أتاح العدوان الأميركي الأخير على سوريا لواشنطن العودة إلى قيادة حلفائها في جبهة غربية مضادة لموسكو، تضع نصب أعينها الضغط على الجانب الروسي وإجباره على التخلي عن دعمه للحكومة الشرعية في دمشق وعن تحالفاته التي امتدت لسنوات في الميدان السوري
تسعى واشنطن إلى ترجمة الهجمات التي نفذتها ضد سوريا عبر تحشيد جبهة غربية مضادة لموسكو تحاول فك ارتباطها مع طهران ودمشق. وتهدد باحتمالات التصعيد وتنفيذ ضربات مستقبلية ضد أهداف في سوريا، موسّعة هامش استنكارها للهجمات الحكومية، ليشمل جميع أنواع القصف الجوي، وفق ما أشار إليه البيت الأبيض أمس.
في المقابل، تبدو روسيا مستعدة لمعركة السياسة مع صديقتها الغربية وشريكتها في مجموعة الدعم الدولية لسوريا، عبر تعزيز مشاوراتها مع حلفائها في الملف السوري، وتقييد زيارة وزير الخارجية الأميركي الأولى لواشنطن وفق الأعراف الرسمية، بعيداً عن قاعات الكرملين.
الفرصة الأميركية للمّ شمل الحلفاء أتت عبر اجتماع «مجموعة السبع» في إيطاليا. إذ وجهت الدولة المضيفة دعوات إلى حلفاء واشنطن لنقاش استراتيجة موحدة تضمن الاستفادة من التصعيد العسكري الأخير. وشملت الدعوة الإيطالية كلاً من السعودية وقطر والإمارات والأردن، إلى جانب الاتحاد الأوروبي.
وقبيل الاجتماع المقرر اليوم، عقد وزراء خارجية «مجموعة السبع» جولة محادثات أمس، في محاولة لبلورة موقف موحّد حول سوريا وإيصال «رسالة واضحة ومنسّقة» إلى روسيا. وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إنه «حان الوقت ليواجه (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين الحقيقة حول الطاغية الذي يدعمه». وأشار إلى أنه «لا يستبعد إقدام الولايات المتحدة على توجيه ضربة صاروخية جديدة» إلى سوريا. ونقلت صحيفة «ذي صن» البريطانية عنه تأكيده أن «الإجراءات التي اتخذتها واشنطن ستغير الوضع جذريّاً في سوريا». وبدوره، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت، روسيا إلى «النأي بنفسها» عن الرئيس السوري بشار الأسد، محذراً من أنها إذا أصرت على نهجها، فقد تصبح «ضحية» للنزاع السوري.
وفي موازاة ذلك، أعرب وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، بعد اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، عن تفاؤله حيال الدعم الروسي لإجراء تحقيق في حادثة الهجوم الكيميائي في سوريا. وحذّر من خطورة التصعيد العسكري هناك، مشدداً على «ضرورة منعه عبر التعاون بين جميع أطراف النزاع... بمن فيهم إيران والسعودية ودول الجوار». واعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن التوصل إلى الاستقرار على المدى البعيد في سوريا يتطلب رحيل الرئيس الأسد، مؤكدة في الوقت نفسه أن «من غير الواقعي أن نأمل انتهاء رئاسة بشار الأسد غداً».
وفي السياق نفسه، بحث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي، تطورات الملف السوري، قبيل توجّه جاويش أوغلو، اليوم إلى إيطاليا للمشاركة في اجتماع حلفاء واشنطن.
وبدوره، رأى وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في تصريحات لقناة «سي بي إس» الأميركية، أنه «سواء أكانت روسيا متواطئة أم خُدعت من النظام السوري، فإنها قد فشلت في الوفاء بالتزاماتها إزاء المجتمع الدولي». وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، أن الرئيس دونالد ترامب، اتصل أمس بقائد المدمرة الأميركية (بورتر)، التي شاركت في تنفيذ الضربة الصاروخية على قاعدة الشعيرات الجوية «لتهنئته وشكره على الهجوم»، موضحاً أن بلاده ستترك احتمالية تنفيذ ضربات مستقبلية مفتوحة بسبب «رؤيتنا للناس وهم يقصفون بالغازات السامة والبراميل المتفجرة».
ومن جهة أخرى، قال الكرملين إن وزير الخارجية الأميركي لن يلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته لموسكو هذا الأسبوع. وأوضح المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، أن هذا الاجتماع «غير مقرر»، مضيفاً أن تيلرسون «سيتّبع بروتوكولاً ديبلوماسياً صارماً» وسيلتقي فقط بنظيره الروسي. وذكّر بأنّ الهجوم الأميركي يظهر «عدم رغبة الولايات المتحدة في التعاون» حول سوريا.
ونشّطت طهران من حراكها الديبلوماسي في المقابل، إذ أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، سلسلة اتصالات هاتفي بعدد من نظرائه، تناولت تطورات الملف السوري. وشملت اتصالات ظريف كلاً من وزراء خارجية روسيا وعمان وسوريا والجزائر، إلى جانب منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني. وشدد خلال الاتصالات على ضرورة تشكيل لجنة تحقيق بشأن الهجوم الكيميائي على خان شيخون. وقال بيان لوزارة الخارجية الروسية إن ظريف ونظيره سيرغي لافروف، شددا على أن «الأعمال العدوانية ضد دولة ذات سيادة تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي... وتخلق خطراً على الأمن الإقليمي وتضرّ مكافحة الإرهاب».