رفع حلفاء دمشق سقف التحدي في مواجهة واشنطن. ما يدور في كواليس هؤلاء يشي بمعرفتهم أنّ «ضربة الشعيرات» ليست يتيمة، بمعنى أنّه يجري الإعداد لتسخين الجبهات بمباركة ودفع أميركي ــ تركي ــ خليجي. الرؤية الأميركية «ما بعد العدوان» أثمرت عن تعاطٍ عالي النبرة لطهران وموسكو مجتمعتيْن، في مواجهة «تجاوز الخطوط الحمراء». ولهذه الأسباب تعتزم سوريا وروسيا وإيران خوض المعركة معاً والاستعداد لجولة غير مسبوقة من التهديدات
تدور جميع التصريحات الصادرة عن واشنطن وحلفائها، عقب العدوان الذي نفذته القوات الأميركية ضد سوريا، على ضرورة «تنصّل» موسكو وطهران بالدرجة الأولى، من دورهما الداعم لدمشق.
الدعوات الأميركية الأخيرة طُعّمت بتهديدات مضمّنة، مفادها استعداد واشنطن لتنفيذ ضربات عسكرية إضافية في سوريا «عند الضرورة».
لكن الرسائل الأميركية لقيت رداً واضحاً أمس، عبر سيل من التصريحات والاتصالات الثنائية بين موسكو وطهران ودمشق، بالتوازي مع مشاورات مكثفة بين العواصم الثلاث عبر القنوات السياسية والعسكرية، أكدت على رفض العدوان الأميركي الذي تجاوز «خطوطاً حمراء»، والتحضير لردعه بما يشمل جميع الاحتمالات، بما فيها التصعيد الميداني على كامل الجبهات في سوريا والعراق. وأكدت مصادر مطلعة على معطيات المشاورات أنها ناقشت خططاً واضحة لمواجهة توجهات واشنطن المتوقعة للضغط في الميدان، بما في ذلك احتمالات شن هجوم جديد من قبل الجماعات المسلحة على جبهات مدينة حلب. ولفتت إلى أن النقاش تطرق إلى مواجهة جميع الخطوات التي يستطيع الأميركيون التحرك من خلالها، من سوريا وحتى العراق، بشكل منسّق.
المشاورات التي ركزت على الجاهزية في وجه التصعيد الأميركي، انعكست من خلال التصريحات الرسمية لمسؤولي البلدان الثلاثة، وفي بيان أصدرته غرفة العمليات المشتركة لحلفاء دمشق، أمس. بيانات «الغرفة» المعدودة سابقاً، أشركت للمرة الأولى روسيا كضلع أساسي من المعركة إلى جانب دمشق، ليكون التهديد باسم الجميع بأنّ قواتها «سترد بقوة على أي عدوان»، ومشددة على أن «العدوان الأميركي هو تجاوز للخطوط الحمراء».
وأضاف البيان: «نحنا لسنا غافلين عما تسعى أميركا لتحقيقه في شمال سوريا وشمال غرب العراق، ويجب أن يعلموا أننا نرصد كل خطواتهم وتحركاتهم ونتابعهم بدقة، وأن محاولتهم السيطرة على تلك البقعة الجغرافية تجعلهم قوات غير شرعية لاحتلال أراض سورية ذات سيادة». ولفت إلى أن «فعل أميركا هذا لن يثنينا عن محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وسنتابع قتالنا إلى جانب الجيش السوري والقوات الصديقة، وسنعمل معها لتحرير كل الأراضي السورية من رجس الاحتلال أياً كان».
وتابع القول إن «روسيا وإيران لن تسمحا لأميركا بأن تهيمن على العالم وتفرض نظام القطب الواحد... وستقفان في وجهها بكل قوة ولو بلغ ما بلغ»، خاتماً بأنه «رداً على هذا العدوان المجرم، نحن كحلفاء سوريا سنزيد من دعمنا للجيش والشعب السوريين بمختلف الطرق».
بالتوازي، جاء الإصرار على تحدي الضغط الأميركي، ومواجهته بالتصعيد، في كلام الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال اتصال هاتفي مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والسوري بشار الأسد. وأعرب روحاني مع الأسد، عن إدانته الشديدة للعدوان الأميركي، معتبراً أنه يشكّل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية وللقوانين الدولية.
وأكد وقوف بلاده إلى جانب سوريا في حربها ضد الإرهاب، معتبراً أن «تداعيات هذا العدوان ستعود على هذه الدول والمنطقة عموماً». بدوره، أكد الأسد أن الولايات المتحدة «فشلت في تحقيق هدفها» الذي أرادته عبر العدوان، مشدداً على إصرار بلاده على «سحق الإرهاب في كل بقعة من الأراضي السورية».
أما مرشد الجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي، فقد أشار خلال استقباله كبار قادة القوات المسلحة، إلى أن الأميركيين «قاموا بالقتل والاعتداء والتجاوز في مناطق مختلفة من العالم من قبل»، مضيفاً إن المهم هو «هل يمتلكون الجرأة للقيام بمثل هذا الإجراء أينما أرادوا؟».
في موازاة ذلك، اتصل عدد من المسؤولين الإيرانيين بنظرائهم السوريين، واعتبر رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة محمد باقري، خلال اتصال مع نظيره علي أيوب، أن «ما جرى في خان شيخون مشكوك به، وهو مؤامرة ضد الشعب السوري وقيادته». كذلك، اعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، أن العدوان الأميركي «دليل على انتصارات الحكومة السورية في الساحات السياسية والعسكرية». وأكد في اتصال مع مدير مكتب الأمن الوطني علي مملوك، أن هناك «إرادة صلبة» لدى إيران وروسيا وسوريا، في ما يخص التعاون المشترك على الساحة السورية.
على صعيد متصل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون، إن الهجوم الأخير على سوريا «يخدم المتطرفين، ويخلق تهديدات إضافية للأمن الإقليمي والعالمي».
إلى ذلك، استمرت حملة الضغط الغربية ضد موسكو وطهران ودمشق، وترك مستشار الأمن القومي الجديد، هربرت رايموند ماكماستر، الباب مفتوحاً أمام تنفيذ مزيد من العمليات العسكرية في سوريا. وقال إن الإدارة الأميركية ستحاول «تغيير نظام الأسد وتدمير (داعش) في الوقت نفسه».
بدورها، اعتبرت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، أن احتمال إنجاح حل سياسي في سوريا «غير ممكن مع وجود الأسد» في الحكم. وأشارت في مقابلة مع قناة «سي إن إن» الأميركية، إلى أن لدى بلادها «العديد من الأولويات... ورحيل الأسد ليس الأولوية الوحيدة»، مضيفة إن هناك «محاولة لهزيمة (داعش)، وكسر النفوذ الإيراني في سوريا، والوصول إلى حل سياسي في النهاية». وشددت على أن بلادها مستعدة لفعل «أكثر» من الهجمات الأخيرة «في حال كان ذلك ضرورياً»، موضحة أن «الأمر متعلق بردود أفعال الجميع على ما يدور في سوريا». وبالتوازي، قال تيلرسون إن بلاده تتوقع أن تتخذ روسيا «نهجاً أشد» تجاه دمشق، و«تعيد التفكير» في تحالفها مع الأسد.