الذي لا زال يسيل من خطابه الكريه..
البطل الذي نفذ حكم الاحرار بعميل وجب رمي جيفته بعيدا عن ارضنا الى المحاكمة، فيما ما زال بيننا من يسمي العملاء "مبعدين" ولا يجد من بردعه..
هي مهزلة ربما، او هي حتما كذلك. مهزلة من انقسام وطني بلغ اوجه حتى في النظر الى المسلمات، البديهيات التاريخية. ببساطة، وبموضوعية، دعونا نسأل فرنسا، أم الديمقراطية و"ام الدولة اللبنانية الحنون"، ونسأل الفرنسيين عن كيفية تعاطيهم مع خونة فرنسا.. او لنسأل الاميريكيين، اصحاب المناهج المستحدثة في تعليم الديمقراطية والتبشير بها حول العالم، كيف يعاقبون العميل الذي يخونهم، سواء كان اميريكيا مثلهم او مرتزقا عربيا.
حبيب الشرتوني، القومي العربي الوطني البطل، ليس قاتلا.. ومجرد القبول بخوض النقاش حول تسمية اغتياله لذاك الجاسوس جريمة هو خيانة وطنية، لا سيما في ارض تنضح بدم شهدائها وتفيض به..
ومسدس حبيب الشرتوني، طلقاته، زناده، وجب ان يكون له صدر المتحف الوطني.. لأن هذا المسدس هو صورة جميلة عن تاريخنا.. عن بلاد تلفظ حتى اسماء العملاء من نسيجها الاجتماعي.. وتأبى ان يكون بين ناسها متعامل او جاسوس او حتى صاحب موقف محايد من العداء للصهاينة.
لكن، من مساوىء الدهر، ان جعل بيننا من ما زال يناقش في العمالة على انها وجهة نظر، وان يكون علينا، تحت شعارات فارغة كالوحدة الوطنية والعيش المشترك.. ان نشاهد صور بشير الجميل تزين شاشات التلفزة.
لنتذكر في كل لحظة وعند كل مفترق، ان خائنا من بين خونة كثر قد لقي مصيرا عادلا على يد بطل اسمه حبيب الشرتوني.. فيما بقي الف بشير آخر بدون حبيب..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع