كل شيء يوحي بأنّ الصراع حول سوريا يتّجه إلى المزيد من التوتر والاحتدام. قنوات «التنسيق» الروسية مع واشنطن قاربت حدّ الجفاف. كل دولة وضعت أهدافها نصب عينيها، رافضةً أي تنازلات، وإن كانت الإدارة الأميركية عوّلت (ولو بالتصريحات) على تغيير سلوك موسكو تجاه دمشق، فإن حلفاء سوريا يتّجهون نحو رفع درجات الإنذار والتخطيط لمواجهة «العودة» الأميركية... عودة تنذر بـ«حرب باردة» في الخارج وميدان مشتعل في الداخل السوري
رفع الرئيس دونالد ترامب سقفه السياسي والعسكري، قاطعاًَ على نحو نهائي مع «إرث أوباما» وسياسته الخارجية حيال دمشق. استهداف مطار الشعيرات كان بمثابة صفّارة انطلاق نحو سياسة مختلفة، وهي إن كانت غير مكتملة المعالم، فإنها في الحد الأدنى تتّكئ على «سوريا من دون الأسد»، وعلى تهديد دائم بأنّ أي «عمل» شبيه لحادثة خان شيخون سيُجابه بما هو أكبر من ضربة الشعيرات.
في ميزان القوى الدولية في سوريا، كانت واشنطن تجابه موسكو في الميدان عبر الحلفاء والوكلاء في الدرجة الأولى. وبعد كل جولة نارية على الأرض، تكون الترجمة في الأروقة السياسية بين «جنيف» وعواصم أخرى.
فحسم معركة حلب، مثلاً، أتاح لموسكو إطلاق ورعاية «منصة أستانا»، كما فرضت على المعارضة تشكيل وفد من مكوّنات مختلفة، وأرضخت أنقرة لدرجة تغيير سلوكها. وإن كانت روسيا (ومعها بقية الحلفاء) قد كسبت بالنقاط أمام الفريق المقابل، بعد حسم معركة حلب وتأمين دمشق ودفن نظرية «مفاوضات بعد استقالة الأسد»، فإنّ واشنطن اليوم تعود بوزنها، وبالأصالة عن نفسها لتقود المحور المعادي لدمشق، واضعة أهدافاً لا تبتعد عن تصريحات المسؤولين الأوروبيين والعرب والأتراك.
هذا الحضور الأميركي المستجد والآخذ في التبلور يضع الطرف الآخر أمام مسار يتطلّب تصعيداً موازياً، في معركة رفع سقوف قد تجرّ المنطقة نحو الاشتعال.
ففريق سوريا وروسيا وإيران والحلفاء في لبنان والعراق يدرس المستجدات المتسارعة من زاوية عدم ترك المبادرة بأيدي خصومه، مع ما يعني ذلك من تصاعد وتيرة المعارك في أكثر من مكان. وحسب المعلومات أيضاً، يجري البحث في أشكال من ردود فعل صارت مرجّحة في حال تكرار العدوان الأميركي، وسط نقل الأميركيين طائرات مقاتلة وأخرى قادرة على حمل صواريخ كبيرة إلى مناطق قريبة في البحر أو في قواعد في تركيا والأردن.
فحتى اليوم، وفي لحاظ التصريحات الأميركية، يبدو أنّ «حصار موسكو» ممرّ إجباري لفرض التوجهّات الأميركية في سوريا. والزيارة الأولى لوزير الخارجية ريكس تيلرسون لموسكو، تأتي لإيصال رسالة واضحة إلى الكرملين: ابتعدوا عن الأسد... وإلّا.
فقبل توجّهه إلى موسكو، قال تيلرسون إنّ «من الواضح لنا أنّ حكم عائلة الأسد تقترب من نهايتها»، معرباً عن أمل بلاده في أن «تتوصل الحكومة الروسية إلى أنها تحالفت مع شريك لا يمكن الاعتماد عليه» في إشارة إلى الرئيس السوري. وأضاف أن «روسيا يمكنها أن تكون جزءاً من مستقبل (سوريا) وتلعب دوراً هاماً، أو يمكنها الحفاظ على تحالفها مع هذه المجموعة التي نعتقد أنها لن تخدم مصالحها على المدى الطويل».
على المقلب الآخر، كان الرئيس فلاديمير بوتين يعلن تمسّك بلاده بمصالحها وخططها المسبقة، مشيراً إلى امتلاكه معلومات تفيد بأنه «يجري التخطيط لاستفزازات جديدة في سوريا» بهدف تحميل دمشق مسؤولية استخدام الأسلحة الكيميائية. وأوضح في مؤتمر صحافي أن «بيانات من مصادر مختلفة تشير إلى أنه يجري حالياً إعداد خطط في مناطق أخرى من سوريا، بما في ذلك في المناطق المجاورة لدمشق، لإطلاق بعض المواد (الكيميائية) واتهام السلطات الرسمية». وأوضح مصدر في الكرملين لوكالة «تاس» أن بوتين كان يقصد مناطق الغوطة الشرقية عندما تحدث عن «استفزازات» تُعَدّ في مناطق محيطة بدمشق.
ودعا بوتين إلى إجراء «تحقيق شامل في الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية» في إدلب، بغية الوصول إلى «قرارات متوازنة تقوم على نتيجة التحقيق». ورأى أن الضربات الأميركية على سوريا تُذكّر بهجومها على العراق في عام 2003، مذكّراً بأن «التدخل حينها أدى إلى تدمير العراق وظهور تنظيم داعش... والشيء نفسه يحدث الآن». وأوضح أن «الدول الأوروبية تسعى من خلال دعمها لتلك الضربات إلى إقامة علاقات ودية مع إدارة دونالد ترامب، عقب المواقف المعادية له خلال حملته الانتخابية»، مشيراً إلى أن قرار ترامب بشن الهجمات سيتيح استخدامها من قبل خصومه السياسيين لـ«إلقاء اللوم عليه إذا حدث شيء ما».
إذاً، تغيير السلوك الروسي الذي تريده واشنطن لا صدى له في أروقة الكرملين. وكل الحراك السياسي والعسكري الصادر من العاصمة الروسية لا يشي إلا بمزيد من التصعيد. فمنذ الأول من أمس، أوضح المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن تيلرسون «سيتّبع بروتوكولاً ديبلوماسياً صارماً» وسيلتقي بنظيره الروسي فقط، وذكّر بأنّ الهجوم الأميركي يظهر «عدم رغبة الولايات المتحدة في التعاون».
هذه الأجواء تشير إلى لقاء «فاشل» اليوم بين الوزير الأميركي ونظيره سيرغي لافروف، حيث سيؤكد الطرفان تمسّكهما برؤيتهما لتداعيات «ما بعد الضربة» فجر الخميس الماضي.
فالعلاقات الروسية ــ الأميركية تمرّ حالياً «بأصعب مرحلة منذ انتهاء الحرب الباردة»، كما أفاد بيان وزارة الخارجية الروسية أمس قبيل وصول «الضيف الثقيل».
وأضاف البيان: «إننا منفتحون على الحوار في كل المواضيع، لكن روسيا لن تقبل إلا بالتعاون على مبدأ المساواة بين البلدين، كذلك لن تتخلى عن مصالحها المشروعة». وهذه المصالح تتجّه لتتعمق أكثر مع طهران ودمشق، إذ أعلنت الوزارة عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث نهاية هذا الأسبوع في موسكو.
وبالعودة إلى فترة «التودّد» الأميركي إلى روسيا مع تسلّم ترامب لرئاسة بلاده، فهي كانت مصحوبة بهجوم على إيران وعلى سياستها وعلى فك ارتباط معها لمن يرغب بالتعاون مع «الأسرة الدولية».
ومع توقّع وصول الوزيرين السوري والإيراني يوم الجمعة إلى موسكو، شدّد وزيرا الدفاع الإيراني حسين دهقان والسوري فهد جاسم الفريج، على «ضرورة تعزيز التنسيق العسكري في الحرب ضد الإرهاب». كذلك أكد دهقان في خلال اتصاله بنظيره الروسي سيرغي شويغو، أن «على الإرهابيين أن يفهموا أنه لا يمكنهم التمادي في جرائمهم أكثر»، وعلى الأميركيين أن يعلموا بأن تكرار العدوان «سيكلف ثمناً باهظاً ولن يبقى من دون جواب». وأشار إلى أن الولايات المتحدة «تسعى إلى تمرير سيناريو مشبوه وخطر، وصولاً إلى خلق إجماع ضد الحكومة الشرعية في سوريا وتبرير وجودها العسكري في المنطقة».
هذا السيناريو «المشبوه» المحذَّر منه روسياً وإيرانياً يُنذر بتصعيد كبير، لن نرى نتائجه فقط بحال تكرار «هجوم كيميائي جديد»، بل ما يُعَدّ في الميدان من الجنوب السوري إلى الشمال ينذر بجولات ساخنة كبرى سيكون لدول كالأردن والسعودية وتركيا دوراً فاعلاً فيه. فمن المنطقة الجنوبية حيث يُعَدّ لسيناريو مناطق آمنة وإدارات محلية («الأخبار»، العدد ٣١٤٩) إلى إدلب التي تغلي تحت صفيح من آلاف المقاتلين المستعدين لفتح جبهات جديدة نحو حلب وحماه، فاستكمال «وضع اليد» الأميركي على الرقة، وصولاً إلى كامل الحدود العراقية. هذه الأخطار يضعها «المحور» المضاد على طاولة البحث كما أشرنا أعلاه، وستكون بنداً أساسياً في «الاجتماع الثلاثي» المقبل في موسكو. والمعلومات تشير إلى حراك ميداني استباقي يكسر خطط الخصوم ويحصّن مناطق جديدة بالتوازي مع استكمال العدّة السياسية والعسكرية لمواجهة خطر أكبر، عنوانه ضربات أميركية قد تكون دمشق وجهتها الجديدة.
(الأخبار)
بدء المرحلة الأولى من اتفاق الزبداني ــ كفريا والفوعة
بدأ ليل أمس تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق بلدات الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، بإخراج عدد من أسرى وجثامين شهداء الجيش السوري واللجان الشعبية في بلدتي كفريا والفوعة، مقابل عدد من المعتقلين من أفراد المجموعات المسلحة لدى الحكومة واللجان. وفي وقت متأخر من ليل أمس، أفرجت اللجان الشعبية في بلدتي كفريا والفوعة عن 19 أسيراً لديها من أفراد المجموعات المسلحة، ليخرجوا باتجاه مدينة إدلب، مقابل نقل جثامين 7 شهداء وعددٍ من الأسرى من أهالي البلدتين.
كذلك أفادت مصادر مطلعة على الاتفاق بأن التحضيرات تجري لعمليات إجلاء قرابة 3800 من المسلحين وعوائلهم من منطقة الزبداني اليوم، على أن يتم فتح 4 معابر لخروجهم من بلدات مضايا وبقين والزبداني، وقرى الجبل الشرقي، ونقلهم بعدها إلى ريف إدلب، في مقابل إخراج قرابة 8000 شخص من بلدتي كفريا والفوعة باتجاه مدينة حلب، كمرحلة أولى. وأوضحت أنه مساء أمس، تحرك عدد من الحافلات من منطقة جبرين في حلب باتجاه البلدتين الإدلبيتين، وبالتوازي وصلت حافلات إلى منطقة الزبداني، للبدء بعملية الإجلاء.
إريك ترامب: شقيقتي أثّرت في قرار الضربات!
أعرب نجل الرئيس الأميركي إريك ترامب، في مقابلة مع صحيفة «ذي دايلي تيلغراف» البريطانية، عن ثقته بأن شقيقته إيفانكا «استخدمت نفوذها» على والدهما دونالد، لتشجيعه على شنّ ضربة عسكرية ضد سوريا. وقال إريك إن «إيفانكا أم لثلاثة أطفال وتحظى بالكثير من النفوذ. أنا متأكد من أنها قالت إن ما جرى كان رهيباً»، لإقناعه بالتحرك العسكري. وأضاف أن «والدي سوف يتصرف في مثل هذا الظرف. وبالمناسبة، كان يعارض التحرك العسكري في سوريا قبل عامين. ولكن هناك زعيم استخدم الغازات ضد شعبه ونسائه وأطفاله. وفي مرحلة ما، أميركا هي زعيمة العالم، ويجب أن تتصرف».
ولفت إلى أنه «خارج السياسة وخارج الإدارة (في البيت الأبيض)»، ولكنه متأكد من أن والده «تأثر بشدة بصور الأطفال ضحايا الهجوم». ورأى إريك أن شقيقته تمتلك تأثيراً فاعلاً على الرئيس، لأنها «لا تخشى أن تقول لا». وكانت إيفانكا قد تولّت منصباً رسمياً غير مدفوع الأجر، كمساعد للرئيس. وحضرت خلال الأشهر الثلاثة الماضية في اجتماعات والدها مع رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
(الأخبار)
«القاعدة» تلاعبت بترامب
نشرت صحيفة «هافنغتون بوست» مقالاً قبل أيام بعنوان «كيف تلاعبت «القاعدة» بدونالد ترامب، وبالإعلام الأميركي؟»، كتبه سكوت ريتر، كبير مفتشي الأمم المتحدة المكلّفين بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق.
وتحدّث ريتر عن «الهجوم الكيميائي» على خان شيخون، مشيراً إلى «اللامنطق» الذي اعتمدته الإدارة والإعلام في التعامل مع هذه المسألة، و«استخدام المجتمع الأميركي وصنّاع القرار الحملة الدعائية الخادعة، التي تضمنت مشاهد وقصصاً زوّدتها بها القوات المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، بما في ذلك منظمات كـ»الخوذات البيض» و»الجمعية الطبية السورية ــ الأميركية» و»مركز حلب الطبي»»، مضيفاً أن «لهذه المنظمات تاريخاً حافلاً بتقديم معلومات مضلّلة».
من جهة أخرى، لفت ريتر إلى أنه «في وقت مبكر، كانت وسائل الإعلام المعارضة تقدّم حادثة خان شيخون على أنها هجوم بغاز السارين»، مشيراً إلى أن «أحد الأطباء التابعين لتنظيم «القاعدة» أرسل صوراً وعلّق على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً إن الأعراض الموثقة تعود إلى التعرض لغاز السارين». ولكن ريتر أوضح أن «السارين مادة لا رائحة لها ولا لون، وتنتشر كسائل أو بخار؛ وقد تكلم شهود عيان عن رائحة قوية وغيوم مصفرة، تشير إلى غاز الكلور».
فضلاً عن ذلك، لفت الكاتب إلى أن «طاقم الخوذات البيض لم يرتدِ ثياباً واقية مناسبة لمعالجة الضحايا»، معتبراً أن «هذه إشارة أخرى إلى أن العامل الكيميائي المعني لم يكن السارين المصنّف عسكرياً». وبناءً على ما تقدّم، لفت ريتر إلى أنه «في ما يتعلّق بسوريا، لطالما عمدت وسائل الإعلام الأميركية وجمهورها إلى تبنّي رواية «القاعدة»، وغيرها من الجهات الإسلامية المعادية للنظام»، معتبراً أن «المجرم الحقيقي هنا هو إدارة ترامب، والرئيس ترامب نفسه».