{خلق الإنسان علّمه البيان }، هذا ليس شعراً، بل من القرآن. 

لقد خلق الله تعالى الإنسان ليس عقلاً محضاً، بل في خلقه ما يُعجِز الإنسان بذاته عن الوصف، فيه من القابليّات والإبداع ما لا يقف عند حدّ، فالإنسان ليس آلةً تحكمها الأنظمة، فاقدة للشّعور والابتكار تماماً كجمادٍ متحرّك. 

ثمّ الفنّ، آلة التّعبير، ومَن منّا لم يسمع بهذا التّعريف، فهو يختصر الإبداعات البشريّة الصّادرة من عمق العاطفة والوجود البشريّ بشقَّيه المتكامل والمتسافل، فقد يُحرّف الفنّ عن مساره التّكامليّ ليصبح هبوطاً حرّاً في أودية الجهل. 

وحاجتنا اليوم للحديث عن أحد فروع الفنّ وهو الشّعر، آلة التّعبير بلغة الموسيقى اللّفظيّة، ليس لِنَظم قصيدة المدح لهذا الفنّ بل لأثر هذا الفنّ في الإنسان، فالإسلام دينُنا، لم يدَع ذرّةً من عالم الوجود دون إحاطة ولكن يبقى لأذهاننا القصور عن إدراك المقصَد. 

فإذا كان الشّعر انحطاطاً للفكر والإنسانيّة فأنّى له أن يكون فنّاً مبدعاً وخلّاقاً؟

 “شاعر الثّورة صاحب هويّة، وهو في الواقع المتصدّي والمباشر وصاحب الميدان قي قول كلمة الثّورة الإسلاميّة، وهذا ما يجب حفظه. يجب أن لا نقع تحت تأثير بعض الاضطرابات النّاتجة عن تألّم الشّاعر بسبب مشكلةٍ ما،  قضيّةٍ ما، بسبب شيءٍ ما..يجب أن لا تتغلّب هذه الآلام على القضيّة الأساس للثّورة، على تلك الهويّة الأساس للثّورة “.الإمام القائد (دام ظلّه). 

فنَظمُ الشّعر وابتكار أساليب المدح والرّثاء و... عندنا ليس شُغل البطّالين ومجالس السّوق، فهو برأي قائدنا المفدّى عملٌ يضاهي خوض المعارك ونيل الشّهادة في ساحات الجهاد، فالمدّاحون والشّعراء لا يمكن أن يُستهان بالأثر الّذي يصنعونه في النّفوس، فإمّا شحذاً للهمم وبيان المعارف الحقّة، أو تثبيطاً للعزائم وتضييعا البوصلة. 

وهنا يشير سماحته (دام ظلّه) :” أؤكّد هنا أنّ تأثير الشّعر الّذي تنشدونه بأصواتكم الرّخيمة وألحانكم الجميلة هو في الكثير من الموارد أكبر من حديثٍ علميٍّ منطقيٍّ فلسفيٍّ أو غير فلسفيّ. لو أنّ ما يُقرأ يتمّ اختياره بشكلٍ صحيحٍ وتراعى فيه الجهات الصّوَريّة والمعنويّة، الجهات الصّوَريّة هي جماليّة الشّعر، ويجب اختيار الشّعر بشكلٍ صحيحٍ وجيّدٍ، فإنَ الشّعر يُعَدّ أحد النّماذج البارزة للفنّ”. 

فلو أنّ خطيباً قام في النّاس يُنشِدُ الشّعر بأسلوبٍ جميلٍ، فكأنّه ينسِج على القلوب نسيج المعرفة والانجذاب نحو النّور، فإنّه يصنع الأثر في النّفوس بمسامع القلب وليس الأذُن فقط، طبعاً حديثنا عن شاعر الثّورة، شاعر الحقّ، شاعر المعارف الإلهيّة الحقّة. 

يضيف سماحة القائد (دام ظلّه):” بالطّبع عندما ينظر الإنسان أو المرء إلى تاريخ الشّعر يرى أنّ شعراءنا لم يعملوا بهذا الالتزام والإحتياط بالنّسبة لهذا الأمر عبر التّاريخ، أي أنّهم نثروا هذا الجوهر الفريد -وبتعبير ناصر خسرو الدرّ الدرّي (الفارسي)-تحت أقدام الخنازير، فتشدّقوا بالمدح والكلام الفارغ، واستخدمه بعضهم أيضاً في معانٍ متدنية عاطفيّة وشهوانيّة. وقد كانت هذه في الواقع إسرافاً، استخداماً للقريحة الشّعريّة في غير محلّها وموردها “. 

يبقى الشّعرُ ويرحل صاحبه، والأثر معجم الأفكار وشخصيّة الرّاحل. فقد حَفيَ التّاريخ بشعراء خُلّدَت آثارهم لأنّهم بَنَوا بحقّ أبيات قصائدهم من نسيج المعرفة والتّكامل، وكثيرٌ غيرهم حين تقابل الجيشان، انهزَمت العقول تحت قعقعة السّيوف وبريق المال، فشهروا القصائد بألفاظ السّفالة، لتبقى الشّاهد على الهزيمة وانحراف المسلك، فلا بدّ من سبيل حقٍّ يُتَّبَع !!!. 

يقول سماحة القائد (دام ظلّه) :” لهذا فإنّ التّعرّف إلى القرآن والحديث هو وصيّتنا للجميع، لكن مبلّغي الدّين وشريحة المدّاحين هم بالطّبع مختصّون بهذا الخطاب. يجب أن يأنسوا بالقرآن. فاحرصوا على قراءة القرآن، واقرأوه بالالتفات إلى التّرجمة واحفظوا هذه التّرجمة. دوّنوا الآيات الّتي تنطوي على نصيحة وتتضمّن معرفة ما ويفهمها الإنسان وسجّلوها واستفيدوا منها واذكروها واعملوا بها وكذلك الأمر بالنّسبة للحديث “. 

عندما يكون الهدف الرّقيّ والتّكامل، فحتّى لو كان الشّاعر غير مسلم، فإنّ قراءة القرآن والاستفادة من هذا النّور أمرٌ متاحٌ بل ومبارك، فإنّ الأساس هو المعرفة الّتي بها يُعبَد الله ويسمو الإنسان إنساناً بحقيقة الاعتقاد. ليس الدّافع هنا أن نُعرّف الدّين بالشّعر، ولكن حقيقةً فإنّ الشّعر يسمو بالدّين، وهذا في ميزان التفاضل، فكثيرة هي قصائد الغزل والشّعر الإباحيّ، إلّا أنّ حدودها إمّا يأس ذاك المنهزم أمام شهواته، ووحدته وانعزاله عن عالَمِه، أو هلاك أمّةٍ بجهل شُعرائها. أمّا قصائد العشق فهي من طينةٍ أخرى، حيث معراج القارئ أو السّامع في فَلَك المعرفة، هذا العشق المقدّس الّذي حفِظَ كلّه من سفاهة المتلوّنين بَقيَ الملهم للشّعراء والمدّاحين المتألّقين، فأبدعوا في فنّهم وسمَوا بسموّه، وألحَقوا أُمماً وأجيالاً بذاك الأُفق الرّحب المتعالي، هكذا قرأوا القرآن والحديث، هكذا أدركوا النّفس الإنسانيّة المتسامية، فأصبحوا قادةً وسادةً. 

يقول سماحة القائد (دام ظلّه) :” إنّ الملحمة الّتي يشهدها الدّفاع المقدّس، والدّافع الّذي أدّى إلى حصولها والأحداث التّفصيليّة الّتي جرت خلال هذه الفترة، هي أمورٌ لا يمكن أن تنتهي خلال عشر أو خمس عشرة أو عشرين سنة. أنتم إحدى المجموعات المؤتمنة، يجب أن تحفظوا هذه الأمانة ويجب أن تنقلوها”. 

هكذا سيبقى الشّعر جديداً وحافظاً للموروث، شعر الثّورة سيصنع تاريخاً لملاحم الثّورة وسيسمو بها. فهذه المعنويّات الّتي يمنحها هذا الفنّ للنّفوس الطّامحة لا يمكن الاستخفاف بها، فالشّعر لغة الحركة واستثارة القلوب بما يحويه من موسيقى اللّفظ والتّعبير دون أداة. 

فبحقٍّ نقول إنّ هذه الثّورة المباركة لم تكن ثورة الجند والعسكر في ساحات القتال فحسب، بل ستبقى ثورة الإنسان في ساحات النّفس بكلا البعدين الماديّ والمعنويّ، والفنّ وبالتّحديد الشّعر، إحدى هذه السّاحات، فالشّعر لا يسمو من غير مُلهِمٍ ودافع ٍ، وهل أعظم من ثورة النّور دافعاً، والثّورة لا تخلُد من غير مجدّدٍ واعٍ وبارعٍ، وهل أعظم من مدّاحٍ وشاعر؟

المصدر: شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع