يتصرف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، كأن قطاع غزة وسكانه، والفصيل المسيطر عليه «حماس» (بغض النظر عن الأسباب التي دفعت الحركة إلى السيطرة على القطاع)، هم أعداؤه الحقيقيون. أما ما تفعله إسرائيل في الضفة المحتلة، من اعتداءات واعتقالات، فكل ذلك يمكن التغاضي عنه، والتفاوض حوله، ولا يعنيه.

أنْ يقتحم جنود العدو مدينة البيرة، وسط الضفة، وبالقرب من منزل عباس، ويقتلوا مقاوماً، فذلك أمر عادي يمكن المرور عنه، وأن يعتدي المستوطنون يومياً على المقدسيين، فهذا يمكن السكوت عنه أيضاً. أن تعلن إسرائيل نيتها ضم المناطق «ج» إليها، فذلك يمكن التغاضي عنه. لكن أن تشكل «حماس» هيئة لإدارة غزة، لأن «السلطة تخلت عن القطاع»، وفق وصف أحد القادة الحمساويين، فذلك يتطلب تصرفاً صارماً من «أبو مازن»، وإعلانه اتخاذ «خطوات غير مسبوقة»، لكن هذه الخطوات ضد من؟ ببساطة، ضد مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع المحاصر.

فبعد «مجزرة الرواتب» التي ارتكبتها السلطة بحق الموظفين في غزة، والغالبية منهم فتحاويون، بحسمها ٣٠٪ من رواتبهم، ثم رفعها «ضريبة البلو» على الوقود المشغل لمحطة كهرباء غزة، وتوجهها إلى إقالة موظفي القطاع، أعلن عباس أنه ينوي اتخاذ «خطوات حاسمة وغير مسبوقة» ضد ما وصفه «انقلاب حركة حماس».
وقال عباس في كلمة أول من أمس في خلال «مؤتمر سفراء فلسطين المعتمدين لدى الدول العربية والإسلامية» في البحرين: «تعرفون أن حركة حماس ارتكبت جريمة بحق وطننا فلسطين، وقامت بانقلاب، ومنذ ذلك الوقت ونحن نسعى من أجل إنهاء هذا الانقسام». وأضاف: «هذه الأيام نحن في وضع خطير وصعب جداً ويحتاج خطوات حاسمة، ونحن بصدد أن نأخذ هذه الخطوات، فبعد 10 سنوات من تقديم الدعم لأهلنا في غزة نُفاجأ بهذه الخطوة غير المسبوقة، لذلك سنأخذ خطوات غير مسبوقة بشأن الانقسام في الأيام القليلة المقبلة».
عباس أعاد بخطابه في المؤتمر التاريخ عشر سنوات إلى الخلف، ولو قيل هذا الكلام منذ عقد، أي عندما سيطرت «حماس» على القطاع، لكان الأمر مبرراً ومفهوماً، لكن استخدام المصطلحات نفسها التي كان يرددها مع المقربين منه حينذاك، فذلك يعني أن رئيس السلطة قرر مواجهة الحركة قبل لقائه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
بالنسبة إلى قيادات «حمساوية»، إن الإجراءات التي ينوي عباس اتخاذها ستكون عقابية ضد أهل غزة، ومن المتوقع أن يلجأ أبو مازن، في رأيهم، إلى ثلاث خطوات تصعيدية ضد الحركة، هي: «رفض السلطة دفع المال للشركة الإسرائيلية للكهرباء، وتجميد التحويلات المالية للجمعيات الخيرية عن طريق سلطة النقد، وتوقيف إصدار جوازات السفر للغزيين». وقالت مصادر في الحركة إن «عباس يريد تأكيد سيطرته على الضفة والقطاع، للقول أمام ترامب إنه يستطيع السير في أي مشروع تسووي يطرح في المؤتمر الإقليمي التي تنوي واشنطن عقده».
في غضون ذلك، أعلن المتحدث باسم «حماس» فوزي برهوم أمس، رفض الحركة «تهديدات رئيس السلطة محمود عباس» التي تشكل «دليلاً على مسؤوليته المباشرة عن صناعة الأزمات لأهلنا في غزة والتضييق عليهم»، معتبراً أن «أزمات القطاع مفتعلة، وبقرار سياسي، وليس لها علاقة بالوضع المالي والاقتصادي».
أيضاً، أعلن القيادي في «حماس» إسماعيل رضوان استعداد الحركة «الكامل لتمكين حكومة التوافق الفلسطينية من القيام بكافة واجباتها في القطاع»، مشدداً بعد اجتماع للفصائل الفلسطينية، على أن «اللجنة الإدارية في غزة، ستنتهي بمجرد تسلّم الحكومة وظائفها في القطاع». ولفت رضوان إلى أن مهمة اللجنة هي «معالجة الوضع الإداري في القطاع، عندما تجاهلت حكومة التوافق واجباتها».
تضيف المصادر في «حماس» أنهم أُجبروا «على تشكيل اللجنة لأن وزراء حكومة الوفاق الوطني لا يتابعون وزاراتهم في القطاع، ووكلاء الوزارات لا يتلقون أجوبة على مراسلاتهم مع الوزراء المعنيين».
ومن المتوقع أن يزور وفد قيادي من «اللجنة المركزية لحركة فتح» في الأيام المقبلة غزة، للبحث مع «حماس»، في «مبادرة عباس»، وقالت مصادر في الأخيرة إنها لم تتلق أصلاً نسخة عن «مبادرة عباس»، وإن ما وصلها هو مجرد ما جرى تداوله عبر وسائل الإعلام، لكن «نحن مستعدون لتسليم القطاع، بشرط إيجاد حلّ لمشكلة الموظفين الحكومين».
إلى ذلك، قال وزير الأشغال العامة والإسكان في حكومة «التوافق»، مفيد الحساينة، إن «انهاء الانقسام وإلغاء اللجنة الإدارية التي شكلتها حركة حماس في غزة وتمكين الحكومة من تسلّم كامل مهماتها في الوزارات والهيئات والمعابر... سيؤدي إلى إنهاء الكثير من الأزمات في قطاع غزة، التي من أبرزها مشكلة الموظفين والكهرباء».

المصدر: قاسم س. قاسم - الأخبار