يكفي لأن يكون أحدهم ذا أنامل نحيلة تلوّح في الهواء، تخدش الجلد كعود ثقاب، كي ينزلق الرعب إلى أسنان الغاصب، التي ما تلبث أن تصطكّ حتى يتحول الأمر إلى أزيز رصاص لئيم . 

 
باسل الأعرج، الشاب الثلاثيني، "الصّيدلاني" المُطبب لشتى جراح القضية، المتمم بين جميع اطرافها، حيناً يترك كتابه على طاولة بعد جلسة ثقافية يتحدث فيها واثقاً ضاحكاً، تنساب منه الكلمات لاسعة ولطيفة في آن واحد، كي يستخدم ذات العبارات عملياً في شوارع المواجهات، وحيناً يقصّ على المارة تاريخهم، يهزهم من بين أكتافهم، يوقظهم.
 
عذابه مع سجون السلطة وعذاب السكري الذي كان ينال من جسده هناك، جعل من عينيه الذائبتين خلف النظارات التي أجهزت عليها أجهزة أوسلو، بصيرة بعيدة المدى، بسط أمام الجميع الأسئلة وارتقى لأرقى من شهيد، واشرس من مقاتل، ساق الفجر ليعرّي عيوب الكثير، وضعنا وجهاً لوجه مع معادلة قيّمة "رصاص الاقلام يساوي رصاص البنادق".
 
من يعرف باسل يعرف أن كل ما به يضحك، أنه استجابة لاستفهام الشهيد غسان كنفاني (ما تبقى لكم ...). ما تبقى لنا هو النظر الحاد للدرب الذي رسمه في شخصية فذة، شخصية المثقف الذي يمتشق كتابه في اليمنى، وبندقية في اليسرى .
 
أثناء زيارتهِ للبنان أدلى بقرائته للوضع الفلسطيني مؤكداً أن ثورة قريبة ستشبّ، و هذا ما ترجمته انتفاضة القدس الأخيرة، التي حدثت تماماً كما وصفها، لكن أحداً لم ينتبه للرموز المرعبة التي قالها "لكنني قد لا أكون آنذاك"، أي في التحرير، نعم كان رعباً حقيقياً يتمشى على قدميه بالنسبة للاحتلال.
 
"عش نيصاً ومت كالبرغوث"، لكنه عاش حراً ومات كالأسود، ذهب كالزلزال، كألف كتيبة مدرعة، راسماً دربه الباسل، رغم كل ما هو "أعرج"، حين قال له الخوف هيتَ لك قال للخوف هيهات.

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع