مزيج من الحزن والألم ساد الشارع السوري عقب الاعتداء على مطار الشعيرات. عدد من الشهداء وأضرار بالغة لحقت بالمدرج والطائرات ومستودعات الذخيرة والوقود، يبدو أنّها لن تُنتج إخراج القاعدة الجوية من الخدمة
«الطيارون جميعاً بخير»، عبارة بادر إلى قولها أحد العسكريين السوريين خلال رده على أسئلة متتالية حول وضع مطار الشعيرات في ريف حمص ومن فيه، إثر الاستهداف الصاروخي الأميركي للقاعدة الجوية. «لم يتم إجلاء العناصر والضباط من المطار.
لم يغادر أي منا موقعه. ومن استشهدوا كانوا على رأس عملهم، وشهادتهم فخر لنا جميعاً في وجه العدوان السافر على قواتنا».
ساعات الصباح الأولى من يوم أمس شهدت حالة من الارتباك في شوارع العاصمة. علامات الذهول خيّمت على الملامح. لم يكن قد ظهر أي تفاصيل سوى أخبار عاجلة تناقلتها وسائل الإعلام المحلية عن الإعلام الأميركي. عناصر الجيش على الحواجز يتبادلون الأحاديث مع المواطنين المارين. معلومات متناقلة من هُنا وهُناك. أحد السائقين يحاول العبور والهلع يسيطر عليه، إذ إن أطفاله وزوجته في زيارة لأقاربه في المساكن العسكرية القريبة من الشعيرات. والجندي على الحاجز يردد: «لقد دمّروا المطار بالكامل». سائق دمشقي يقول له الجملة المسالمة المعتادة: «الله يفرج أحسن شي». المدنيون يرددون وراء نشرات الأخبار عبر إذاعة دمشق، معلومات متواترة تباعاً، وسط حزن مخيم. «الجميع يرحلون من هذه البلاد. أما أنا فسأبقى ولو دُفنت تحت جدران منزلي. قذائف الهاون وداعش وأميركا... وأي كان لن تثنيني عن البقاء هُنا»، يقول السائق مجدداً. دمشق اليوم ليست موقع الحدث، بل الأنظار متوجهة نحو وسط البلاد. المشهد هُناك مزيج من الفجيعة والخوف والغضب. أصوات بكاء الأطفال تتردد على مسامع الأقارب في دمشق والمدن الأُخرى عبر مكالمات الاطمئنان الهاتفية، ضمن المساكن العسكرية التي تبعد عن المطار المستهدف 5 كيلومترات. غير أن صخب التفجيرات التي خلّفتها الصواريخ الأميركية والذخيرة السورية المستهدفة غطى على أي صوت آخر. أما الموت فهو العنصر الأكثر سواداً بين عناصر الحدث، داخل المطار الذي يبعد عن حمص حوالى 30 كلم شرقاً.
وفيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية تدمير 9 طائرات سورية، فإن مصادر ميدانية أعلنت تدمير مدرج المطار ومستودعات الذخيرة والوقود، إضافة إلى جميع حظائر الطيران المحصنة والطائرات الحربية الموجودة. ولفتت المصادر إلى أن هجوماً مكثفاً لتنظيم «داعش» على مواقع الجيش تزامن مع ساعات الصدمة الأولى ما بعد الضربة، غير أن الجيش تمكن من استيعاب الهجوم وصده. كما أنّ المصادر حصرت الخسائر البشرية بـ 6 شهداء و8 جرحى. وتعزو المصادر الأضرار المحدودة إلى التركيز الأميركي على ضرب البنى التحتية لمدرج الطائرات والابتعاد خلال عملية الاستهداف عن أماكن إقامة طواقم المطار.
وفي وقت متأخر من ليل أمس، نقلت مصادر عسكرية أن المطار عاد إلى العمل بشكل جزئي، وأقلعت عن مدرجه طائرتان حربيتان. وكان عسكريون سوريون قد قالوا في سابق من سوم أمس، إنه تم إصلاح جزء كبير من مدرج الطائرات خلال ساعات من استهدافه، معتبرين أن خروجه عن الخدمة مؤقت، وأن عودته إلى العمل ستكون خلال وقت قريب جداً. تداعيات استهداف المطار لم تقتصر على بيانات الاستنكار أو التأييد، إنما جرس الهاتف الذي رنّ في قرية خربة كسيح قرب بانياس أرسى معالم المأساة الإنسانية. والدة العسكري وائل ميهوب ذي الـ 28 ربيعاً، استقبلت خبر استشهاده فجراً مع 5 من رفاقه. الشاب المنضوي ضمن احتياطي الجيش أنهى سنوات خدمته العسكرية وحياته في آن، بقرار أميركي أصاب مدخل المطار.
أما رئاسة الجمهورية، فقد وصفت، في بيان، العدوان بالتصرف «الأرعن وغير المسؤول، والذي ينمّ عن قصر نظر وضيق أفق وعمى سياسي وعسكري عن الواقع».