كتب حبر الدّم يوما نصر الجنوب، فكانت الصفحة التي عنوانها ان زمن الهزائم قد ولّى. سبحة الانتصارات كرّت، والآن حلب. سطّرت للتاريخ حصّتها من العزّ وارتفعت، بهيّة رغم الخراب، عزيزة رغم الجروح، وقوية، كما الصمود، كما الايدي القابضة على الزناد لا تستكين حتى يرتفع النصر راية من ياسمين ومجد، تلوّح للقلوب الشاخصة الى هناك فتردّ القلوب التحية، بعد انتظار.
 
توالت اخبار النصر الذي اصبح قاب قوسين او ادنى من الاكتمال. تلقفتها القلوب قبل المسامع. عادت بنا الفرحة الى عام ٢٠٠٠، يوم كان الجنوب يخرج من بين انياب الاحتلال حرا.. يوم كتب بالدم على مداخل ارضه "ادخلوها بسلام آمنين".. سرقت حلب النوم من عيون الناس خبرا تلو خبر.. فأرض المعركة الكبرى المزدانة بالشهداء من ابطال حزب الله وبواسل الجيش العربي السوري غدت محط ارواح كل الاحرار.. هناك حيث عاثت عصابات الوهابية في الارض تكفيرا وقتلا وفسادا، واندحرت، كما يندحر كل محتلّ..
 
كانت الرسائل الواردة من حلب تبشّر بالنّصر حتّى في اكثر ساعات المعركة ضراوة، ليس لعلم مرسليها بالغيب، انما لثقتهم بأن سلاح الحق لا يُهزم..
وكنا نتلقاها بأمل كبير لا يخفي القلق لما لهذه المعركة من تأثير كبير على مستقبل المنطقة برمّتها. كنا ننتظر انتهاء مخاض التحرير بخجل كبير ربما وبلهفة لا شيء يشبهها، لهفة تود لو تعتذر عن بقائنا في بيوتنا آمنين فيما البواسل الابطال يصارعون القتلة بقلوب من بارود، ووجوه مستبشرة.
 
ثم اتت البشرى على صفحات تلك الوجوه. وانعكست في كلمات الناس فرحا لا يجد في الابجدية احرفا يصيغ بها قولا يليق بكل التضحيات التي بُذلت، عرقا وجهدا وصمودا ودما. انعكست في ردود الفعل هنا، تهانيَ وتبريكات، يتبادلها المحبون من اهالي المقاومين وجيرانهم، من اهل هذه الارض التي تعرف ان الدم نور وحق، لأنه دم الاحرار في مواجهة طغيان التكفير المصدّر الى شامنا بتحريض وسعي سلالة ملعونة من ملوك الرمال.. 
 
هذا النصر انعكس ايضا تجهما في الوجوه المرتهنة لدى آل سعود والنفوس المرتبطة بالعمالة للصهاينة، هوىً وقولا وفعالاً.. فهبوا الى ساحات العالم الافتراضي، يعبّرون عن سخطهم تارة وطورا يشككون بالنصر القادم من حلب.. او يستبيحون عقول جمهورهم برفع شعارات فارغة من مضامين الإنسانية. ساعة يتباكون على احجار المدينة وطورا يدعون ان ناسها في خطر، متجاهلين، غباء او تعمية، ان الخطر الحقيقي قد زال او كاد يزول منها وما بقي الا الخطر عليهم وعلى مشغليهم والذي  يكمن في تحرير العزيزة الشامخة من رجس آل سعود سواء اختارت اسم داعش او النصرة او الحر او مهما كان..
 
فالاسماء صنعة تجميلية احيانا، مهما اختلفت لا تخفي حقيقة الوجه السعودي والايدي الصهيونية عن عيون تعرف بوصلة سلاحها وتقاوم، تقاوم الى حدّ النّصر!
هو يوم للفرح، لدموع اللهفة التي كساها الانتظار بغيمات تتكدس ولا تنهمر الا حين اعلان النصر.. هو يوم يقف فيه اهالي الشهداء بالورد وبالفخر ليقولوا لنا "هذا ما صنعه لكم ابناؤنا.. هذا النصر هو صبر لا يشبهه صبر" ثم يشيرون ناحية الشام، يخبروننا والضحكة تغتسل بالشوق وبضوء العيون "هناك اكباد لنا قاتلت، وعادت منتصرة". 
 
هو يوم العرس في بيوت ربّت رجالا من شمس، ويوم العرس في قلوب تعرف ان ابواب التحرير التي تتفتح وردا في حلب سترسم عبورا الى الحرية الكاملة، لتعود سوريا، كما عاد الجنوب والضاحية بعد حرب، اجمل مما كانت..
 
هذه الكلمات نخطها تحية تنحني عند عتبات البيوت والعائلات التي منها خرج الابطال في الجيش العربي السوري، فخر العرب، ورجال الشمس في حزب الله. بكم نبني الغد الأحلى، بكم نمضي وننتصر.
 

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع