أُرسل القماش من مدينة دنيزلي جنوبي البلاد إلى قصر شنقايا. يستعدّ «الخليفة» المنتخب لحفل التتويج. فمن «تون غوزلو» (الاسم القديم) كان يؤخذ القماش إلى القصور العثمانية لجودتها العالية، حيث تُحاك قمصان السلاطين.
قد يكون رجب طيب أردوغان يحلم بِزيّ مشابه. يضع أمام عينيه لوحة السلطان محمد الفاتح، ويخطّ خطاب النصر يوم الأحد، وهو المعتاد على الانتصارات منذ تأسيس «حزب العدالة والتنمية».
اللوحة/ الهدية تسلّمها من والي طرابزون منذ أسبوع. يرون فيه الخصال نفسها. رئيس الوزراء بن علي يلدريم قال في أحد المهرجانات المؤيدة للتعديل الدستوري: «فَتَح (محمد) الفاتح إسطنبول في عمر الواحد والعشرين، وقلّل التوتر من البر إلى الخليج، ومن أحفاده أردوغان...».
«الفاتح الحديث» سيلتزم بربطة العنق، لكنه لن يملّ من تكرار ما قاله مؤخراً أمام تجمع شبابي في إسطنبول: إلى جيل أحفاد السلاطين... إلى أحفاد الذين صدّوا الهجمات في معركة جناق قلعة والدردنيل، نحن امتداد للدولة العثمانية والسلجوقية.
منذ عام 2003، طبع «القائد» الحياة السياسية في البلاد. ترأس مجلس الوزراء ثلاث دورات، ثمّ فرض انتخابات رئاسية عبر صناديق الاقتراع، ليكون رئيس الجمهورية عام 2014، وحاكماً أوحد من دون سلطات دستورية.
هو اليوم يفتح صناديق الاقتراع مجدداً لتحويل النظام إلى رئاسي. إلى دولة لا تحتاج إلى وكلاء لتنفيذ قراراته. من «بابه العالي» يُعلن حالة الطوارئ ويحلّ البرلمان والحكومة.
حاكم لا يريد الشراكة... يقول إنّها ضد الاستقرار. هو محق في الحالة التركية، فكل «الائتلافات» السابقة استحالت ركوداً اقتصادياً وضعفاً سياسياً.
في الانتخابات البرلمانية عام 2015، حصل «حزب العدالة والتنمية» على 49.5% من الأصوات، و«حزب الحركة القومية» (الموافق على التعديلات الدستورية) على 11.9% من الأصوات. هذه الأرقام تريح «فريق نعم» وقائده. وهو منذ فشل محاولة الانقلاب في تموز الماضي، ارتفعت نقاطه في الإعلام والقضاء والإدارات والجامعات. سطوة تامة أمام أصوات خجولة يمثّلها «حزب الشعب الجمهوري» وناشطو «حزب الشعوب الديمقراطي» (الرئيسان المشتركان للحزب صلاح الدين دميرتاش وفيغان يوكسك داغ مسجونان).
إلى جانب خنق الحياة السياسية، لدى أردوغان بطاقة نجاح أخرى عنوانها الاقتصاد والمشاريع الضخمة المفتتحة، وصولاً إلى المساعدات التي توزّع شهرياً على عشرات الآلاف من فقراء الأناضول. وهو القائد بلسان الآلاف من أئمة المساجد، و90% من القنوات التلفزيونية والصحف والمجلات.
سقوط التعديلات يوم الأحد مخالف لكل «التراكم الأردوغاني» في العقد الأخير. ففي ظلّ معارضة مشرذمة لا تمتلك أي مشروع، انتصار «لا» سيكون في وجه «خوف» من مصطفى كمال أتاتورك جديد. من قائد ممنوع محاسبته حتى مماته، من فرد يملك كل زمام السلطة ويُقصي حتى المقرّبين منه. لكن، هل نبذ الأتراك «السلاطين»؟