مرّ النهار، وما زال خبر استشهادك يتوهج في العين، دمعا من خجل، حزنا من اعتزاز، ويقينا بأن ارضاً تنجب رجلا من طينتك، مقاتلا من اول كلمة حتى آخر طلقة، باسلَ الاسم والمسمى، لن يدوم فيها طغاة. 

قد وصلتَ السماء الان محملا بسلامات كثيرة ورائحة البلاد، مضرجا بدمك الناصع طهرا، حرا، كما كنت دوما، كما تمنينا ان نكون، كاتبا كما ابدعت، وكما تمنينا ان نحاذي سطوة قلمك الذي كتبها، فلسطين حرة، فلسطين ولّادة، فكنت جسد كلماتك وكنت الوليد البار وكنت الشهيد.
ها هو اسمك وشم في سمائها، قطرة ندى على زهر ليمونها، عقدة في جذوع زيتونها. به وقّعت مقالك الاخير، وكان النص دمك والقلم بندقية والرصاص، الرصاص يا باسل اقوى الشعارات واصدقها، ايها الصادق حدّ الاستشهاد.
ها انت، قاومت بكل ما اوتيت من وعي ومن قوة ومن عشق ومن بسالة، ومضيت الى حيث سبقك امثالك، فيما نحدق بكم نجوما لا تنطفىء، تضيء الطريق، ترسم خرائط التحرير، تفكك شيفرات القتال العنيد، وتصير الدليل الحي الحقيقي ان لا حجة للتفاوض ولا للرضوخ، طالما الزند المقاتل لا يخشى ثقل بندقية.
باسل الاعرج، الان الان، انت ترانا فيما نحتار اي المشاعر فينا اقوى: الغضب ام الحزن، الفخر ام الوجع؟ ترانا اذ نعيد قراءة وصيتك بصوت عال نحاول ان نلمس في خط يدك شيئا من قوة تلك اليد التي اجادت الكتابة حد الاشتباك، وانتصرت.
وترانا فيما نحاول ان نجد من بين الكلمات صفة تقارب بريق عينيك كلما كنت تكتب فلسطين، او فعلا يحاكي نبضك فيما كنت تخوض المعركة التي لا تنتهي الا بانتصار.
مضى النهار الذي كتبت فيه توقيعك الاخير عنوانا لايامنا، ومضيت الى ثرى البلد المقدس شاهرا وعيك، مسلحا بثقافتك التي عرت زيف «مثقفي المقاهي»، مترجما كل ما اختزنه عقلك الجميل بطلقات تقاوم، تشتبك، فاسقطت كل اقنعة رواد القضية من باب الكلمات والشعارات.
هناك تقيم الان، مزهوا بما فعلت، منتصرا في جمع المنتصرين، ولا بد تخبرهم عن اخر المستجدات، وتضم شهداء فلسطين واحدا واحدا، الفلسطينيين بالهوى وليس حصرا بالهوية، تسأل عن الشهيدة «اشرقت» وعن اخيها هادي نصر الله، تعانق سمير القنطار وتبلغه سلامات الحب من ارض فلسطين، تقترب من محمد عودة وتضمه وتخبره: ها حجرك في وجه الدبابة ازهر، تلتفت الى عماد مغنية ضاحكا: انا هنا، تهرع الى غسان كنفاني وناجي العلي، تخبرهما عن اقلامهما الحاضرة في كل يوم، ستطول سهرتك كيما يتسنى لك ان تسلم عليهم جميعا.. وما اكثرهم.. شهداء فلسطين.. المرتفعة اسماؤهم من ارض الجنوب الى دور الشام، المتحلقة حول الارض المحتلة كضلوع تعرف ان القلب فلسطين، وان النبض ان لم يستحل طلقة في صدر المحتل فلا حياة له ولا حرية.
باسل، والدك اليوم تباهى بك، كما اهالي الشهداء. جعل الحزن ذخيرة عزّ وما انحنى. والبلد اليوم تسابقت بيوتها لتكون بيوت عرس شهادتك على امتداد الارض العربية والقلوب العربية، فصنعت الفارق الواضح الظاهر بين عربي ومستعرب، باسل الروح والكلمة. مضى النهار، وما زالت العين تتلمس صورة بندقية، كانت يدك حتى اخر طلقة تمسكها.

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع