بالملح وبالماء، يواصل الأسرى الفلسطينيون في زنازين العدو خوض إضرابهم المفتوح عن الطعام لليوم الثالث على التوالي: إما تحسين ظروفهم، وإما الاستشهاد جوعاً. وبينما بدأ الفلسطينيون الاستعداد لمعركة المناصرة، انشغل صنّاع القرار الإسرائيلي ومحللو الصحف العبرية بتحميل الأسرى «جميلة سجنهم» وإبقائهم على قيد الحياة!

... لليوم الثالث على التوالي، يخوض 1300 أسير فلسطيني في زنازين العدو الإسرائيلي، إضرابهم عن الطعام، في فعل مقاوم أطلقه الأسير مروان البرغوثي. ليست هذه المرّة الأولى التي ينظم فيها الأسرى إضراباً جماعياً مفتوحاً عن الطعام، لكن الإضراب الجاري يتوّج سنوات من النضالات الفردية داخل الأسر، ضد كل من «الاعتقال الإداري» والسجن الإفرادي، وضد تقليص زيارات الأهل التي يبدو أنّ منظمة «الصليب الأحمر» الدولي اصطفّت فيها إلى جانب الاحتلال.

بماذا، إذاً، يختلف هذا الإضراب عمّا سبقه؟ يجيب الأسير المحرر، محمد كناعنة، بالقول إنه «قد لا يختلف في جوهره عن الإضرابات التي خاضتها الحركة الوطنية الأسيرة سابقاً، فهو يحمل مطالب معيشية إنسانية تضمن الحفاظ على كرامة الإنسان الفلسطيني القابع في الأسر»، شارحاً أن «الإضراب يأتي ما بعد خوض الحركة الأسيرة سلسلة من الإضرابات الفردية والجماعية على مدى الأعوام الخمسة الماضية، وأيضاً بعد حملة كبيرة ممّا تسمى إدارة مصلحة السجون الصهيونية ضد الحركة الأسيرة، وجُملة من التضييقات التي مارستها الأخيرة بحقهم»، مثل: سحب بعض الإنجازات ولوازم الحياة، وتقييد إدخال الكتب، وحرمانهم الدراسة الأكاديمية، وحجب بعض الفضائيات.
ولفت كناعنة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه «حتى لو حمل الإضراب الحالي بعض المطالب (السياسية) كإلغاء الاعتقال الإداري، وهو مطلب محق، فإنه يبقى إضراباً مطلبياً عادلاً، وتميزه مشاركة معظم فصائل العمل الوطني وقياداتها فيه، ما يعطيه زخماً وقوة أكبر».
يدرك الأسرى جيداً أنهم حجر الزاوية في هذه المعركة، لكنهم يتوقعون أيضاً مساندة شعبية للحفاظ على صمودهم وصلابتهم، ولذلك يرى كناعنة، وهو أيضاً عضو في «لجنة المتابعة العربية» داخل الأراضي المحتلة عام 1948، أن «على الشارع الفلسطيني التحرك والتظاهر... ومقاومة العدو وأجهزته الأمنية عند نقاط التماس والشوارع الالتفافية، والحواجز المؤدية إلى البؤر الاستيطانية في الضفة المحتلة»، لافتاً إلى «أهمية التحرك الدولي، فهو معنوي ومؤثر لكونه يمتلك مساحة الاحتجاج أمام ممثليات كيان الاحتلال في عواصم العالم».
في هذا الصدد، رأت الناشطة الفلسطينية صمود سعدات، وهي نجلة الأسير الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» أحمد سعدات، أن المطلوب «تحركات شعبية، طلابية أو نسوية أو شبابية، فكل أشكال الدعم والمساندة الشعبية سترفع معنويات الأسرى». ورأت أن الضغط يجب أن يجري عبر «المواجهات مع الاحتلال على نقاط التماس، وكذلك التصعيد ضد المقارّ الدولية المعنية وعلى رأسها الصليب الأحمر».
وطالبت سعدات، في حديثها إلى «الأخبار»، «الحكومات وهيئات ولجان الأمم المتحدة المعنية بمراقبة أوضاع الأسرى داخل السجون، وكذلك حملات المقاطعة بالضغط لفرض عقوبات دولية على الاحتلال». وحمّلت القيادة الفلسطينية الرسمية مسؤولية توليد الضغط الدولي، وأن «تقف هذه القيادة في صف الشعب، لا أن تراهن على مستنقع المفاوضات والتنسيق الأمني، بل العمل على تحقيق الوحدة الوطنية».
وفي الوقت الذي بدأت فيه مدن وبلدات فلسطينية عدّة، من ضمنها أراضي الـ 48، نصب خيم وتحركات تضامنية مع الأسرى والاستعداد للتحركات الشعبية، رأت رئيسة «لجنة شؤون الأسرى» في حزب «التجمع الوطني الديموقراطي»، دعاء حوش، أن إضراب الأسرى «هو آخر الوسائل النضالية التي يخوضها الأسير داخل السجون، ولهذا قيمة معنوية كبيرة، لأنه أهم ورقة ضغط في يد الأسرى». وقالت إن «هذا الضغط يجب أن يُدعّم بتحرّك شعبي خارج السجون لمحاولة استرداد كل الحقوق والمطالب الإنسانية التي سُلبت من أسرانا، ولكي تُلغى الحالة المنافية للإنسانيّة وللاتفاقات الدولية التي يعيشونها داخل الأسر».
ورأت حوش، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المؤسسة الإسرائيلية تحاول ردع النضال الفلسطيني عبر شدّ الخناق والتنكيل بالأفراد والمجموعات، وهي تُقابل كل خطوة نضاليّة شرعية بمحاولة إذلال وقمع لهذا النضال»، لافتةً إلى أن «مصلحة السجون باشرت بخطوات فعليّة عدة لردع الإضراب عن الطعام كنقل الأسرى بين السجون ومصادرة ممتلكاتهم وتحويلهم إلى العزل الانفرادي».
في السياق نفسه، ذكرت حوش أن «هناك مبادرات عدة لتدعيم نضال الأسرى من الخارج ونحاول أن تكون النشاطات وحدويّة قدر الإمكان لاجتذاب أكبر قدر من الالتفاف الشعبي حولها»، مشيرة إلى أن اتساع رقعة النشاطات «مرهون بالتصعيد الذي سيُقابل من مصلحة السجون والمؤسسة الإسرائيليّة».
من جهة العدو، وصف الوزير الإسرائيلي بلا حقيبة، تساحي هنغبي، الأسرى بأنهم «مجموعة من القتلة الوقحين، والذين يحظر أن تستسلم إسرائيل لهم»، زاعماً في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العامة أن ظروف أسرهم «تعكس القوانين الدولية»، وأن الإضراب «ذريعة مروان البرغوثي لمعركته المتوقعة على خلافة (رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس) أبو مازن».
أمّا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، فلم ينسَ التطرق إلى إضراب الأسرى، زاعماً خلال زيارته أمس مدينة ديمونا، حيث المفاعل النووي الشهير، ودعوته إلى إطلاق ما سماه «المستقبل إلى ديمونا والنقب» عبر إقامة كلية لتدريس «السايبر»، أن «إسرائيل تقف في الجانب المحق والأخلاقي، بينما الأسرى هم قتله وإرهابيون»، واصفاً البرغوثي بـ«الإرهابي الكبير».
وصب نتنياهو غضبه على مقالة الأسير البرغوثي في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، وقال إن «اعتبار البرغوثي رجل برلمان، هو كمن يعتبر (الرئيس السوري بشار) الأسد، قاتل الأطفال، طبيب عيون». وأضاف أن الصحيفة «تراجعت بعدما وجهنا لها الملاحظات»، في حين أن الأخيرة لم تتراجع، وإنما قالت إن «السيّد البرغوثي يقبع في السجن بعد صدور حكم من محكمة لا يعترف بها».
أيضاً، وصلت الحال بمعلق الشؤون العربية في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، إلى حد الدعوة إلى صلاة جماعية تضمن «تحلي حكومة (بنيامين) نتنياهو برباطة الجأش، وشجاعة القرار والنفس الطويل أمام مطالب الأسرى الفلسطينيين». ورأى أن «الفلسطينيين يدركون أن صلابة موقف الحكومة الإسرائيلية محدودة»، خاصة أن «هناك خشية من تجدد الانتفاضة، وكذلك الضغط الدولي، وهو ما قد يشكل تهديداً لنتنياهو وحكومته... إن لم يكن اليوم، فغداً. الموضوع قضية صبر فقط».
كذلك، حذّر المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، من «تصدر الإضراب الأجندات الأمنية والسياسية في إسرائيل، في حال تعقّد وطالت مدته، خاصة أنه يمكن أن يستمر حتى تعلن إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب نيتها إعادة تحريك عملية السلام». واختصر المحلل الإسرائيلي الإضراب بأنه «مبادرة شخص واحد، هو مروان البرغوثي»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنه «صراع ضد إسرائيل وعباس معاً».
ورأى هرئيل أن «التفاف وسائل الإعلام وتغطيتها الإضراب المتواصل يخدم خطوات البرغوثي ضد قيادة السلطة الفلسطينية، التي تدعم الإضراب رسمياً لكنها قلقة عملياً حيال أي نتيجة سترفع مكانة الزعيم السجين، غير المحبوب خاصة من الرئيس (محمود) عباس وأنصاره». كما شكك المحلل الإسرائيلي في قدرة وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، على التشبث بموقفه الرافض «للتفاوض مع الأسرى»، معتبراً أنه في حال استمر الإضراب حتى الشهر المقبل، الذي سيلتقي فيه عباس ترامب، فإن «الأمور قد تتطور إلى أزمة عميقة».
أبرز مطالب الأسرى

■ تركيب تلفون عمومي في السجون والأقسام كافة للتواصل مع ذويهم
■ إعادة الزيارة الثانية التي أوقفتها منظمة «الصليب الأحمر» بحجة الظروف المالية
■ انتظام الزيارات كل أسبوعين ومنع تعطيلها من أي جهة
■ ألّا يمنع أي قريب من الدرجة الأولى والثانية من زيارة الأسير
■ زيادة مدة الزيارة من 45 دقيقة إلى ساعة ونصف ساعة
■ السماح للأسير بالتصوير مع الأهل كل ثلاثة أشهر
■ إدخال الأطفال والأحفاد تحت سن 16 مع كل زيارة
■ إغلاق ما يسمى «مستشفى سجن الرملة» لأنه غير صالح للعلاج
■ إنهاء سياسة الإهمال الطبي
■ إجراء الفحوص الطبية دورياً
■ إجراء العمليات الجراحية بصورة سريعة واستثنائية
■ إدخال الأطباء ذوي الاختصاص من الخارج
■ إطلاق سراح الأسرى المرضى، وخاصة ذوي الإعاقات والأمراض المستعصية
■ منع تحميل الأسير تكلفة العلاج
■ التجاوب مع احتياجات ومطالب الأسيرات الفلسطينيات بالنقل الخاص أو باللقاء المباشر دون حاجز خلال الزيارة
■ إدخال الكتب، والصحف، والملابس والمواد الغذائية والأغراض الخاصة للأسير على الزيارات
■ إنهاء سياسة العزل الانفرادي
■ إنهاء سياسة الاعتقال الإداري (بحسب القانون الإسرائيلي الموروث من الانتداب البريطاني، يمكن أن يعتقل الاحتلال أي شخص ستة اشهر من دون توجيه تهمة إليه بموجب قرار إداري قابل للتجديد لفترة زمنية غير محددة)
■ إعادة التعليم في الجامعة العبرية المفتوحة
■ السماح للأسرى بتقديم امتحانات الثانوية العامة بوجه رسمي ومتفق عليه

المصدر: بيروت حمود - الأخبار