عدن | لم تُحسم أيٌّ من معارك الساحل اليمني الغربي على امتداد 450 كلم، بدءاً من محافظة حجة ثم نهاية الحدود الشمالية مع السعودية في حرض ــ ميدي، وصولاً إلى مضيق باب المندب ــ ميون (بريم) ــ كهبوب جنوباً، كما لم تفرض العمليات العسكرية المتتالية أي معادلات ملموسة على الواقع الميداني.

فمنذ إعلان الحرب في البلاد في آذار 2015 وعمليات الوحدات العسكرية المسنودة بالضربات المتواصلة والاستباقية، جواً وبحراً، لدول تحالف العدوان، وكل الخطط الميدانية والدعم اللوجستي، لم تغير من الواقع بالقدر الذي يمكن أن تُبنى عليه حقائق جديدة.
وفق التقارير والمعلومات الميدانية، يمكن القول بثقة إن «معركة تعز»، التي أعلنت قبل عام، لم تحقق هدفها («تحرير تعز»)، إضافة إلى أن عملية «الرمح الذهبي» التي أُطلقت ضمن إطارها، قبل شهور، وقعت في الفخ نفسه. العملية الثانية أيضاً كان هدفها «تحرير مناطق الساحل الغربي وموانئها: ذوباب والعمري والمخا، ثم السيطرة على تلك التلال الجبلية المطلة على الشريط الساحلي قبالة مضيق باب المندب»، على أن يسهم ذلك في حسم معركة تعز ويمهد، في طموحات عالية، للحسم في معركة العاصمة.
حتى إن المحللين لم يرصدوا مؤشراً حقيقياً على تقدم ملحوظ، بما يوحي بالسيطرة الدائمة (التمكّن) ولو تكتيكياً، على مواقع معينة، وذلك قياساً بالمدة الطويلة التي استغرقتها المعارك في هذه المناطق، وهي لا تزال مشتعلة حتى الآن. أسوأ من ذلك، لا أحد يراهن على إحراز «إنجازات»، فيما تتواصل الخسائر الكبيرة في صفوف المقاتلين، بمن فيهم قادة ميدانيون، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العتاد العسكري.
أمام هذا الواقع، يتواصل السؤال عن جدوى الحرب، والنتيجة من تكرار إعلان عمليات تلو عمليات، لكن هذه الأسئلة تصطدم بالنظرة الشاملة للمعركة، أي أنها إقليمية قبل أن تكون بين بلد من جهة، وبلدين من جهة أخرى بصورة رئيسية. لذلك، لا يبدو أن الحرب يحسمها الميدان بدرجة أولى، وإنما يقدم الأخير أوراق قوة في جيب الأطراف الإقليمية والدولية. فهل ستكون جغرافية الساحل السياسية والاقتصادية نهايةً للحرب، أو على الأقل، للعمليات العسكرية التي تحقق إنجازات في الإعلام فقط؟
تبدو الآن معارك الموانئ، وميدي، والحديدة، ورأس عيسى، والصليف، والمخا، وجزيرة كمران وبقية الجزر والمنافذ البحرية هي الأكثر أهمية من المراحل الماضية، فمنها يمكن التمهيد للوصول إلى العاصمة صنعاء أو مدنها الرئيسية (محافظة صنعاء)، كما أنها تمثل مراكز سيطرة وغرف تحكم بالملاحة الدولية والإشراف على مضيق باب المندب، وهو من أهم المضائق التجارية لعبور ما يقارب نصف الصادرات العالمية.
بنظرة سريعة على أطراف الصراع الداخلي، نجد أنها لا تختلف كثيرا بفكرة التوزيع ــ مع تبدل الأسماء ــ عن أطراف الصراعات التاريخية في البلاد، حينما كان شطر اليمن الجنوبي مع المعسكر الاشتراكي ومن يواليه إقليمياً، والشطر الشمالي مع المعسكر الرأسمالي ومن يواليه. أما التطورات التي يمكن أن تؤجج المعركة، فهي تبعات طلب وزير الدّفاع الأميركي، جيمس ماتيس، من البيت الأبيض رفع قيود الدّعم العسكري عن دول التحالف، التي فرضت أثناء رئاسة باراك أوباما، وكل ما له علاقة بالتمهيد لمشاركة أميركية في معارك الساحل الغربي.
ثمة رأيان في هذه النقطة: هناك من يرى أن إدارة دونالد ترامب قررت الخوض مباشرة في الحرب بعد إخفاق «التحالف» في تحقيق الأهداف الموضوعة له، ومنهم من يرى أن التهويل بذلك هو لفرض شروط الخطة الأميركية للحل... الذي لم ولن تحسمه المعارك.

المصدر: مهدي علواني - الأخبار