حمل لقاء الرئيس الروسي بوزير الخارجية الأميركي، خارج الجدول المقرر لزيارة الأخير، رسائل بأن موسكو تسعى إلى ضبط موجة التصعيد الأميركية واحتوائها عبر القنوات الديبلوماسية. وفي المقابل، بدا واضحاً من معارضتها لمشروع القرار الغربي، بفيتو جديد، أنها لن ترضخ للضغوط الغربية التي تطالبها بفكّ تحالفها مع دمشق وطهران
بعدما وصل التوتر الروسي ــ الأميركي إلى أعلى مستوياته منذ الحرب الباردة، وفق وصف وزارة الخارجية الروسية، قد يترجم استقبال الرئيس فلاديمير بوتين أمس، لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، كإشارة إلى رغبة الجانبين في حصر تبعات «الصدام» الأخير عقب العدوان الأميركي على سوريا.
وبرغم بقاء معطيات اللقاء الطويل الذي امتد إلى ما يزيد على ساعتين، بعيدة عن التداول الإعلامي، فقد حافظت تصريحات الجانبين التي سبقت وتلت اللقاء على لهجتها «غير الودّية»، بالتوزاي مع جولة كباش جديدة كانت تدور في مجلس الأمن، إثر تقديم موسكو لمشروع قرار مضاد للنسخة الأميركية ــ البريطانية ــ الفرنسية، انتهت بفيتو روسي جديد ضد المشروع الغربي المقدم، الذي تحصّل على موافقة 10 أعضاء واعتراضين من روسيا وبوليفيا، وتحفّظ ثلاثة أعضاء، بينهم الصين، فيما بدا لافتاً تصويت مصر بالموافقة على المشروع. وأوضحت موسكو قبيل التصويت على مشروع القرار أن وزير الخارجية سيرغي لافروف، قدم مقترحاً لنظيره الأميركي بتقديم طلب إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإيفاد لجنة تحقيق تزور منطقتي خان شيخون ومطار الشعيرات العسكري.
وأتى لقاء بوتين بتيلرسون من دون جدولة مسبقة، بعد ليلة من التصريحات الأميركية المستفزة، خرج فيها الرئيس دونالد ترامب عن الأعراف الديبلوماسية، واصفاً الرئيس السوري بشار الأسد بـ«الحيوان». وعقب لقاء تيلرسون مع الرئيس الروسي، أكد في مؤتمر صحافي أن «العلاقات الروسية الأميركية في مستوى متدنٍّ جداً»، مضيفاً أنه «يجب العمل على تحسين تلك العلاقة إذا أردنا التقدم في بعض الملفات». وأوضح أن الجانبين متفقان على «وحدة سوريا واستقرارها وخلوّها من الإرهابيين... مقابل الخلاف على عدد من النقاط الأخرى». وحول التصريحات الحادة التي خرجت من ترامب، قال إن الأسد «هو من جلب لنفسه هذه التوصيفات والانتقادات». وأشار إلى أنه أوصل وجهة نظر بلاده بأن «حكم عائلة الأسد يشارف على الانتهاء... وروسيا لديها السبل لجعل الأسد يعرف هذه الحقيقة»، أما «الشرعية التي سيمثلها في المفاوضات... فسوف نتركها للعملية السياسية».
وبدوره أكد لافروف ضرورة عدم تكرار الضربات الأميركية «غير القانونية» على سوريا، مشدداً على أن هناك محاولات لعرقلة التعاون بين بلاده والولايات المتحدة. ولفت إلى أن بلاده على خلاف مع الأميركيين حول مصير الأسد، الذي «يجب أن يقرره السوريون وفق القرارات الدولية». ولفت إلى أن «كل الاتهامات ضد الحكومة السورية في حادث خان شيخون، تعتمد على دلائل بعيدة أو على تقارير منظمات أثبتت عدم صدقيتها كـ(الخوذ البيضاء)»، مضيفاً أن بلاده والحكومة السورية قدمتا سابقاً «دلائل مادية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بوجود أسلحة كيميائية بيد الإرهابيين». وقال إن بلاده «لا تراهن على شخص ما، بل على بناء دولة سورية علمانية ديموقراطية، وهو ما تعارضه (هيئة المفاوضات) المعارضة». وكان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، قد أشار إلى أن تيلرسون ولافروف سيبحثان مسألة إنشاء «مناطق حظر طيران»، مشيراً إلى أن «الموقف الأميركي تجاه سوريا لا يزال لغزاً بالنسبة إلى موسكو».
وشهدت جلسة مجلس الأمن أمس، المخصصة لبحث القضية السورية (قبيل جلسة التصويت)، اتهامات عالية اللهجة للجانب الروسي من قبل المندوب البريطاني ماثيو رايكروفت، مشيراً إلى أن روسيا بعد استخدامها حق النقض لسبع مرات في خلال السنوات الست الماضية «دفاعاً عن نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد»، لم تحصِّل شيئاً و«تحولّ الفخر في أستانا إلى ذلّ... وسُمِّمَت صدقيتها من قبل الأسد». ورأى أن روسيا «اختارت الجانب الخاطئ من التاريخ، إلى جانب القتلة». وبدوره، شدد نائب المندوب الروسي فلاديمير سافرونكوف، على أن بلاده لن تسمح بتبني مشاريع «جيوسياسية هدامة» حول سوريا. واستنكر تأكيد الدول الغربية لمسؤولية الحكومة السورية عن هجوم خان شيخون من دون زبارة الموقع أو انتظار نتائج التحقيق. وبدورها قالت المندوبة الأميركية نيكي هالي، إن بلادها مستعدة «لدعم الدبلوماسية بكل ثقلها وإمكاناتها... لوضع حد لهذا النزاع»، مضيفة أن ذلك «ليس كافياً... بل يحتاج إلى شركاء جادين في استخدام نفوذهم» على الرئيس الأسد. واتهمت إيران بـ«صب الزيت على نار الحرب لتوسيع نفوذها».
ومن جانبه، قال الأممي ستيفان دي ميستورا، إن العنف في سوريا ازداد بعد توجيه الولايات المتحدة ضربة صاروخية على مطار «الشعيرات» العسكري. وأعرب في كلمة ألقاها في جلسة مجلس الأمن الدولي، عن قلقه على مصير العملية التفاوضية في جنيف، مشيراً إلى أن «التقدم الهش الذي حصل يواجه حالياً خطراً هائلاً». وأشار إلى «مسؤولية موسكو وواشنطن المشتركة بإعادة الاستقرار في سوريا»، مؤكداً أنه سيرسل ممثلين عنه إلى مشاورات يرتقب إجراؤها في طهران الأسبوع المقبل، وإلى أستانا في الشهر المقبل، باعتبارها مشاورات «مهمة جداً». وأوضح استعداد الأمم المتحدة لاستئناف محادثات جنيف في شهر أيار المقبل.
وأكد المندوب السوري بشار الجعفري، أن الإدارة الأميركية تدفع بالحرب على سوريا عبر الانتقال من العدوان بالوكالة إلى العدوان بالأصالة. ورأى أن «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يدفعها إلى البحث عن دور جديد عبر خطاب متطرف». ورأى أنه «لم يرُق أعداءَ المسار السياسي فرضُنا لسلة مكافحة الإرهاب في محادثات جنيف». وأكد أن الحكومة السورية وجّهت إلى المجلس رسالة تشير فيها إلى دعوة المدير العام لمنظمة الأسلحة الكيميائية لإيفاد بعثة لمعرفة من استخدم السلاح الكيميائي.
إلى ذلك، قال وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، إنّ بلاده ليس لديها «أي شك» في مسؤولية الحكومة السورية عن الهجوم الكيميائي. ورأى أن الإجراء العسكري الذي اتخذته بلاده «يثبت أنها لن تقف مكتوفة الايدي»، مشيراً إلى أن «هزيمة (داعش) تبقى الأولوية الأهم للولايات المتحدة».