على خلفية العدوان الأميركي على سوريا، دعا زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، أول من أمس، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى «عدم الكيل بمكيالين... إذ يقصف المدنيين العزّل في الموصل، وفي الوقت نفسه يستنكر القصف المدان للمدنيين بالكيميائي» في سوريا، متوجهاً إلى الرئيس السوري بشار الأسد في البيان نفسه، بدعوته إلى «الاستقالة وأن يتنحى... ليكون له موقف تاريخي بطولي».
وتساءل الصدر في بيانه: «ألا يكفي سوريا أن تكالبت عليها الأيادي أجمع من الداخل والخارج، لكي يأتي دور أميركا السلبي أيضاً (؟)». وبينما قد يُفهم من التساؤل بأنّ واشنطن لم يكن لديها دور سلبي في سوريا قبل العدوان الأخير، وهذا منافٍ تماماً للوقائع، فإنه أضاف: «أنا لا أستبعد أن يكون قرار ترامب بقصف سوريا هو الإذن بتمدد داعش في مناطق أخرى، فغالباً ما تكون أميركا راعية للإرهاب كما تعوّدنا منها ذلك». وتوجه الصدر إلى الرئيس الأميركي قائلاً إنه «لا ينبغي» عليه «أن يُفرط في تصريحاته ومواقفه وقراراته الرعناء... (ولا) ينبغي عليه أن يزجَّ نفسه في محرقة جديدة قد يدفع الجميع ضريبتها، وقد تكون سوريا فيتنام جديدة لهم».
وفي سياق البيان، قال الصدر: «ليعلم الجميع، أنّ تدخل أميركا العسكري لن يكون مجدياً... فهي قد أعلنت قصفها للدواعش في العراق، وما زال الإرهاب جاثماً على أراضينا المقدسة، ولم يكن تدخلها مجدياً ولا نافعاً على الإطلاق»، مستدركاً بالقول: «حسب ظني، فإنّ مثل هذه القرارات ستجر المنطقة إلى صراع، ولا سيما مع وجود رايات أخرى تدّعي تحريرها أو إنقاذها لسوريا الجريحة، والتي صارت حطباً لصراعات سياسية مقيتة». ودعا الصدر «الجميع للانسحاب العسكري من سوريا لأخذ الشعب زمام الأمور، فهو صاحب الحق الوحيد في تقرير مصيره، وإلا ستكون سوريا عبارة عن ركام يكون المنتفع الوحيد هو الاحتلال والإرهاب».
وفي ختام البيان، أعلن زعيم «التيار الصدري» أن «على أميركا كف أذاها، كما أنّ ذلك مطلوب من روسيا والفصائل الأخرى، بل ولعلي أجد من الإنصاف أن يقدّم الرئيس بشار الأسد استقالته وأن يتنحى عن الحكم حباً بسوريا الحبيبة، ليجنبها ويلات الحروب وسيطرة الإرهابيين، فيعطي زمام الأمر إلى جهات شعبية نافذة تستطيع الوقوف ضد الإرهاب لإنقاذ الأراضي السورية بأسرع وقت، ليكون له موقف تاريخي بطولي، قبل أن يفوت الأوان».
وبينما لم ينتشر بيان الصدر كثيراً عبر الوسائل الإعلامية، فإنّ وسائل إعلام إقليمية ودولية استثمرته تحت عنوان أنّ «الصدر أصبح أول زعيم سياسي شيعي عراقي يحث الأسد على ترك الحكم»، وفق وكالة «رويترز» العالمية للأنباء. لكن الوكالة استتبعت هذا العنوان، بالقول إنّ «دعوته جاءت مغلفة بعبارات تمدح الرئيس السوري وتدين الضربات الأميركية».
وفي حين ربط بعض الناشطين العراقيين دعوة الصدر بموقف إقليمي مستجد له، عبّر الباحث العراقي حارث حسن، عن اعتقاده بأنّها ليست مفاجئة، مضيفاً: «أراها جزءاً من تحوّل مضى على تبلوره سنوات عدة، (بدأ) مع تصاعد خلافات الصدر و(رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي». واعتبر حسن أنّ تحوّلاً كهذا «لا تمتلك معظم الأطراف الشيعية الأخرى ترف الخوض فيه، لأنها خلافاً لحركة الصدر ذات الثقل الشعبي، تعتمد على مصدرين أساسيين للقوة، أو واحد: الأول، توظيف الهوية الطائفية، تحت عنوان تمثيل المكوّن وحقوقه، لصناعة شرعية سياسية لا يمكنها أن تصمد طويلاً من دون استمرار الانقسام الطائفي أو مأسسته... أما (الثاني) فهو ما يمكن أن يوضع تحت عنوان سياسات النخبة، الهادفة إلى هندسة توزيع السلطة عبر نظام انتخابي، مسيطر على مخرجاته، وعبر مصادر الريع والقوة التي تتأتى من المناصب الحكومية». ورأى حسن أنّ «وحده الصدر بحكم قاعدته الجماهيرية قادر على التملص من هذه المحددات والتعبير عن متبنيات مستقلة، يراها البعض شجاعة أو مغامرة».
جدير بالذكر أنّ الصدر يواصل في هذه المرحلة تنظيم احتجاجات لمناصريه في العاصمة العراقية، تحت شعار «محاربة الفساد والمطالبة بإصلاحات». وهو كان قد أعلن أمام مناصريه في نهاية الشهر الماضي، وبصورة مفاجئة، أنه كان قد تلقى «تهديدات بالاغتيال»، وذلك في وقت يُقال فيه إنّه يبحث عن تمايز له ضمن الخريطة السياسية العراقية.