نشر «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» (سيبري) تقريرًا يسلِّط الضوء على زيادة الإنفاق العسكري العالمي، وتخطيه عتبة التريليوني دولار للمرة الأولى، حسبما يظهر في الرسم البياني التالي الذي يرصد حجم الإنفاق العسكري العالمي، حسب المنطقة، ما بين عامي 1988 و2021:
يراقب المعهد تطور الإنفاق العسكري (والذي يُقصد به كل ما تنفقه الحكومات على الأنشطة العسكرية، وليس شراء الأسلحة فقط) حول العالم، ويذكر في بداية تقريره أن إجمالي الإنفاق العسكري العالمي ارتفع بنسبة 0.7% بالقيمة الحقيقية في عام 2021، ليصل إلى 2113 مليار دولار.
وكانت أكثر خمس دول إنفاقًا على الأنشطة العسكرية في عام 2021 هي: الولايات المتحدة والصين والهند والمملكة المتحدة وروسيا؛ إذ شكلوا مجتمعين 62% من الإنفاق العسكري، وفقًا للبيانات الجديدة التي نشرها معهد ستوكهولم حول الإنفاق العسكري العالمي.
مستوى قياسيٌّ من الإنفاق العسكري في السنة الثانية من الجائحة
وذكر المعهد أن الإنفاق العسكري العالمي واصل نموه في عام 2021، وبلغ أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2.1 تريليونات دولار، وكانت هذه هي السنة السابعة على التوالي التي يرتفع فيها الإنفاق.
وقال الدكتور دييجو لوبيز دا سيلفا، وهو باحث أول في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة التابع لمعهد «سيبري»: «حتى في خضم التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، وصل الإنفاق العسكري العالمي إلى مستويات قياسية»، وأضاف: «كان هناك تباطؤ في معدل النمو بالقيمة الحقيقية بسبب التضخم، ولكن من حيث القيمة الاسمية، نما الإنفاق العسكري بنسبة 6.1%».
نتيجةً للانتعاش الاقتصادي الحاد في عام 2021، انخفض عبء الإنفاق العسكري العالمي – الإنفاق العسكري العالمي بوصفه حصةً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي – بمقدار 0.1 نقطة مئوية، من 2.3% في عام 2020 إلى 2.2% في عام 2021.
محور تركيز الولايات المتحدة: البحث والتطوير العسكري
وأوضح التقرير أن الإنفاق العسكري الأمريكي بلغ 801 مليار دولار في عام 2021، بانخفاض 1.4% عن عام 2020، وانخفض عبء الإنفاق العسكري الأمريكي انخفاضًا طفيفًا من 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى 3.5% في عام 2021.
وارتفع التمويل الأمريكي للبحث والتطوير العسكري بنسبة 24% بين عامي 2012 و 2021، بينما انخفض تمويل مشتريات الأسلحة بنسبة 6.4% خلال الفترة نفسها، وفي عام 2021 انخفض الإنفاق على كليهما، ومع ذلك، كان الانخفاض في الإنفاق على البحث والتطوير (-1.2%) أقل من الإنفاق على شراء الأسلحة (-5.4%).
وقالت ألكسندرا ماركشتاينر، الباحثة في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة التابع لمعهد (سيبري): «تشير الزيادة في الإنفاق على البحث والتطوير خلال العقد 2012 – 21 إلى أن الولايات المتحدة تركز أكثر على تقنيات الجيل التالي، وقد شددت الحكومة الأمريكية مرارًا على الحاجة إلى الحفاظ على تفوق الجيش الأمريكي تكنولوجيًّا على منافسيه الإستراتيجيين».
استعدادًا للحرب.. زيادة الميزانية العسكرية الروسية
وذكر المعهد أن روسيا زادت إنفاقها العسكري بنسبة 2.9% في عام 2021، إلى 65.9 مليارات دولار، بينما كانت تحشد قواتها على طول الحدود الأوكرانية، وكانت هذه هي السنة الثالثة على التوالي من النمو؛ إذ وصل الإنفاق العسكري الروسي إلى 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021.
وقالت لوسي بيرود سودرو، مديرة برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد (سيبري): «ساعد ارتفاع عائدات النفط والغاز روسيا على زيادة إنفاقها العسكري في عام 2021»، مضيفةً أن «الإنفاق العسكري الروسي كان في انخفاض بين عامي 2016 و2019 نتيجةً لانخفاض أسعار الطاقة إلى جانب العقوبات التي فُرضت على روسيا بسبب ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014».
وقد عُدِّل بند ميزانية «الدفاع الوطني»، الذي يمثل حوالي ثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق العسكري الروسي، ويشمل تمويل التكاليف التشغيلية وكذلك شراء الأسلحة، بالزيادة على مدار العام. وكان الرقم النهائي 48.4 مليارات دولار، بزيادة 14% عما كان مدرجًا في الميزانية في نهاية عام 2020.
ومع تعزيز أوكرانيا دفاعاتها ضد روسيا، ارتفع الإنفاق العسكري الأوكراني بنسبة 72% منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014؛ صحيح أن الإنفاق انخفض في عام 2021 إلى 5.9 مليارات دولار، لكنه لا يزال يمثل 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
أكثر الدول إنفاقًا على الأنشطة العسكرية في آسيا وأوقيانوسيا
وأضاف التقرير أن الصين، ثاني أكثر دولة إنفاقًا في العالم، خصصت ما يقدر بنحو 293 مليار دولار لجيشها في عام 2021، بزيادة نسبتها 4.7% مقارنةً بعام 2020، وقد ظل الإنفاق العسكري الصيني ينمو لمدة 27 عامًا متتالية، وكانت ميزانية 2021 الصينية هي الأولى في إطار الخطة الخمسية الرابعة عشرة، والتي تستمر حتى عام 2025.
وبعد الموافقة الأولية على ميزانية اليابان لعام 2021، أضافت الحكومة اليابانية 7.0 مليارات دولار إلى الإنفاق العسكري؛ ونتيجة لذلك، ارتفع الإنفاق بنسبة 7.3%، إلى 54.1 مليارات دولار في عام 2021، وهي أعلى زيادة سنوية منذ عام 1972؛ كذلك زاد الإنفاق العسكري الأسترالي في عام 2021 بنسبة 4.0% ليصل إلى 31.8 مليارات دولار.
وقال الدكتور نان تيان كبير الباحثين في معهد (سيبري): «أصبح إصرار الصين المتزايد على تأكيد الذات في بحر الصين الجنوبي والشرقي وحولهما محركًا رئيسًا للإنفاق العسكري في دول مثل أستراليا واليابان، ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية أوكوس الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والتي يُتوقع بموجبها توريد ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى أستراليا بتكلفة تقديرية تصل إلى 128 مليار دولار».
تطورات أخرى جديرة بالملاحظة
رصد التقرير أيضًا بعض التطورات الأخرى الجديرة بالملاحظة، ومنها: أن الميزانية العسكرية الإيرانية زادت في عام 2021 للمرة الأولى منذ أربع سنوات، لتصل إلى 24.6 مليارات دولار، واستمر تمويل الحرس الثوري الإسلامي في النمو في عام 2021 – بنسبة 14% مقارنة بعام 2020 – وشكل 34% من إجمالي الإنفاق العسكري الإيراني.
وكذلك حقق ثمانية أعضاء أوروبيين من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) هدف الحلف المتمثل في إنفاق 2% أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي على قواتهم المسلحة في عام 2021، وهذا أقل بواحدٍ مما كان عليه في عام 2020 ولكنه ارتفع من اثنين في عام 2014.
وزادت نيجيريا إنفاقها العسكري بنسبة 56% في عام 2021، ليصل إلى 4.5 مليارات دولار، وجاء الارتفاع استجابةً لتحديات أمنية عديدة، مثل: التطرف العنيف وحركات التمرد الانفصالية.
وأنفقت ألمانيا، ثالث أكبر دولة إنفاقًا في أوروبا الوسطى والغربية، 56.0 مليار دولار على جيشها في عام 2021، وهو ما يعادل 1.3% من ناتجها المحلي الإجمالي، وإن انخفض الإنفاق العسكري بنسبة 1.4% مقارنة بعام 2020 بسبب التضخم.
وفي عام 2021، بلغ الإنفاق العسكري القطري 11.6 مليارات دولار، مما يجعلها خامس أكبر منفق في الشرق الأوسط، وكان الإنفاق العسكري القطري في عام 2021 أعلى بنسبة 434% مما كان عليه في عام 2010، عندما أصدرت الدولة بيانات الإنفاق آخر مرة قبل عام 2021.
واحتل الإنفاق العسكري الهندي البالغ 76.6 مليارات دولار المرتبة الثالثة في العالم، بارتفاع نسبته 0.9% عن عام 2020، و33% عن عام 2012، وفي محاولة لتعزيز صناعة الأسلحة المحلية، خصصت الهند 64% من النفقات الرأسمالية في الميزانية العسكرية لعام 2021 لشراء الأسلحة المنتجة محليًّا، حسبما ورد في ختام التقرير.