طغى التفجير الإرهابي الذي استهدف قافلة أبناء كفريا والفوعة في ضاحية الراشدين (حلب) على كل ما سواه من تطورات المشهد السوري خلال الأيام الماضية. وفضلاً عن عدد الشهداء الكبير الذين قضوا من جرّاء الاعتداء الذي وقع يوم السبت الماضي (125 شهيد على الأقل)، يبدو التفجير أشبه بصندوق بريد دموي ضُمِّن رسائل سياسيّة.
وبرغم عدم تبني أي جهة للتفجير المذكور، غير أنّ معظم المؤشرات تؤكد أنّ حصوله من دون «أمر حركة استخباراتي» يبدو مستبعداً. وتبرز في هذا الإطار شبهات مسؤوليّة سعوديّة نظراً إلى أن اتفاق «المدن الأربع» (كفريا والفوعة ومضايا والزبداني) قد عُقد بضمانة قطريّة، ما يشكّل حاملاً لعودة الدوحة إلى المشهد السوري، بوصفها طرفاً قادراً على عقد اتفاقات وتقديم ضمانات.
ومن المعلوم أن التنافس على النفوذ بين اللاعبين الإقليميين الداعمين للمعارضة السورية كان سبباً لكثير من التحولات والأحداث في سوريا، بما في ذلك شنّ معارك طاحنة ما بين المجموعات المسلحة نفسها. وتحتفظ السعودية بنفوذ داخل عدد من المجموعات الموجودة في منطقة حصول الاعتداء الإرهابي، أو القادرة على الوصول إليه مثل أجنحة من «حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، و«جيش المهاجرين والأنصار». وتحضر تركيا أيضاً بوصفها طرفاً سياسياً تُحتمل مسؤوليته عن التفجير، برغم أن اللاعب التركي ينسجم في كثير من الملفات مع اللاعب القطري، لكنه دأب على الإمساك بزمام الأمور في خلال العامين الأخيرين، خلافاً لما حصل في اتفاق «المدن الأربع».
ومن المجموعات المحسوبة على تركيا في المنطقة يبرز «الحزب الإسلامي التركستاني»، فضلاً عن أجنحة من «أحرار الشام» و«جبهة النصرة». ولا ينبغي إغفال سيناريو مسؤولية «جبهة النصرة» عن الاعتداء، على الرغم من كونها طرفاً أساسياً في اتفاق «المدن الأربع». ولا يبدو مستبعداً وقوف أجنحة داخل «النصرة» وراء الهجوم، أو حتى مسؤولية قيادتها مباشرةً عنه.
ولم يحل التفجير الإرهابي دون إتمام اتفاق «المدن الأربع»، إذ وصلت يوم السبت الحافلات التي تقل قرابة خمسة آلاف من أبناء كفريا والفوعة إلى مركز جبرين في حلب. وذكرت وكالة «سانا» أنه «بالتوازي مع وصول الدفعة الأولى من حافلات كفريا والفوعة، دخلت إلى منطقة الراشدين من ثم إلى ريف إدلب دفعة من الحافلات التي تقل أكثر من 2300 من المسلحين وبعض عائلاتهم من الزبداني ومضايا».
وعلى صعيد آخر، عادت عجلة تنفيذ اتفاقية حي الوعر في حمص إلى الدوران أمس، تمهيداً لخروج الدفعة الخامسة من الوعر في اتجاه مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي. وحفلت الأيام الماضية بعدد من التطورات الميدانية المهمة، حيث حقق الجيش السوري تقدمه في ريف حماه وسط البلاد واستعاد السيطرة على كل من صوران وتل بزام ووصل إلى أطراف مدينة طيبة الإمام.
وفي محافظة الرقة واصلت «قوات سوريا الديموقراطيّة ــ قسد» تقدمها على حساب تنظيم «داعش»، وسيطرت على قرى ومناطق في الريف الشمالي للرقة، بينما أعلنت مصادر كردية دخول «قسد» مركز مدينة الطبقة الاستراتيجية في ريف الرقة الجنوبي الغربي.
على الصعيد السياسي، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أمس، أن ممثلي موسكو وواشنطن والأمم المتحدة سيعقدون اجتماعاً ثلاثياً بشأن سوريا الأسبوع المقبل. ونقلت تقارير إعلامية روسية عن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، أنّ «من المخطط أن يعقد لقاء ثلاثي في جنيف لممثلي روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة». وأضاف أن «نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف، ومدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيرغي فرشينين، سيمثلان موسكو في هذا الاجتماع، بينما سيمثل المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ونائبه رمزي رمزي، هيئة الأمم المتحدة». وأوضح المسؤول الروسي أن هذا الاجتماع يمثل «إطاراً جيداً لبحث كافة القضايا، وقبل كل شيء إجراء جولة قادمة من مفاوضات جنيف». بدورها، أعلنت طهران استضافتها اجتماعاً ثلاثياً اليوم في شأن سوريا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، أن طهران «ستستضيف غداً (اليوم) الثلاثاء اجتماعاً ثلاثياً يضم روسيا وإيران وتركيا في سياق محادثات أستانا حول سوريا».